فرج سالمين البحسني يكتب:

رحلت عنا ولا زلت فينا يا أبا راشد

العميد الركن كرامة العبد الجابري ألتحق بركب القادة العسكريين العظام في الساعة الخامسة عصر يوم الخميس الموافق 25 نوفمبر 2021م

فجعت عندما جاءني اتصال من أحد الزملاء يفيد بأن العميد الركن كرامة العبد الجابري "أبو راشد" في ذمة الله...

استوقفت عن الكلام لبضعة ثواني..! وانتابتني حالة من الأسى والحزن العميقين، لما يمثله هذا القائد العسكري بالنسبة لي شخصيًا، ولمحافظة حضرموت والجنوب خصوصًا والوطن عمومًا، فقد فقدت حضرموت برحيله قائدًا عسكريًا فذًا، يعد من أبرز القادة العسكريين البارزين الذين يعدون بعدد أصابع اليد..

فمن عاشر هذا الرجل الإنسان سيعرف كم هو عظيم ويتميز بدماثة أخلاقه وحسن تعامله وتعاونه مع زملائه وشجاعته في الإقدام على تنفيذ المهام العسكرية، ويركن عليه في الظروف الصعبة.

لقد كنت قريبًا من القائد الراحل العميد الركن كرامة العبد الجابري أثناء فترة دراستنا العليا في الاتحاد السوفيتي سابقًا، وقد أمضينا معًا أربع سنوات في أكاديمية المدفعية، وسكننا في غرفة واحدة، ودرسنا في صف دراسي واحد به مجموعة طلاب من جنسيات مختلفة عربية وأفريقية وآسيوية وغيرها.. وكنا لا ننفصل عن بعض حتى في أوقات الراحة.

الدراسة العليا في مدرسة المدفعية وهي مدرسة متخصصة بإعداد القادة والضباط على مستوى عالي، وكان الفقيد في منصب أركان هذه المدرسة، فكانت بصماته واضحة سواء كانت في إعداد المناهج أو التخطيط لمنهج المدرسة والبرامج الشهرية وبرامج التخرج.. وكان يقضي جل وقته حتى خارج الدوام الرسمي في إعداد كل ما يلزم من محاضرات ومراجع تساعد المعلمين في أداء مهامهم بشكل راقي وكان متابعًا.

الراحل العميد الركن كرامة العبد الجابري كان هادئ الطبع وفطين ورصين الكلام وعالي الأخلاق ومتعاون مع كافة زملائه، ولديه طاقة نادرة في التعليم ويستمر لأجل التعليم حتى أوقات متأخرة من الليل، فكنت أنام أنا في وقت مبكر مقارنة به في خلوده للنوم، فكنت كلما استيقظت وجدته منهمكًا إما على خرائط لإعداد وثائق عسكرية أو على كتب يبحث فيها عن مراجع معينة.. يا لها من طاقة لدى هذا القائد..!

كل من عرف الفقيد كرامة الجابري وعمل معه عن قرب سيعرف أن هذا القائد تجتمع فيه سمات الثقافة والإطلاع، فهو معروف لدى العسكريين وليس بإستطاعة الجميع امتلاك هذه الخاصية.

عملت مع الفقيد بعد أن تخرجنا، وعمل قائدًا لمجموعة المدفعية في محور شبوة وهو منصب أعلى من قائد لواء.

وعندما كانت حضرموت بحاجة إلى قادتها، لم يتأخر الفقيد العميد الركن كرامة الجابري عن نداء حضرموت لتحريرها من تنظيم القاعدة الارهابي، وكان له بصمات كبيرة في عملية تحضير قوات النخبة الحضرمية وإعدادها والمشاركة في عملية تحرير ساحل حضرموت من قبضة الارهاب.

وعندما شاهدته لأول مرة بعد مرور سنوات طويلة من الإنقطاع بسبب الظروف التي فرضتها علينا حرب 1994، سررت جدًا بأن يكون الصديق الصدوق من صفوف هذه الكوكبة الكبيرة من الضباط الكبار والضباط على مختلف المستويات، فكنا نستشيره في العديد من الأمور العسكرية...

لقد شعرت بثقة كبيرة أن أجد العميد الركن كرامة العبد الجابري بين هذه المجموعة الكبيرة من الضباط الذين سنعمل معًا في سبيل التحضير والإعداد للقوة وقيادة عملية التحرير معًا، فكان لنا ولحضرموت ما أرادت، وبعد عملية التحرير عيّن الفقيد مستشارًا لقائد المنطقة العسكرية الثانية، فكنت دائمًا استأنس بأفكاره وآرائه، لمعرفتي أن لديه كنز غير عادي من المعلومات ولديه معرفة وخبرة كبيرة في العمل العسكري وخاصة في مجال التأهيل والتدريب، وكان أبو راشد رحمة الله تغشاه قريبًا مني وكان يقدم المقترحات والأفكار الجديدة المجدية، فلم يطلب يومًا شيء يخص نفسه.

أما آن لحضرموت أن تكرّم قادتها العسكريين العظام الذين أثبتوا تفوقًا في الانضباط العسكري والسلوك القويم وأثبتوا أيضًا تفوقًا في الدراسات العسكرية العليا وشجاعة نادرة، فكانوا دائمًا ما يشار إليهم بالبنان، وقد لا يعرف عامة الناس انه بعد الاستقلال مباشرة وبعد ذلك بعدة سنوات لم يكن عدد الضباط الحضارم كثيرًا في الجيش، لكنهم كانوا نوعية متفوقة، وعلى سبيل المثال معظم قادة المدفعية للأعوام 1977-1988 كانوا حضارمة، وهذا التخصص من التخصصات الصعبة الذي يتذلب تعليم وذكاء عاليين وتميز في الرياضيات.

مهما كتبنا عنك يا أبا راشد لن نوفيك حقك وعزائنا في أسرتك ومحبيك وزملائك وكل المواطنين في حضرموت وخارجها أنك ستبقى خالدًا في الذاكرة.

طيب الله ثراك أبو راشد وأسكنك فسيح جناته وألهم أهلك وذويك ومحبيك الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.