د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
إلى تجار الحروب في اليمن
أهدي هذا المقال إلى تجار الحروب وسماسرة الأوطان الذين يبيعون أوطانهم ويسرقون شعوبهم .
وأسوق هذه القصة التي تحمل معاني كبيرة وكثيرة منها :
أن الحاكم (أي حاكم وكل حاكم ) يعلم من هم اللصوص الذين يقهرون ويظلمون وينهبون الناس !!
روى الرحالة الفرنسي ڤولني عن والي دمشق أسعد باشا العظم.. خلال رحلاته بين دمشق و بيروت
إن الوالي كان بحاجة إلى المال للنقص الحاد في مدخرات خزينة الولاية.. فاقترحت حاشيته أن يفرض "ضريبة" على المسيحيين، وعلى صناع النسيج في دمشق !!
فسألهم أسعد باشا: وكم تتوقعون أن تجلب لنا هذه الضريبة؟
قالوا : من خمسين إلى ستين كيسا من الذهب !!
فقال أسعد باشا: ولكنهم أناس محدودي الدخل.. فمن أين سيأتون بهذا القدر من المال؟
فقالوا: يبيعون جواهر وحلي نسائهم يا مولانا.
فقال أسعد باشا: وماذا تقولون لو حصلت المبلغ المطلوب بطريقة أفضل من هذه؟
في اليوم التالي.. قام أسعد باشا بإرسال رسالة إلى المفتي.. لمقابلته بشكل سري ، وفي الليل وعندما وصل المفتي قال له أسعد باشا
نما إلى علمنا أنك ومنذ زمن طويل.. تسلك في بيتك سلوكا غير قويم.. وأنك تشرب الخمر.. وتخالف الشريعة.. وإنني في سبيلي لإبلاغ اسلامبول..يقصد (اسطنبول ) ولكنني أفضل أن أخبرك أولا.. حتى لا تكون لك حجة علي !!
أخذ المفتي يتوسل.. ويعرض مبالغ مالية على أسعد باشا.. لكي يطوي الموضوع.. فعرض أولا ألف قطعة نقدية.. فرفضها أسعد باشا.. فقام المفتي بمضاعفة المبلغ.. ولكن أسعد باشا رفض مجددا.. وفي النهاية تم الاتفاق على ستة آلاف قطعة نقدية وبعد أخذها قام بعزله !
وفي اليوم الثاني قام باستدعاء القاضي.. وأخبره بنفس الطريقة.. مضيفا أنه يقبل الرشوة.. ويستغل منصبه لمصالحه الخاصة.. وانه يخون الثقة الممنوحة له؟
وهنا صار القاضي يناشد الباشا.. ويعرض عليه المبالغ كما فعل المفتي.. فلما وصل معه إلى مبلغ مساوي للمبلغ الذي دفعه المفتي.. أطلقه ففر القاضي سريعا وهو لا يصدق بالنجاة .
بعدها جاء دور المحتسب.. وآغا الينكجرية.. والنقيب.. .. وكل من له مسؤولية في ذاك الوقت .. من مسلمين ومسيحيين.. وفعل معهم نفس الأمر .
بعدها قام بجمع حاشيته الذين أشاروا عليه أن يفرض ضريبة جديدة لكي يجمع خمسين كيسا.. وقال لهم: هل سمعتم أن أسعد باشا قد فرض ضريبة جديدة في الشام؟
فقالوا: لا ما سمعنا !!
فقال: ومع ذلك فها أنا قد جمعت مائتي كيس.. بدل الخمسين التي كنت سأجمعها بطريقتكم.. فتساءلوا جميعا بإعجاب.. كيف فعلت هذا يا مولانا؟
فأجاب : إن جزَّ صوف الكباش.. خير من سلخ جلود الحملان!!
ليبقى السؤال : هل سيأتي اليوم الذي يُجَزُ فيه صوف الفاسدين بدل سَلخِ جِلد المواطن؟!!
وفي اليمن الحوثيون يقومون بنهب الخزينة العامة والاحتياطي النقدي في البنك المركزي، ويحتكرون تجارة المواد الغذائية والدوائية والمشتقات النفطية، وفتحوا أسواقهم السوداء لنهب الشعب وسلخ جلد المواطن البسيط ، بل وقتله وتشريده وتجويعه .
وعلى الضفة الأخرى، برز تجار حروب في رأس هرم الشرعية ولم يحاسبهم أحد، ولهم مآربهم من إطالة زمن الحرب في أكثر من جبهة، وتأجيل الحسم حتى سقطت في أيدي الحوثيين وظلوا يكذبون علينا ويوعدونا باستعادتها واستمروا في الكذب علينا واستمر تأجيج الانفلات الأمني، وفتح أسواق سوداء في المناطق المحررة !!
والأدهى والأمر أن تجار الحروب المندسين بصف الشرعية هم من مخلفات سلطة النظام السابق لم تمس تجارتهم في المدن الواقعة تحت سيطرة المليشيات الحوثية ، و يدفعون سراً وعلانية لجماعة الحوثي مبالغ مالية تُسمى "المجهود الحربي" والأدهى والأمر أصبحوا يهربون النفط علنا بالقاطرات من حضرموت وشبوة الى الحوثيين بل وينقلون أطنانا من الحجارة التي تحوي عروقها المعادن النفيسة كالذهب وغيره وللتمويه يغطونها بالرمال !!
في الوقت ذاته يعاني الوطن من تزايد عدد الفقراء، وتتكالب مآسي الحياة على المواطنين ، في حين تتصاعد ثروات تجار الحروب في ظل اتفاقهم على إطالة جحيم الحرب، ونسف عملية السلام دونما اكتراث بجرمهم بحق الوطن والمواطن !!
هؤلاء اللصوص هم من يسرقون أحلامنا ويكذبون علينا
وهؤلاء هم من يسرقون قوتنا ويتاجرون بحقوقنا، وهؤلاء هم من يسرقون مستقبلنا وأجيالنا وينهبون خيرات الوطن وقد ماتت ضمائرهم ولم يرف لهم جفن !!
هؤلاء اللصوص هم الذين يسرقون أوطاننا ويدمرون أحلامنا وقتلنا وتشريدنا وتهجيرنا إلى أصقاع الأرض !!
وإذا نحن تغاضينا عن كل سرقاتهم فإننا نكتب نهايتنا بأنفسنا.
وختاما نقول :
كل شيء قابل للتعويض إلا الأوطان، فإذا سلبت من أهلها فإنهم لا يستطيعون استعادتها وقد يضيعون معها ، وقد تضيع منهم إلى الأبد.!!!
د. علوي عمر بن فريد