هيلة المشوح تكتب:
داعش المنقسم و"الدولة" المستحيلة
لطالما حاولت جميع التنظيمات الأصولية تشييد كيان "دولة" تستظل بظله وتحقق حلم "الخلافة" الذي يراودها جميعاً، وهو حلم لم ولن يتحقق لأسباب عديدة.. فهل تتلاشى هذه التنظيمات بتلاشي حلم الخلافة؟
بدأ هدف إنشاء "دولة الخلافة" بفكرة أيديولوجية وإشعال عاطفة الأتباع، ثم تجييش الفكرة لتنتهي بجيش وقيادة، ثم حروب وعمليات كر وفر وتراجع وتقدم وتراجع، مع العلم بأنها مجرد تنظيمات سرية بجيوش غير نظامية، تستهدف دولاً بجيوشها النظامية وميزانياتها وعتادها العسكري.. فما الذي يحدث بالضبط؟! خلال عملية إنزال عسكري أميركية يوم الخميس 3 فبراير الجاري، تمت تصفية زعيم تنظيم داعش، أبو إبراهيم الهاشمي، في شمال سوريا، وقال الرئيس جو بايدن إن الجيش الأمريكي "أزال من ساحة المعركة" زعيم تنظيم داعش بعد أن قام بتفجير نفسه وأفراد عائلته حين أن أطبقت عليه القوات الأميركية من كل جانب، إثر حصولها على معلومات استخباراتية دقيقة من أطراف مختلفة. ويبدو أن هذه المعلومات لم تتجاوز أطرافاً عراقية وقوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد).
ومن الواضح أن أمريكا بهذه العملية تمارس إنهاك التنظيم بقتل قياداته الكبرى. وهذه الحادثة تذكرنا بعملية قتل أبو بكر البغدادي عام 2019، وبذات التكتيك، وفي نفس المكان المحاذي للحدود التركية والذي لا يبعد عنها سوى 20 كيلومتراً، في قرية "اطمة" التابعة لريف إدلب، وعلى بعد 10 كيلومترات عن موقع مقتل البغدادي، مما يعني أن إدلب كانت نقطة ارتكاز للتنظيم، والمفارقة أنها تخضع لنفوذ جبهة النصرة، وهنا لابد من التأكيد على أن إقامة زعيمي التنظيم المقتولين في هذه المنطقة، وعلى رقعة تسيطر عليها تنظيمات تنتمي للقاعدة هو مؤشر قوي على الروابط بين تنظيمي داعش والقاعدة، وهي روابط متينة، إذ تجمعهما الأيديولوجيا والأهداف والعدو المشترك، فضلاً عن هدف التمكين لحلم الخلافة.
ولفهم هذه العلاقة تنبغي العودة إلى جذور داعش الذي بدأ كفرع لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وهو الكيان التنظيمي الذي شيده أبو مصعب الزرقاوي في 2004 لقتال القوات التي تقودها الولايات المتحدة وحلفائها داخل العراق عقب الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003. وبعد اضطلاع التنظيم بدور رئيسي خلال الفوضى التي شهدتها سوريا، انشق عن القاعدة وبدأ يبسط سيطرته على مناطق كبيرة من العراق وسوريا.
ويتزامن مقتل القرشي مع اقتراب موعد التجديد النصفي للكونجرس الأميركي، وهو ما يتشابه -من ناحية التوقيت- مع مقتل البغدادي (27 أكتوبر 2019) قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية، وكذلك مقتل الزرقاوي (2006) وأسامة بن لادن (2011).. فكل من هذه العمليات كانت زمنياً تأتي قبيل استحقاقات انتخابية أميركية.
وعموماً فإن تنظيم داعش ليس استثناءً من الانشقاقات والخيانات الداخلية، فالتنظيم يمر منذ 2015 بأزمة حادة حول هويته العقائدية والفكرية بسبب النزاع بين جناحيه، "الحازمون" (نسبة لأبي أحمد بن عمر الحازمي)، و"البنعاليون" (نسبة لتركي بن علي)، وقد حدث بينهما قتال وصراع حسمهما أبو بكر البغدادي في عام 2016 بعزل وتصفية زعماء وقيادات جناح الحازميين، وهو ما دفع بعض قواعد التنظيم للانشقاق وتشكيل تنظيم "جند الله" الذي يتمركز بالقرب من محافظة إدلب، ويعتبر أكثر التنظيمات الإرهابية غلواً وتشدداً. والتنظيمات الأصولية باقية ببقاء المصالح الخاصة لمن غض الطرف عن فظاعاتها وجرائمها وساهم في تمكينها وتغولها. وهذه التنظيمات، وعلى رأسها داعش، تحلم بإيجاد كيان دولة لها. وبالطبع فإن الهدف الأكبر هو حماية التنظيم.
أما فيما يتعلق بالسؤال الوارد في بداية المقال حول السر الحقيقي خلف بقاء هذه التنظيمات، رغم خسائرها في الأرواح والموارد وانحسار شعبيتها وتراجع اتباعها.. فالإجابة تكمن في من يريد بقاء هذه التنظيمات، أي السبب الذي من أجله أيضاً وُجدت مليشيا الحوثي التي بدأت كعصابة تختبئ في متاهات جبال صعدة اليمنية وبقيت موجودة حتى اليوم؟