حميد طولست يكتب لـ(اليوم الثامن):
الأزمة الأوكرانية والتبعيّة الغذائية للبلدان العربية والمغاربية !
لم تكتفي الأيام الأولى من الحرب الروسية الأكرانية بفضح مدى ما يضمره العقل الغربي الاستعماري من مشاعر التمييز العنصري والعرقي تجاه غير الأكرانيين ، والذي تجلت صوره المخجلة في التعامل اللاإنساني للمهاجرين والطلبة الأفارقة والعرب والمغاربيين ، حتى كشفت الارتدادات المتشابكة والمعقدة لنفس الحرب ، عن عورات " التبعيّة الغذائية" لعدد من البلدان العربية والمغاربية ، والتي يصل عددها ،حسب التقارير الدولية، لأكثر من عشر دول ، هي مصر والجزائر والعراق والسعودية والسودان والأمارات وتونس والمغرب والأردن ولبنان ، التي تُنذر رياحها العاتية بإقتلاع ركائز أمنها الغذائي المعتمدِ كلياً على الإستيراد الخارجي لحاجياتها ، التي هي غير قادرة على توفيرها ولا مواجهة مخاطر إنقطاع إمداداتها وعلى رأسها الحبوب ، التي قد يترتب على نقص كمياتها أزمات جديدة في الطعام ، كتلك التي أنتجها تفشي وباء كورونا، الذي كانت نواقيسه تدّق بقوة لتنبيه المسؤولين تلك الدول لمخاطر اعتماد دولهم على الإستيراد بدل الإنتاج ، ودفعهم للتفكير في إستراتيجيات جديدة لتوفير بدائل غذائية لشعوبهم تحسبا لشح الغداء وتعدر وصول امداداته بسبب كوارث أو حروب قد تداهم البلدان المصدرة ، كما حدث مع اجتياح روسيا لأكرانيا ،الذي أترث تداعياته على الدول المعتمدة في غدائها على الغير، السياسة الخاظئة ، التي يصطلح على تسميتها بــ" التبعيّة الغذائية" والتي هي النتيجة والخلاصة المأساوية للتبعية السياسية التي تجعل إستقرار المواطن رهينة لاستقرار الدول المتنجة والمصدّرة ، وفريسة لأحوالها ومتغيراتها السياسة ، كما هو حال الدول العربية والمغاربية التي تهدر كلما تعلق بأمن شعوبها الغذائي وطرق المحافظة عليه وديمومته وإستقراره، وتعريضها لأضرار شح الإمدادات الغدائية وانقطاعها، الذي يؤدي للتبعيّة الاقتصادية التي لاتقلّ خطورة وتهديدا عن التبعيّة السياسية، بل تزيد عنها في انتاجية الكوارث، والتي أتمنى أن تدفع بالعرب والمغاربيين للبحث عن أستراتيجيات جديدة تمكنهم من الإكتفاء الذاتي من الغذاء ، كما هو حاصل مع الكثير من دول أفريقيا أو الهند التي تعتمد على نفسها في أطعام شعبها الذي يعادل تعداد سكانه-المليار نسمة- مجموع سكان الوطن العربي ، كما أرجو أن يكون القمح الذي تستهلك منه الدول العربية والمغاربية قرابة 46 مليون طن سنويا ، أي 25% من نسبة الاستهلاك العالمي ، سببا في توحيد صفوفها وتجميع قواها وانهاض هممها لمواجهة ما يحيق بأمنها الغذائي من المخاطر التي فشلت في إبعادها كل محاولات التجميع والتوحيد السياسية التي أتلفتها حب الزعامات واغرقتها في متاهات التشرذم والتقسيم المبنية على المصلحية الذاتية أو الإقاليمية التي لا تشبع منها الطبقة الثرية والسياسية الحاكمة في العالم العربي والمغاربي..