رحيم الخالدي يكتب لـ(اليوم الثامن):

العالم ما بعد الإستفراد الأمريكي

معلوم أن التاريخ الصحيح وليس المزيف لا يظلم أحد، ويسجل كل واردة وشاردة، وكلنا نعرف جيداً كيف نشأت الولايات المتحدة الأمريكية بعد إبادة الهنود الحمر أهل الارض، ومنعت لغاتهم التي تدل على أصالة هذه الأقوام وبذلت أمريكا جهوداً كبيرة في إبادتها، ومشهور أيضاً  كيف أنها كانت ترسل لهم المساعدات مثل الفرش والبطانيات, تحوي بين طياتها الأمراض الفتاكة، مثل الكوليرا والتايفوئيد والجدري وغيرها من الأمراض .

 تدخلت أمريكا في كل الدول التي إستطاعت أن تأخذ فيها موطئ قدم إلا كوبا! .. فعملت على حياكة المؤامرات وإصطناع عدو وهمي، وفق سياسة فرق تسد، كما تعمل اليوم في العراق وسوريا وأمريكا اللاتينية والخليج، وحتى أوربا سيما دولة أوكرانيا المستقلة حديثاً عن الإتحاد السوفياتي في الفترة الأخيرة عند تفككه، وجعلتها في المقدمة بمواجهة الدب الروسي، وتركتها تواجه مصيرها من جانب، وإشغال روسيا من جانب آخر، بغرض إستنزاف الأخيرة، وليس مفهوما لماذا تلتحق دول أوربا في جانب أمريكا مدعية أنها مع أُوكرانيا!.

أمريكا تفرض حصارا على دولة روسيا وكأنها الوصية على الدول، وتهرول أوربا في طليعتها بريطانيا على فرض الحصار أيضاً دون تفكير ووعي.. وباستطاعتها أن تنأى عن المسار الأمريكي المدمر لإقتصاديات تلك الدول، وهم دول ذات سيادة ولا يمتون لأمريكا بأي صلة، متناسين أن أوربا تعتمد كليا على النفط والغاز الروسي، وقد بانت الأزمة بالصعود لديهم، نتيجة المسير على خطى أمريكا، لاسيما أن روسيا وأوكرانيا تعتبر في طليعة الدول المصدرة, لزيت الطعام والحنطة وباقي المحاصيل الإستراتيجية، التي تعتبر من الأساسيات في التغذية .

الدخول الأمريكي المبطن لأوكرانيا ليس خافياً على مخابرات روسيا، وهو بالأساس ليس بمصلحتها، بل لأجل المصالح الأمريكية والوقوف بوجه بوتن، الذي إنتشل روسيا وصعد بها للقمة، وأعاد هيبتها  وأمجاد القيصرية الروسية، والتقدم التسليحي الذي حصل أخيراً في ترسانتها، جعل أمريكا تترك أفغانستان وتهرب ذليلة، بعد فشلها المريع وتبديل برنامجها، لتلتفت لمواجهة الصين وروسيا مجتمعةً، وما عرقلة بناء ميناء الفاو ومعه مشروع الطوق والطريق الذي يربط الشرق بالغرب، والأحداث التي رافقت ذلك من التظاهرات، التي خرجت لإقالة عبد المهدي الا دليل على ذلك، ناهيك عن الغاء عقد شركة سيمنس لبناء كهرباء العراق .

مناورة أمريكا على كل الخطوط هو جانب, وإيران في جانب آخر، وهي التي إنسحبت من الإتفاق النووي ولا يحق لها الرجوع للمحادثات بأحقية إيران في البرنامج النووي، فتراها تتدخل من خلال الوسطاء, مما يثبت قوة الجانب الإيراني الذي يمتاز بالثقة بالنفس، مشترطا دخول الجانب الأمريكي برفع العقوبات كاملة غير مجزأة، وها هي اليوم تروم رفع العقوبات عن الحرس الثوري من لائحة العقوبات !.

بعد يأس زيلينسكي من نجدة أمريكا وأوربا بالدفاع عنه، خضع يتوسل إنهاء الحرب التي أوقد شعلتها، متكلاً على الجانب المخرب لكل العلاقات في العالم (الصهيوأمريكية)، وقد خاب ظن الرئيس الأوكراني الذي لا يفقه السياسة، التي يتقنها بوتن، وكان الأحرى به الإستماع لصوت العقل، وتجنيب بلدهِ الحرب وويلاتها التي قضت على البنية التحتية، سيما القدرة العسكرية والقوة الجوية وباقي المفاصل، ومن راهن على عكس نية بوتن خسر، ومن يصمم على ذلك فمصيره الدمار، والعالم اليوم حذر جداً في من يجعل بوتن بالضغط على الزر الأحمر، الذي سيكون الشرارة الثانية بتدمير أمريكا وأوربا بل العالم كله .

على محور ما يسمى بالناتو الذي يناور وفق الإرادة الأمريكية، أن يترك مبدأ الإستقواء والتسيّد على العالم، ويفهم أنه يطبّق إرادة الجانب الأمريكي، وأقل خطأ ما قد يؤدي لإندلاع حرب لها بداية ولا يعلم النهاية سوى الباري، وحسب التصورات أن ثلثي العالم سيصبح غير صالح للعيش ومدمر، وهذا مالا تريده الدول المسالمة، ومنطق العقل يقول أن التدخل الأمريكي وإسترجاع العهد القديم الذي يعتبر أمريكا سيدة العالم قد ولى الى غير رجعة، وهاهم خائفين يرتجفون, بين أن يساعدوا الرئيس الأوكراني ويتحملوا العواقب، وبين المتفرج، واليوم أوكرانيا بعد كل ذلك الجهد قد إكتشفت أن وقت التلاعب بها وجعلها أوربية وإنضمامها للناتو قد إنتهى, وما هي إلا كذبة صدقتها, وتعيش الان يقظتها وتدفع ثمنها .