عبدالسميع الاغبري يكتب:
في رحيل الهامة والقامة والرمز الوطني جواس
في زحمة الاشياء التي أعيشها، مع برودة كبيرة أشعر بها تجاه السياسة وكل الأحداث التي تدور من حولي، الا أن خبراً يهز النفس قد طرأ حين كنت في محادثة مع أحد الأصدقاء لم اصدقه في أول الأمر فتاكدت وأكد لي بأنه صحيحاً، جعل عزلتي كئيبة ودق جرس أنذار في مخيلتي وجعل دماغي يرفض لا ارادياً تقبل افكار جديدة أو خوض أي عمل، قبل أن أقوم بإفراغ هذه المشاعر المكبوته وبغض النظر عما سيكون تعبيري عنها جيداً أو سيئاً لكن من الضرورة بمكان أن أسطرها هنا بضغطات على كيبوردي الاحمر الذي كان نذير شؤؤم أذا كان يوحي بنهر جديد من الدم دون أن أعلم انا بذلك.
تابعت كغيري من المتصفحين في وسائل التواصل نبأً حزيناً يوحي بأن قائداً صنديداً وهامة سامقة أقترن ذكرها بملاحم وغزوات وبمصارع حثالات مثلت لحظة الخلاص منهم على يده، فرحة غريزية عارمة في نفس وفكر كل أنسان يشع أيماناً حقيقياً، وسلامة فكرية من كل شوائب أهل الظلال والردة والتشيع، لقد كان النبأ كالاتي: لقي اللواء ثابت مثنى جواس ربه بعد أن نالت ألايادي الغادرة الجبانة التي لاتملك ذرة رجولة ولاقطرة عروبة في دمها، وجاء أيضاً أن ذلك حدث أثناء سير الهُمام البطل في أحد شوارع مدينة عدن برفقة عدداً من المقربين منه، فقلت اتخون الأرض أهلها وتقبل بشرب دم أبنها التي يعتبرها أماً له، فقال لي النبأ أن أحداً قد تسلل خلسة وأجبر الأرض على تجرع كؤؤساً من دماء أبنائها فكانت تنتحب وتسجد ضارعة للآلهة وهي لازالت راكعة بعد أن هدها الحزن على فُقد أجود رجالها، قلت أين حراسها الذين يدعون بأنهم درعاً وحصناً لهم إذا جارت عليها نوائب الدهر، فقال من أحد الجن لقد كانو في غفلة، لقد باتو في سبات عميق يخزنون ويدخنون ولايعرفون أي اقدام تطأ على هذه الأرض ولاجنسياتهم ولا أصنافهم، لايعرفون شيئاً أنهم مخدرون واردف نحن الجن لو أوكلت لنا مهمة كهذه لكنا أكثر حرصاً ممن هم فوق الارض ونحن التي وضعتنا تحتها، نحب هذه الأرض ونحب من فوقها، فقلت خسئت ياهذا ليس كل من فوق الارض سيئون، أنهم فئة قليلة فقط وارجوك أتركنا في شأننا واهتم بامورك ولاتعترض طريق افكاري، ثم بعد لحظة راودني شعور غير مفهوم شعور متسائل هل كنت مصيباً في ردي او مخطئاً وعلى كلاً فقد أهدُرت أرواح على هذه الأرض قد يكون الفاعل معروف لكل المسؤولية على من تقع فيما حدث بالمفعول به الذي لايوجد نائب له لكن هناك ضمائر متصلة به كثيرة ستتكفل لتأديب الفاعل ولو بعد عدة معادلات.
لقد أطنب في حديث دون أن أتحدث إلى النهاية لازال في جعبتي كلمات رثاء، وحنين فقد وتثمين خسارة فادحة في أيام قحط.
جواس ايها الراحل الأكبر بفعل دنيء وغادر وجبان ناجم عن خوف فضيع من مجرد النظر إلى عينيك، أما مواجهتك فارتعدت فرائصهم ذات يوم منها وكان ثمنها قطف قائدهم ألموبوء بمتلازمة الأفكار الإيرانية المعلبة التي جاء ليحاول نشرها في بلدنا، لقد كانت تلك اللحظة أسعد لحضات الشعب كافة من اقصاه إلى أقصاه وكان شرورهم بها بالغ ومن ذلك المنطلق تعاظم حبك في قلوبهم وازهر وكلما تمددت هذه الافكار أو حاولت التمدد ذكروك واثنوا على ماقمت به من عمل جليل وزاد حبك في داخلهم، وفي كل فعل تفعله جماعة الهالك حسين بدر الدين، يحرض الناس المظلومين على رفع دعواتهم لك على كل أسهاماتك ضد هذه الجماعة الباغية ثم تبجيلك على قطف رأس زعيمها وأبها الروحي لأن عليه غضب الله وسخطة.
فهذا الحب بلغ ذروته، لكن الحزن عليك اليوم يساوي أو يتفوق على كل حزن حدث في القرن الواحد والعشرون، لقد كانت فاجعة رحيلك مؤذية في وقت يعاني فيه الناس حياة سيئة وتعيسة وكادحة، الا أن الحزن عليك كان حاضراً وغلب كل الضروف المحيطة والواقع المرير.
نم قريراً يارجل المهام الكبرى وفارس يعدل الف فارس، انت وكل من كان معك في لحظة فراق سنضل نتذكر وقعها المرير علينا، لكن اريد الفت نظر غادروك الجبناء الاقزام بأن لنا معهم يوماً سيكون حسابهم عسيراً وأننا لن نرضى ثاراً لك باقل من رأس زعيمهم الذي أصبح هارباً من بطشك في الكهوف شأنه شأن كل الحيوانات السيئة الصيت التي ترتعد من رؤية البشر لها، بعد أن أبدت بمسدسك زعيمهم الاول ومؤسس مسيرة الشيطان الكبرى التي نزل على إثرها سخط الرب على هذا البلد، ابنائك في الجنوب كلهم سيشربون من دم جماعة أهلكت الحرث والنسل في الشمال، وسيكونون إلى جانب الشرفاء وهم ليسوا كثيرون كماتعلم، ردفان التي لم تعجزها الإمبراطورية الإنجليزية التي حكمت الأرض من مشارقها إلى مغاربها لايعجزها جماعة تعتبر في نظرنا كبيضة رمتها دجاجة كبيرة تسمى إيران تحولت الى طير صغير موذي ومتسلط على مجموعة من البيض في الشمال أما الجنوب فلا موطى قدم لهم بفعل التضحيات الجسام للصقور العاشقة للموت من أمثالك وامثال من سبقوك إلى الفناء وهم يواجهون هذا الطير الموبوء الذي أستشرى في شمال البلد وأصيب به الكثير ومات على إثر ذلك الكثير وبك وبكل من سبقوك قد سلمنا من نفشيه في هذا البلد، لذا نحن نحزن ونذرف الدموع وسنظل ممتنون لتضحياتكم الجسام الى قيام الساعة لأن التاريخ سيذكركم وسيتحدث عن مآثركم.
ولم يبق لي متسع سوى أن أرفع آيات التعازي لكل ذئاب ردفان وكل الجنوب وأخص أسرة الشهيد جواس، سائلاً من الله أن يصبرهم على فراقه، وان يكرم نزل الوافد إليه وإن يجزيه عن كل أفعاله الحسنة المباركة التي نفعت الأمة وان يغفر له كل سيئة وكل ذنب وكل زلة أنه أهلاً للرجاء سامعاً للدعاء.