هاني مسهور يكتب:

إخلاء سبيل صنعاء..

منذ وصل الخميني إلى طهران في العام 1979 ارتبطت الثورة الإيرانية بالرهائن.

فمن أزمة احتجاز الأميركيين وحتى أزمة احتجاز العواصم العربية صنعاء ودمشق وبغداد وبيروت بقيت فكرة الرهائن لا تغادر إيران الثورية في كل محطاتها السياسية حتى وهي توسع نفوذها نحو البلدان العربية وتفرض أجندتها عليها كانت في الواقع تضع تلك البلدان في وضعية الرهائن للمقايضة وقت ما تتطلبه الحاجة في ظل الرغبة بالتوسع وامتلاك السلاح النووي وتصدير الثورة للخارج.

توالت العقود والسياسة الإيرانية مصممة على عدم التخلي عن الرهائن بدون أثمان تحقق لها مكاسبها ضمن مستهدفاتها الثورية، وفيما تتفاوض طهران مع واشنطن على إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي كان قد انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كانت الاشتراطات المعلنة واضحة ومتداولة، فالمفاوضون الأميركيون يبحثون عن تطمينات لحلفائهم السعوديين والإماراتيين المطالبين بوقف التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية كشرط من شروط العودة للاتفاق النووي وهو ما عرضه الجانب الأميركي على نظرائه الإيرانيين.

تحولات كبرى بدأت بإعلان الحوثيين موافقتهم على هدنة لمدة شهرين وفيما يبدو وكأنها أشبه بمقايضة أو هي كما يمكن تفسيرها في سياق التفاوض الإيراني الأميركي مبادرة حسن نية من قبل طهران في صفقة صغيرة الكل فيها رابح، الرئيس بايدن يبدو الرابح الأكبر بمنحه أول انجاز سياسي منذ وصوله للبيت الأبيض وتحقق إدارته مكسباً معنوياً قبيل الانتخابات النصفية للكونغرس وتخفف ولو قليلاً من عتب الحلفاء الغاضبين في الرياض وأبوظبي.

هذه الصورة لصفقة سياسية مفاجأة تبعها تحولات دراماتيكية هائلة في اليمن فلقد فوض عبد ربه منصور هادي مجلساً رئاسياً مكوناً من القوى الفاعلة على الأرض معلناً تغييراً كاملاً في المشهد السياسي وموجهاً لجماعة الإخوان صفعة مدوية بإسقاط الشخصية النافذة علي محسن الأحمر وهي ضربة مؤلمة وأن لم تكن قاتلة لجماعة الإخوان في اليمن، غير أن سياقاً جديراً باستقرائه في هذا الحدث المفصلي أنه أسقط شرطاً من الشروط الحوثية المستمرة بإبعاد عبد ربه عن الشرعية وهذا ما حدث.

لم يعد أمام إيران وحليفها الحوثي ما يعطل التفاوض النهائي لحل الأزمة اليمنية فلقد وضعت المبادرة الأممية خارطة بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة وتغيرت الشرعية بالكامل ولم يبقى من مسوغات إطالة الأزمة دواع مطروحة بعد إلا الترتيبات الإيرانية للحصول على الصفقة الكبيرة في إعلان توقيع إحياء الاتفاق النووي بمقابل إخلاء جزئي على الأقل للعاصمة اليمنية صنعاء.

لن تكون صنعاء غير ورقة استهلكتها إيران طويلاً في ابتزاز المنطقة العربية وحتى عودتها لن تكون عودة مكتملة بل ستكون عودة مشوهه فستعود مدينة مصابة بعدة أمراض فالسنوات التي أخضعت فيها كرهينة كانت مضطهدة وتلقت فيها تعذيباً أصابها بتشوهات جسيمة ولا شك فالمليحة صنعاء اختطفت في غفلة من تواطئ لقوى الاسلام السياسي التخادم بين تلك القوى ساهم باختطاف صنعاء سياسياً ووجودياً.

الحديث عن إخلاء سبيل مشروط كمبادرة تتعاطى معها واشنطن بكثير من الترقب فهي ترغب أن يقتنع الحلفاء العرب بأن عودة صنعاء مقدمة لعودة ممكنة لدمشق، لكن السؤال هل من الممكن أن تخلي إيران سبيل صنعاء وينخرط الحوثي في تسوية سياسية للحل في اليمن تضمن استقرار المنطقة وعدم تكرار التهديدات التي كانت قد أقدم عليها الحوثيين في 2014 عندما حشدوا قواتهم على الحدود السعودية؟ الإجابة ليست سهلة فهناك جزء يتعلق بالصراعات الداخلية في بيت الحكم الزيدي ستمانع حتماً الوصول إلى نقطة منح تطمينات أمنية بهذا المستوى.

المعادلة الداخلية في شمال اليمن معقدة ويمكن إيجاد فرصة لتفكيكها فالمتغيرات الطارئة في تركيبة السياسة اليمنية ليست مسبوقة تاريخياً وهذه بحد ذاتها فرصة يمكن البناء عليها في حال أن القوى القبلية انحازت للخيار الوطني على حساب الأيدولوجية المذهبية، إلى أي مدى ممكن تنمية الفرصة وتحويلها إلى مادة سياسية يظل هذا هو التحدي لكل القوى اليمنية الفاعلة على الأرض برغم أن لكل فريق توجهاته السياسية غير أن الفرصة المواتية تظل المحفز في خضم الاشتباك السياسي اليمني.

في مقابل كل تعقيدات اليمن واشتباكاته تظل إيران تمسك بصنعاء كرهينة تساوم بها حتى اليمنيين في عمق عدن الراغبين أصلاً الانفكاك من اليمن والعودة إلى ما قبل 1990، الإيرانيون عليهم البدء بالخطوة التالية والتي تبدو أن إيران بالفعل تنوي المضي في سبيلها فلم يكن للمبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ أن يصل إلى صنعاء بعد تمنع طويل من الحوثيين لولا أن هناك تغيرات جذرية في التوازنات على أساسها وافق الحوثي على هكذا لقاء يمهد لتثبيت الهدنة والاستعداد لإطلاق مفاوضات الحل النهائي للحرب.

الإيرانيون ومهما راهنوا على التمسك بصنعاء إلا أنها ستفشل في حال استكمل المجلس الرئاسي خطواته باتجاه الضغط العسكري الذي لن يكون كما كان في كل المراحل الماضية فالطرف الحوثي لن ينجح في الصمود أمام قوة عقدية هزمته في عدن والساحل الغربي فهذه قوة تدرك إيران أن الحوثي لن يتمكن من صدها ولذلك ستعطي صنعاء حريتها فليس أمامها من فرصة غير الاستسلام لقوة جنوبية مدعومة عربياً.