جمال الحربي يكتب:

"ربّان" سفينة زايد

هل الإمارات بحاجة إلى "تسويق" أو "مدح"، أو حشد رأي عام أو خاص لها، لتتبوأ أي مكانة مصطنعة؟

وهل تحتاج الدولة إلى إعلام يزيف للجمهور الحقائق والأرقام التي تحققها بالفعل، ويلوّن التاريخ والمناسبات الدولية ويلوي عنق كل حدث عالمي على أرضها ليقدم الدولة على أنها وحيدة عصرها وكعبة الأنام التي لا تخطئها عين ولا تطرف عنها؟.. بالتأكيد لا. هكذا يقول المنطق والواقع في الإمارات، الذي يتحدث إنجازها عن نفسه.

تأتي مناسبة هذا الطرح، بعد أكثر من عقد على رحيل مؤسس هذه البلاد، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي اشتغل بتأسيس وجدان الإنسان الإماراتي قبل أن يشتغل بتأسيس الطرقات والمدارس والمصانع، ليرحل تاركا شخصية إماراتية غير مأزومة، ولا مضطربة، متعايشة مع واقعها ومحيطها وقضاياها المحلية والإقليمية بكل شفافية وشجاعة.

رحل الشيخ زايد، بعد تقلّد أوسمة حب مواطنيه وكل عربي، وبعد أن ذاع صيته في العالم صانعا للاستقرار والسلام، تاركا خلفه منهجا ومدرسة سياسية قلّ نظيرها، المدرسة التي تشرّب أبناؤه مبادئها، فلم يحيدوا عنها قيد أنملة، حيث ساروا وأبحروا في سفنهم عبر الأشرعة التي رفعتها روح المؤسس وأرستها لتكون دستور دولة وقيم مجتمع.

اليوم ونحن نعيش ذروة النهضة الإماراتية في شتى الأصعدة، نعود فنقول إن الإمارات تمضي واثقة بنفسها بعد أن كسبت ثقة محيطها وثقة العالم معه، حيث تتقدم مع العالم في كل منعطف، تخوض معه التحديات وتصنع معه الاستقرار وتمضي به نحو مستقبل يعمّه السلام والرخاء.

هذا المفهوم والواقع الذي نعيشه اليوم، ما كنا لنراه، لولا الإرث الذي خلفه لنا "زايد"، إرث خلفائه وعلى رأسهم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، متعه الله بالصحة والعافية، وسدده أينما توجه بنا، الشيخ محمد الذي تشرّب مبادئ مدرسة زايد، القائد والإنسان والمقاتل.

ولسنا هنا بحاجة إلى ذكر وسرد مناقب قائد شهد له العالم بأسره بقدر ما نريد التوقف برهة مع شخصية فذة، فمحمد بن زايد في نظر مواطنيه أب وأخ وابن وتلميذ ومعلم، نراه في كل المجالس يقبّل رأس أساتذته وكبار السن ويُنزلهم منزلتهم، وتارة مع أطفال يبادلهم النكات والضحكات، وتارة مع إخوته مستريحا بينهم يشاركهم الحبور والأفراح، لا يتميز عنهم بزينة ولا بشيء مما قد يميز.

ولطالما رأينا قسمات وجهه في كل مناسبة كسيرا في الأحزان والعزاءات.. مهللا ومستبشرا في الأفراح والإنجازات، مقدما النموذج والقدوة في كل مجلس ومناسبة بمثل ما ربّته عليه مدرسة زايد الإنسانية.

وعلى صعيد القيادة، فلسنا بحاجة إلى سرد تُغنينا عنه المكانة التي أوصل الإمارات إليها، حيث قادنا أمام ذهول العالم في أصعب الأوقات تقلبا، في منطقة أحاطتها الحروب والفتن والمؤامرات، حيث يتربص بنا الأعداء في كل وقت، ليمضي بسفينته عبر أمواج الفتن عابرا كل المؤامرات ليرسو بنا على بر الأمان مرة تلو الأخرى.

وعلى صعيد الإنجازات، فقد عرف العالم اليوم دولة الإمارات بأنها دولة الأرقام المميزة والإنجازات الفريدة، بعد أن أضحت روضة للاستقرار، وموطنَ مَن لا وطن له، وبعد أن أضحت قبلة للمبدعين والمستثمرين والعلماء من كل حدب وصوب.

رحم الله زايد.. فقد تحققت أحلامه وأصبحت إنجازات يشير لها العالم ببنان، ولا نملك سوى أن نلهج بالدعاء لمن أودعه زايد سره.

فسر بنا ونحن خلفك أبا خالد.. يا ربان سفينة زايد!