د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

أهل اليمن بين العنصرية والحكمة الضائعة (3-3)

تبنى الحوثيون قانونا جديدا وهو قانون سلالي عنصري أو ما يسمى بالخُمس والذي بموجبه ستقتطع هذه العائلة خمسة في المئة من موارد الدولة ومن كل شيء مما يمتلكه اليمنيون لصالحها لأنهم ينتمون إلى ( الهاشميين ) الذين يرون أن لهم الأفضلية على باقي اليمنيين ويرون في أنفسهم السادة ومن دونهم هم الخدم والعبيد
ويقول الصحفي بلال الشقاقي : إن الكثير من الأسر المنتمية لما يسمى في اليمن بـ" المزاينة " تعاني من العنصرية الطبقية، وينظر إليهم كفئة دُنيا، زادت هذه العنصرية في الفترة الأخيرة بفعل التغييرات السياسية الأخيرة التي حصلت في اليمن. فالعديد من الممارسات التي حصلت أخيراً من قبل الحوثيين، كرست أو أعادة بعضاً من العنصرية الطبقية التي كان المجتمع بدأ في تجاوزها، فمهنة الجزارين، القشامين، الحلاقين، والدواشنه، تعتبر في اليمن وظائف دُنيا ومن يمارسونها أو لم يعدوا يمارسونها لكن مارسها وامتهنها في الماضي آبائهم وأجدادهم، يوصفون بالمزاينة ما يعني أنهم مواطنون يمنيين من الدرجة الثالثة التي ليس لها حقوق واجبات الدرجة الأولى (السادة) والدرجة الثانية (القبائل)، وهذه الحقوق المسلوبة والواجبات المهينة ليست مقرة بموجب القانون وإنما بموجب الأعراف السائدة والممارسات المجتمعية. عانى اليمنيين طويلاً من الممارسات العنصرية الطبقية السُلالية لما يقارب من الـ 44 عاماً حَكم فيها الأئمة المتوكليين اليمن بعد انتهاء حكم الدولة العثمانية، فقد تأسست المملكة " المتوكلية اليمنية " عام 1918 واستمرت حتى انهيارها بثورة 26 سبتمبر عام 1962. ويُشير عدد من المؤرخين اليمنيين إلى أن اليمن قديماً لم يكن فيه طبقات دنيا وأخرى علياً مقسمة على أساس السُلالة والعرق، ولم يكن هناك أعمال ومهن يدوية مستحقرة، وكان كل أبناء المجتمع اليمني لهم نفس المكانة، إلى أن جاء حُكم الإمامة الهاشمي الذي كان يركن إلى أبناء القبائل الموالين له في بسط سلطته المستبدة على اليمنيين، مستند في ذلك على العرف القبلي الذي كان هو التشريع الوحيد السائد آنذاك في الأوساط الاجتماعية اليمنية، فكان يُعاقب كل من يخالف عُرفاً من الاعراف القبيلة أو عجز عن تحمله بتحويله إلى طبقة أدنى (المزاينة، الجزارين)، مع أنهم جزء من القبيلة، وكان يتم إشهار ذلك في الأسواق وغيرها من أماكن تجمع الناس. وفرض حُكم الإمامة، بمرسوم عنصري، زي يميز الهاشميين عن (الاقيال) القبائل، وزي آخر يميز القبائل عن المزاينة كما فُرض على المزاينة زي يميزهم عن الهاشميين والقبائل، ومثال ذلك الجنبية التي يلبسها الرجل على خصره "فالهاشمي" يلبس الجنبية (الثومة) جنبية خبائها يتجه لليمين وما زالت حاضرة إلى اليوم ويلبسها الكثير ممن يطلقون على أنفسهم هاشميين، و"القبيلي" يلبس الجنبية بخباء مستقيم وهي السائدة حالياً في كل مناطق اليمن وكان يختلف لبس "المزين" عنهم جميعاً فلم يكن يُسمح له بلبس الجنبية وإنما كان يضع سكينة تُربط بوسطه متجهة إلى اليسار. ولترسيخ ذلك التمييز العنصري الطبقي في أوساط المجتمع اليمني مُيزت أصناف المجتمع السالفة الذكرّ بأعمال مخصصة، فتم منح الهاشميين الوظائف العلياء والأعمال التي تخص إدارة الدولة (ولاة، محافظين، قضاة.. الخ)، وأعمال القبائل اقتصرت على كونهم "العُكفة" أي العساكر والجنود، أما المزاينة فأجبروا على العمل في مهن يدوية مثل الجزارة والحلاقة والحدادة وغيرها من المهن اليدوية الشريفة، وأطلق على هذه الأعمال التي فُرضت عليهم بعد إخراجهم من القبيلة، بالأعمال أو المهن المستحقرة، مع أن تلك الأعمال لم تكن عند القبائل مستحقرة بحد ذاتها إطلاقاً، بل كانت قبائل عريقة تمارسها قديماً !!
ويسعى الحوثيون الى إحياء ارث من العنصرية الطبقية المقيتة، التي كان الكثير من اليمنيين قد بدئوا في تجاوزه، مستندين في ذلك إلى فهم ديني خاطئ، وتفسيرات وتصورات مريضة بداء العنصرية، وجهل، للأسف، لا زال موجود عند بعض القبائل، ومعتمدين على القوة التي منحتهم إياها السلطة التي اغتصبوها، لكن الأمر الذي لم يحسبوا له حُسبان، أن الزمن تغير وأن الأوضاع السياسية والاجتماعية لم تعُدٌ كالسابق، فالعديد من الأمور تغيرت وأصبح الكثير من اليمنيين يعرفون حقوقهم جيداً، قبل واجباتهم، ولن يسمحوا لأحد، أي كان أن يسلُبها منهم مرة أخرى ، لكن ما يدعو إلى الخوف هي العنصرية المتجذرة في المجتمع اليمني ككل، تجاه من يُتهمون بأنهم بلا أصل (المزاينة، الاخدام السود)، وغيرهم من المهمشين والأقليات التي لا زالت تعيش في اليمن، هذه العنصرية التي ظلت مستمرة لعقود، وزُرعت بداخل الإنسان اليمني جيلاً بعد جيل وهو ما يرفضه العقل والدين !!
د. علوي عمر بن فريد