زهير الحارثي يكتب:

الإمارات... نموذج لافت ومسيرة متجددة

مَن كان في الإمارات وقت رحيل الشيخ خليفة بن زايد، رحمه الله، يشعر بالذهول، لطبيعة التعاطي مع الحدث بكل انسيابية وعقلانية وهدوء. أسى ولوعة فقدان وحزن عميق عمَّ البلاد لرحيل رئيس البلاد الذي وضع بصماته وإنجازاته، وقد كان لصيقاً بالمؤسسين الكبار ومن خريجي مدارسهم الباذخة بالتجربة وعراك الحياة ومصاعبها.
غير أن اللافت أن الحياة سارت وفق طبيعتها المعتادة، رغم توافد قادة وزعماء العالم للإمارات للتعزية في وفاة الشيخ خليفة، وكذلك التهنئة بتقلد الشيخ محمد بن زايد رئاسة دولة الإمارات. تمت الترتيبات والإجراءات بهدوء ودقة ومهنية، فلا صخب ولا شغب ولا إعلان للطوارئ ولا نزول للأجهزة الأمنية في الشوارع. المشهد العام كان هادئاً ومفعماً بالشعور بالفقدان واحترام الراحل الكبير وتذكر مناقبه أو إنجازاته وأدواره الخيرة لبلاده والمنطقة. كثيرون في العالم يرون الإمارات دولة سلام وحضارة ونموذج يُحتذى، ورقم لا يمكن تجاوزه في المنطقة، بدليل الحدث الذي قد لا يفهمه الكثيرون في الغرب وهو آلية الانتقال السلس للسلطة في الإمارات الذي كان مدهشاً ومعبّراً ولافتاً، حيث اجتمع حكام الإمارات وانتخبوا الشيخ ابن زايد رئيساً للدولة في اجتماع قصير لم يتجاوز بضعة دقائق، وهو أمر طبيعي لا نستغربه في الإمارات أو دول الخليج كونها طريقة تعبّر عن ثقافة هذه المنطقة وتعكس نموذجاً فريداً ما زال محل إعجاب العالم. ثوب الديمقراطية الغربي ليس بالضرورة أن ينجح في بلدان الخليج فهي لها ثقافتها وعقدها الاجتماعي. العقد ما بين الحاكم والمحكوم وفق الدستور أمر يطبَّق في دول الخليج. الإمارات تعيش استقراراً سياسياً واضحاً وحالة من التلاحم الشعبي بين القيادة والشعب يتجسد في الولاء والانتماء.

السعودية عبّرت عن عميق مشاعر الأسى والحزن لوفاة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، بعد حياة مليئة بالأعمال الجليلة، والإنجازات الكبيرة، ورحلة حافلة بالعطاء الصادق. وهنأت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمناسبة انتخابه من المجلس الأعلى للاتحاد رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، معربةً عن تطلعها لاستمرار العمل على توطيد أواصر الأخوة بين البلدين والشعبين الشقيقين. الخليجيون يعلمون خطورة الظرف ودقة المرحلة ويعرفون أنْ لا أمن إقليمي ولا سيادة فعلية ولا تنمية مستدامة إلا من خلال ترتيب البيت الخليجي الذي يواجه تحديات غير مسبوقة.
العلاقات السعودية - الإماراتية راسخة ومتجذرة وأخوية وعميقة، والتاريخ يحكي عن علاقة استثنائية ومميزة بين قيادات البلدين وشعبيهما، عززتها روابط الدم والمحبة والإرث والمصير الواحد والتفاهم المشترك. التحالف السعودي - الإماراتي أصبح ركيزة أساسية للعمل الخليجي والعربي والرافعة التي تسعى لحماية مصالح العرب وأمنهم القومي. الإمارات بلد مضياف ومنفتح على الثقافات الأخرى ما جعلها حاضنة للإبداع ومقصداً للمبتكرين ورواد الأعمال وها هي تحتفل بيوبيلها الذهبي لاتحادها وبمرور 5 عقود تنموية ومنجزات رائدة، يحق لها أن تفخر بما صنعت لاسمها من حضور دولي لافت وما قدمته لشعبها من تسخير كل ما لديها لرفاهيته وازدهاره. هي نموذج بحق لتصبح دولة مدنية تتسم بالاتزان والحكمة والنضوج.
بالأمس رجال صنعوا إنجازات وغادرونا، وجاء من بعدهم من حمل الراية لاستكمال المسيرة. ما حدث في الإمارات بالأمس من سلاسة وانسيابية في انتقال السلطة سبق أن شاهدناه في السعودية وعمان والبحرين والكويت. الحقيقة أن ما يحدث في أنظمة دول الخليج يستحق الإشادة والإعجاب ويؤكد أنها قادرة على قراءة المستقبل بدليل رهانها على الزعماء الشباب الذين بمقدورهم نقل بلدانهم لمرحلة جديدة تتعاطى مع لغة المستقبل. التجربة السعودية خير مثال على ذلك، حيث يؤكد حضور ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان اللافت وما يقدمه لبلاده قصة يجب أن تُروى، بدليل أنه جعل بلاده تحت الأضواء وعلى الخريطة الدولية بشكل إيجابي وتلاشت الصورة النمطية عنها. كما أن ما حدث في عمان بعد رحيل السلطان قابوس من إعلان الخطوة الدستورية لسلطان عمان تمثل نقلة نوعية لترسيخ الاستقرار لسلطنة عمان الحديثة، فالمراسيم المتعلقة بآليات انتقال الحكم وطريقة تعيين ولي العهد جاءتا في وقت لا تعاني فيه البلاد من أزمات سياسية أو ضغوط أياً كانت طبيعتها.
المسيرة الإماراتية تمضي بثبات وتفاؤل وطموح نحو المستقبل وبقيادة الشيخ محمد بن زايد، وتستلهم تجربة تأسيس الاتحاد التي وصل عمرها إلى خمسين عاماً، والتي أرسى قواعدها المؤسسون بقيادة الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان ما جعلها محطَّ إعجاب العالم.