وليد ناصر الماس يكتب لـ(اليوم الثامن):
المفاضلة بين مختلف التهديدات...خيار غائب في الصراع الراهن!!
ياب الفهم العميق والإحاطة الشاملة للتهديدات التي يشكلها الأعداء، يضاعف كلفة المواجهة معهم، وقد يقود لخسارة المواجهة ذاتها.
في حال انتشرت في مزرعتك الفئران والثعابين، ماذا ستعمل لتخليصها من هذه الآفات، هل ستبدأ بالثعابين أولا أم العكس؟. أكثر الناس يعتقدون ان الثعابين أكثر خطورة من الفئران وعملية التخلص منها مقدمة على غيرها، هذا التصرف بطبيعة الحال غير صحيح، فالقضاء على الثعابين في ظل وجود فئران يعني إتاحة الفرصة للأخيرة للعيش في ظروف آمنة ومثالية، مما يساهم في ازدياد أعدادها ورقعة انتشارها واستفحالها وتضاعف أضرارها.
المخاطر التي يمثلها تواجد الفئران ربما لا تقل عن تلك التي تتسبب بها الثعابين، ان لم تزيد قليلا، والخطوة السليمة هنا ترك الثعابين لبعض الوقت حتى تتمكن من القضاء على القوارض، ثم العمل على التخلص من الثعابين نفسها في نهاية المطاف، وبذلك تكون قد نجحت في القضاء على خصمين في وقت وجيز وجهد يسير، بفعل التقييم الدقيق لأبعاد ومخاطر كل خصم ومعرفة مكامن قوته وضعفه.
في مختلف الصراعات تقريبا توضع خطة شاملة متعددة الأبعاد، حول شكل وحجم التهديدات التي يمثلها العدو الراهن والمحتمل، وآلية عمل متقدمة لتحويل التهديدات إلى فرص ممكنة، لبلوغ الهدف بأقل الكلف، غير إن هذا الأمر لم يكن منظورا فيه في إطار الصراع الذي خاضه ويخوضه الجنوبيون مع بعض قوى الشمال، فقد انخرط أبناء الجنوب في القتال تحت الرأية السعودية دون وجود خطوط عمل عريضة تبين المكاسب المتوقعة من عملية القتال.
يتعين قبل أي شيء العمل على تحديد القوى الفاعلة والرئيسية في الشمال، ومقدار ما تمثله كل منها من تهديد آني ومستقبلي على الجنوب وقضيته، إذ يمكن تسجيل ثلاث قوى رئيسية وهي: (الحركة الحوثية، الإخوان المسلمين، بقايا نظام صالح)، كل هذه القوى لها عداء واضح مع أبناء الجنوب الطامحين باستعادة دولتهم، الرافضين للوحدة بشكلها الراهن مع يقينهم الراسخ باستحالة عملية إصلاحها. موضوع خطورة كل طرف من هذه الأطراف يتأثر بمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، تجعل كل تهديد منها مختلفا عن غيره في مستوى حدته، مما يمكن من تبني استراتيجية مواجهة فاعلة.
في إطار المواجهة مع الحوثيين ستجد أطرافا إقليمية ودولية تآزرك بقوة، وفي مختلف الأوقات التي تتطلب المواجهة، لذا يمكن الاكتفاء بمطاردة هذا العدو إلى خط التماس الحدودي والتوقف عند ئذ حفاظا على طاقاتك القتالية، هذا العدو يمثل تهديدا من النوع الثالث.
الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) يحظى هؤلاء بدعم وقبول بعض الأطرف الإقليمية، وبالمقابل تجد أطراف إقليمية فاعلة تتبنى مشروع التصدي لهم، ويمكن الاعتماد عليها في أي مواجهة معهم، هذا العدو يمثل تهديدا من النوع الثاني.
بقايا نظام صالح، يتمتع هؤلاء بقبول إقليمي ودولي فضلا عن الترحيب الداخلي، إذ يُنظر إليهم كقوة تتسم بالاعتدال يمكن الوثوق بها والاعتماد عليها في خلق استقرار بالداخل وحفظ مصالح الخارج، هؤلاء تجد صعوبة في حشد التأييد الخارجي لمقارعتهم، لذا يمثلون تهديدا من النوع الأول.
السؤال: ما الذي منع القوى الجنوبية من الاستفادة القصوى من المعطيات المتاحة في هذا الصراع، وتوظيفها لصالح مشروعها؟..