د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الجنوب سيظل هو الملاذ الذي تأوي اليه أرواحنا
الوطن الذي نعرفه بإسم "الجنوب العربي " المعترف به دوليا بحدوده ومعالمه ورموزه التاريخية وهويته لم يعد كما كان بعد أن باعه السذج من أبناءه واستلب اسمه وهويته وأصبح أرضا مستباحة لكل من هب ودب باسم الوحدة !!
أصبح نهبا للغرباء والدخلاء الذين تملكوا فيه نهبا وسطوا كل معمور وفلاء وسهل وجبل وزوروا شهادات الميلاد وبطاقات الهوية وبيانات جوازا ت السفر ولكن هيهات سيبطل السحر وسيرتد السحر على الساحر !!
ورغم محاولاتهم الفاشلة سيظل الجنوب هو الوطن المميز بهويته وهو المكان الذي نسكنه والحضن والملاذ الآمن الذي تأوي إليه أرواحنا، والبيت الكبير الذي يجمع الأهل والأحبة أحياء وأمواتا، إذ نولد فيه ونتربى ونترعرع ونكبر في كنفه ونتمنى أن نموت وندفن فيه وسيعود الحق لأهله ومن قال حقي غلب !!
وسيظل الجنوب العربي هو الوطن الذي يشدنا أينما حللنا وارتحلنا؛ لأننا من دون وطن ننتمي إليه مثل الطيور بلا أعشاش وأوكار تأوي إليها، لهذا ينبع حب الوطن من عمق القلب، ويتجسد في الكثير من الأشياء، ومن غير المعقول حصر الوطن وتقزيم دلالته ليصير مجرد أرض وأشجار وتراب وغير ذلك من الأمور غير المجردة، لأنه يبقى أكثر من ذلك على اعتباره مجموعة من الأشياء المادية والمعنوية التي لا يمكن فصلها أبدا.
إن حب الإنسان لوطنه أمر فطري وسبب ذلك التاريخ المشترك ووجود الأهل والصحبة، وذكريات الصبا، وتناغم الطباع والعادات الاجتماعية، واتفاق اللهجة وغيرها، تولد شعورا داخليا مزروع في كل خلية من أجسادنا ويجعل من المستحيل أن نتخلى عن وطننا للغرباء والدخلاء أو ننساه أو ننسلخ منه، لذلك نجد العديد من البشر حول العالم يحتفظون بالوطن بداخل قلوبهم، وهذا ما نراه بوضوح في المواطن الذين تم تهجيره من وطنه أو سلب ممتلكاته إلا أنه بالرغم من ذلك مازال يحتفظ بوطنه في داخله.
اننا صادقون في حب وطننا ونحبه حبا خالصا، وليس ادعاء للحصول على مطامعنا الشخصية أو سبيلا لنيل أهدافنا الذاتية، فنحن نحبه من دون رفع الشعارات الجوفاء التي ظاهرها الولاء والحب وباطنها حاجة في نفس يعقوب، ورفض الظلم، ونبذ كل صور التسلط والعدوان والعمل على تحرير الوطن من الفساد الذي يعد العدو الحقيقي له بعيدا عن فتح الثغرات والجبهات الجانبية التي تخدم مصلحة أعداءه الذين يريدون السوء والشر له!!
ولا يعني حب الوطن السكوت على ظلم الأنظمة السياسية الحاكمة والمتنفذة ، كما أن المطالبة بالحقوق ليست مؤامرة على الوطن وخيانته، والتطبيل والتضليل أيضا ويبقى حب الوطن خير معين على استمرار جذوة الوطنية متوقدة لاسترداده ، وهو من أهم الأسباب التي تجعلنا مصرين على حقنا في حياة كريمة، فلا وطن بدون وطنية حقيقية قائمة بذاتها، والشعب الذي لا يمتلك هذه الوطنية لا يساوي حتى قطيع الغنم في تماسكه وقوته.
إن حبنا للوطن لا يجعلنا ننفي أننا ضحية الوحدة المزيفة وشبكة فساد باعت الجنوب وفق مصالحها لكننا في نفس الوقت لا نحمل جميع مظاهر فساد للدخلاء ولأهوائهم وفسادهم ونزواتهم، فنحن أيضا نتحمل جزء من المسؤولية في ذلك، فبصمتنا الدائم وخيانة البعض منا أصبحنا ضحايا أصحاب السلطة التي تبقى وعودهم لا تتعدى أن تكون مجرد أكاذيب والفرق بيننا وبين المسؤولين السياسيين أننا نحب وطننا بصدق، وهم يحبون المال والمناصب حبا جما، ونحن مستعدين للتضحية من أجله، أما هم إن جف الضرع فمستعدين على التضحية بالوطن وإحراقه بما فيه، هذه هي الحقيقة المرة التي نراها ونعيشها بكل جوارحنا ونتألم لما وصلت إليه الأمور في وطننا بفعل عبث العابثين واستهتار المستهترين وإفساد المفسدين.
إن المتسلطون في وطننا أكثر الناس سعيا إلى خنق الحرية بتكبيل الكلمة الشجاعة، وتكميم الأفواه التي تنطق بالحق، والتضييق على الحرف الثائر الذي يظهر الحقيقة، ومحاصرة الرأي الحر والتعتيم عليه، وسلب واغتصاب الطموحات المبنية على أساس شريف ونزيه، لقد أصبحنا في وطننا نحاكم بالوجاهة والنفوذ والأموال، ولم نعد جميعا متساويين بكرامتنا وإنسانيتنا ووطنيتنا .
وسنظل نكذب على أنفسنا كل ليلة ونقول بأننا سننام مرتاحي البال، لكن هموم وطننا توجعنا وتشطرنا وتبعثرنا هنا وهناك، ترى من سيعيد لوطننا البهاء والعزة؟
ألم يحن بعد الوقت للتخلص من وهم ولادة النموذج التنموي الذي لن يأتي أبدا من تلقاء نفسه في ظل الأوضاع القائمة؟ ولعل التجارب السابقة علمتنا بأن حبل النزاهة والمصداقية متين، والتاريخ لا يرحم وسيكتب يوما بأن إفراطنا في حبنا للوطن جعلنا نقسو بألسنتنا وأقلامنا، لكن رغم ذلك فقساوتنا أرحم من قساوة طغيان وعناد وإصرار أصحاب القرار السياسي على الإساءة لهذا الوطن.