حميد طولست يكتب لـ(اليوم الثامن):
الثقافة الذكورية وعنصرية المجتمع ضد جنس المرأة !
كثيرا ما يستحي الرجال في المجتمعات العربية والاسلامية من مغازلة زوجاتهم أمام أطفالهم ، ولكنهم لا يستحون البثة من التقليل من أهميتها وتسفيه آرائهن وإهانتها ، ولا يخجلون من ضربها بمناسبة أو من دونها أمامهم ، تعظيما لقدر ذكوريتهم ، وإثباتا لاستمرارية تسلطهم على العنصر النسوي ، الذي يخافون قوته الطاردة ، التي ما فتئت تنمو باطراد وعنف نحو أخذ المكانة الطبيعية والدور الطليعي المُهيمَن عليهما بدون حق ، أو بدعاوى واهية مثل كون النساء ناقصات عقل ودين ، وأن كيدهن عظيم ، وإيمانا من الكثير من الرجال بأن للذكر مثل حظ الأنثيين ، ومثنى وثلاث ورباع ، جزاءا لذكوريتهم ، ناسين أو متغافلين –وهو الأقرب للصواب- عن قول رب العالمين :"ولن تعدلوا ولو حرصتم" ، وقوله سبحانه : "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" ، ومتجاهلين أحاديث رسوله الكريم المُكرّمة للمرأة والتي أذكر منها على سبيل المثال: "أستوصوا بالنساء خيراً" و"خيركم خيركم لأهله" و"رفقا بالقوارير" و"ما أكرمهن إلاكريم ولا أهانهن إلا لئيم" ، وغيرها من الأحاديث المعارضة للتعديات المتكررة على النساء ، والآمرة بحسن معاملة المرأة بعيد عن العنف الذي تحدث بشاعته في أسرهم وتحت أنظار الأطفال الصغار وسمعهم ، ويشعرون بأن العنف تحرشا وإيذاء هو أمر طبيعي ومقبول ومبرر ، فتنغرس في نفوسهم وأذهانمهم الطرية ، وتترسخ في وعيهم وضمائرها أنه من أحقية الرجال على النساء ، ما يجعل العنف والهيمنة الذكورية تتكرر وتستمر في حلقة لا نهاية لها ، تعجز الكثير من المجتمعات عن تخطيها أو تجاوز ترهاتها التي إذا تأملنا بعض ما تحفظه العادات والتقالد المسيئة لأحوال واقع مجتمعنا المؤسف ، لوجدنا أنه حصاد صنعناه بتقصيرنا العام في بناء وعي الأجيال على جميع المستوات .
تقصير الأسرة على مستوى التوجيه السيء المتمثل في إختلاف المعاملة بين الذكر والأنثى ، الذي تنشأ عليه المرأة داخل الأسرة مند طفولتها وخلال مراحل نضوجها العقلي والعاطفي ، والذي يمنح الذكر من صفات التفضيل والتعظيم أكثر مما يعطى للانثى ، ، التوجيه الذي يتملؤ المرأة بعقد الدونية وعلل الشعور بالنقص، ويصيب الرجال بلسلوكيات النرجيسية والتي اذا لم تعالج في جدوره ، فإنها تتطور لتصبح المصدر الأساسي لكثير من الكوارث الاجتماعية والعلاقات الإنسانية..
والمؤسسات التعليمية والتربوية مقصرة هي الأخرى على مستوى وضع المناهج واختيار محتوياتها وآليات تعليمها ومتابعة توجهات وأداء طواقمها ..
والإعلام مقصر على مستوى اختيار محتوى ما يقدّمه من تحليلات لقضايا التعديات المتكررة على النساء ، وما يغرسه في الوعي المجتمعي من بشاعات أخبارها الملوثة للفكره وللروحه.
ورجال الدين مقصرون على مستوى تلككهم في تغيير قيم وأنظمة المجتمع الذكوري الأبوي، واصرارهم على إعاقة تقدم المرأة وتحررها وتمكينها ، في إطار ما وضعه الدين الإسلامي الحنيف والمدرج في قوله تعالى :"إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ، وهوسهم في تطويع المرأة وإخضاعها لسلطة الرجل بحجة "الشريعة" أو العادات والتقاليد المضخمة لحقوق الزوج على زوجته، الحقول التي أصبحت أقرب إلى التملك وليس المشاركة ، و إسهابهم في التأكيد على وجوب طاعة المرأة لزوجها وخدمته والتزين له وعدم الامتناع عن تلبية رغباته الجنسية ، بغض النظر عن حالتها النفسية، واستئذانه في أي شيء أرادت فعله ، حتى صيام النافلة وليس الفرض، إلا بأذن الزوج ، كما ورد ذلك عند الطبراني في حديث عن ابن عباس عن النبي محمد نصّ على: "ومن حق الزوج على الزوجة ألا تصوم إلا بإذنه، فإن فعلت جاعت وعطشت ولا يقبل منها"، وغير ذلك من القيود والحواجز التي تضع المرأة تحت رحمة الرجل والعائلة والمجتمع ، مقابل حقوق ضئيلة لها على زوجها ، يختصرها ردال الدين في حسن المعاملة والنفقة والملاطفة والمشورة ، إن استحسن الرجل ذلك.
والدولة مسؤولة بشكل كامل على كل ألوان التقصير السالفة الذكر ، إلى جانب مسؤوليتها على تقصير أجهزتها الرسمية وتراخي عناصرها في اتخاذ التدابير اللازمة لوقاية المرأة من العنف والقضاء عليه ، بدءا من التحقيق في أفعال العنف وسن العقوبات اللازمة وتعويض الضحايا ، لأن الدولة هي الضامنة للحفاظ على حقوق المواطنين وتمتيعهم بحقوقهم الانسانية الاساسية من مثل الحق في الحياة والامن والامان والتمتع بالصحة الجسدية والنفسية والحق في التعليم والحق في السكن والحق في المشاركة في الحياة العامة ، أما المجتمع المدني والجمعيات التطوعية والقطاع الخاص ، فلا تقع عليهم تلك المسؤولية، ويعتبر خوضهم وتدخلهم فيها من باب التطوعية المواطنة ..