مصطفى منيغ يكتب لـ(اليوم الثامن):
الكلمة الحق لم يعد للصمت عشاق
مصداقية التَّعبير ، تتجلَّى في وضوح الموقف المَعنيِّ بتبليغِ مُحتواه بأسلوبٍ لا يحتاج لإضافة أيّ تفسير ، إلاَّ المُراد تبليغه بمسؤولية المُدرك المُجَرِّب الخبير ، أنَّ الحقَّ لا يعبأ بالزمن يظلّ حكمه ساري المفعول مِن أول البدء إلى آخر الأخير.
السياسة لدى الأكثرية فاقدة الأخلاق متى التصقت بمصالح ظرفية المرتبطة بأسس متحركة مُبرمَجة مُسبقا على التسريع أو التأخير ، وفق عوامل المَد والجزر وكل المناورات الفاسحة المجال لضمان نتيجة المهزوم والمُنتصر ، بغير قتال ميداني بكل مخاطره على البعض دون الآخر ظاهر ، ولا ابتعاد عن حوارات تفاوضية مكلفة التحضير ، ولا انزواء مقصود لربح التشويش المجاني المفيد كان لِما مضى الغائب عن ضغطٍ تكنولوجي خلال الحاضر ، حيث المصارعة الشرسة على امتلاك أدق المعلومات مطروحة حيال أصعب اختبار لأنيابه الفتَّاكة بالعقول الضعيفة شاهِر ، يواجه الأجهزة الإستخبارية الشبيهة بالعمود الفقري المقيم كواقع ملموس وليس مع الخيال مُسافر ، لكل دولة تستعدّ دوماً لمقابلة أصناف معيَّنة من المفاجآت غير السارة قد تكون لها قاهرَة كثيفة التدمير.
المغرب الرسمي له أبعاده التاركة الأقرب لترسيخ نفس التكرار تحت عنوان لا يتغيَّر المحافظة على الإرث مهما كلَّف من ثمن وكأنه بلا حاضر ولا مستقبل سوى ماضي يؤخذ دون نقاش كمصير ، ومن لم يعجبه مثل العجب فليغادر، ليس ارض الوطن وإنما من أي شيء يرى فيه حقه يُسحب منه ليكتفي بالامتداد على أحقر حصير، داخل أي كوخ تعاف المقام فيه حتى الحمير ، او يساق لزنزانة لا تُعرض على الشاشات عقابا مبتكرا ممَّن ليس لهم ضمير ، ينتقمون به مَمَّنْ قال "لا" ولو منحوه ليستبدلها ب "نعم" وظيفة وزير. المغرب استقلَّ عن الاستعمارين البغيضين بنفس المواقف أو بأكثر منها فقدان حياتهم تحت التعذيب الجهنّمِي العسير ، تاركين أبناءهم حفاة عراة لسنين طويلة حتى فهم مَن مهامه الدستورية الفهم أن المغرب لن يكون بالاستبداد كبيراً وإنما بمنح الحق لكل مَن ينعته احتقاراً بالصغير، والمغرب قادر بفضل ممتلكاته الطبيعية أن يكون مع جميع المغاربة أفضل ممَّا هو عليه الآن وبكثير ، إذن ما المانع يكون غير الرضوخ لنفس الرغبات وكأن الشمس لا تشرق إلاَّ على رؤوس ألفت الاحتماء بمظلة مَن لا شغل لهم سوى إسكات الغاضبين بالقنابل المسيلة للدموع أو الهراوات المكسرة للضلوع أو إلصاق التهم الجاهزة ليكون الحبس آخر عهدهم في الحياة قبل زيارة المقابر بعد مُضي وقتٍ قصير.
ذات يوم مكّنني القدر من حضور أغرب اجتماع عقده الرئيس الجزائري الراحل الهواري بومدين للنظر في قضية ذي الوزن الأخطر من الخطير ، تركتني أتعرف على كيفية مواجهة بعض الرجال المغاربة الأحرار ذي جرأة ليس لها نظير ، الموت ببسالة لا يمكن وصفها لانعدام وجود كلمات تخص ذاك المنظر الرهيب وفي ذات الوقت منير ، الذي لزمني لمراحل من حياتي سخَّرتُها مثلهم في خدمة المغرب خدمة كلفتني أحياناً تحمُّل الآم شداد وقذفت بي لأقاصي أعباء وجدتها فوق طاقتي ومع ذلك خرجت منها بالمنتصر . اجتماع أراد به ذاك الرئيس ضرب عصفورين بحجر واحد ، ضمّ عملاء مغاربة لجهاز خاص موجَّه ضد المملكة المغربية ، ومنح الدليل أن العديد من المغاربة انطلاقا من اختياراتهم الذاتية يرفضون المسيرة الخضراء ويقفون بالمرصاد لها جراء العديد من العمليات المؤثرة ستكون بداية لتوضيح ما تريد الجزائر الرسمي توضيحه للرأي العام الدولي ، أساسه أن فكرة المسيرة الخضراء تخص الملك الحسن الثاني لا غير . في بداية الاجتماع مع بعض المغاربة المحكوم عليهم بالإعدام ارتجل الهواري بومدين الجمل القصيرة التالية :
- أمامكم 24 ساعة لتختاروا الانضمام إلينا قلباً وقالباً ، بمعنى حصولكم فوراً على الجنسية الجزائرية ، وما بترتَّب على ذلك من امتيازات مالية تحصلون عليها كرواتب شهرية سبيل ما ستقدمونه من خدمات تخص مصالح بلدكم الجزائر ، وتوقِّف الملك الحسن الثاني عند حده بالتخلي عن تنظيم ما سمَّاها بالمسيرة الخضراء ، وفي حالة رفضكم سأسلمكم مباشرة لنفس الملك كي يعدمكم كما اعدم العديد من الانقلابيين مثلكم .
وقف أحد الرجال الأبطال بعزيمة لا تُقهر ووجه يشع منه نور اليقين أنه إن مات سيُرضِي ضميره بنيل شهادة مُستحقَّة ليقول بصوت طليق :
- فخامة الرئيس ، نحن ضد النظام الملكي في المغرب ، لكننا مع المغاربة المطالبين بمغربية الصحراء ولن نكون إلا معهم ، اعدمني إن شئت الآن وليس بعد 24 ساعة ، لن أخون المغرب والصحراء مغربية .
... ساعتها كنتُ أخشى أن يلتفتَ إليّ الهواري بومدين ويرى الدموع تكاد تنفجر من مقلتاي على اثر ما سمعتُ لتهتزَّ مشاعري بما يؤكد أن حب الوطن فوق كل اعتبار .
... تمر الأيام فأزور مدينة "الداخلة" لاقف على منكر بالألوان يتحرك فرماني التفكير في هؤلاء الذين يرجع لهم الفضل بما قدموا حتى عادت الصحراء لكن للأسف ليس لكل المغاربة ولكن لمجموعة لا يهمها من الصحراء إلا ما يستولون عليه من خيراتها يوميا، وهي كلمة حق يجب أن تُقال إذ لم يعد للصمت عُشَّاق