فاضل المناصفة يكتب:

هل ستتغلب الرغبة في الحياة على حماس؟

غزة

أطلقت الحركة الشبابية المسماة #بدنا_نعيش دعوة لسكان قطاع غزة للخروج في احتجاجات شعبية بعد صلاة العصر اليوم الجمعة للتعبير عن سخطهم إزاء سياسات قادة حماس التي أدخلت غزة نفقا مظلما لا يعرف له آخر، منذ انقلاب 2007 المؤسس للانقسام الفلسطيني والعامل المباشر في إضعاف القضية الفلسطينية على المستويين الداخلي والخارجي، وسرعان ما تحولت غزة إلى ثكنة عسكرية إيرانية بعد أن ملأت طهران جيوب بعض القيادات لتنفيذ الأجندة الصفوية الرامية إلى تحييد الدورين العربي والمصري خاصة في فلسطين، تماما مثلما نجحوا في عزل لبنان عن العمق العربي.

سيطرت حماس في بادئ الأمر بالشعبية والولاء، واستطاعت أن تبني قاعدة جماهيرية عريضة داخل غزة وخارجها بعد تبنيها لشعار “مقاومة المحتل ودحره عن أرض فلسطين”، وكان برنامجها الانتخابي في الانتخابات التشريعية الفلسطينية يحمل وعودا بالقضاء على الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية ورفع المستوى المعيشي للمواطن، ولكنها لم تحصد سوى النتائج العكسية مستمرة في إنكارها والتنصل منها، ومحملة الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية كل كبيرة وصغيرة في القطاع، بالرغم من أنها هي التي تشرف على تسييره وهي من جعلت منه رقعة جغرافية بائسة، مهددة بالتصعيد بين الحين والآخر.

لا تسمح حماس لأيّ صوت بأن يغرد خارج السرب حتى وإن كان من داخل بيت الحركة، أو من بيت الفصائل المسلحة، وهي ترى أيّ محاولة للخروج إلى الشارع محاولة لشق عصا الطاعة، وتنسبها إلى مخططات هدفها تنفيذ أجندة إسرائيلية تسعى لضرب الحركة من الداخل وإسقاطها من خلال استغلال المطالب الاجتماعية، ولهذا فإن الدعوة للخروج إلى الشارع من قلب غزة تعد مغامرة حقيقية وتهديدا بالموت خاصة وأن الأجهزة الأمنية في غزة لا ترحم ولا تعترف بشيء اسمه حرية التعبير عن الرأي. ولو كان باستطاعتها أن تلقي القبض على أصحاب التعليقات المعارضة لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لما توانت عن ذلك؛ وهذا سبب كاف يفسر أن الدعوة للخروج إلى الشارع لا يمكن أن يقف وراءها أناس من داخل غزة خوفا من بطش حماس التي لا ترحم من يفكر في معارضتها.

لا تسمح حماس لأيّ صوت بأن يغرد خارج السرب حتى وإن كان من داخل بيت الحركة، أو من بيت الفصائل المسلحة، وهي ترى أيّ محاولة للخروج إلى الشارع محاولة لشق عصا الطاعة

ومهما حاولت حماس أن تنسب هذه الدعوات للخروج إلى الشارع إلى مخطط إسرائيلي، إلا أن قياداتها تعلم علم اليقين من خلال التقارير الاستخبارية أن حالة التذمر من سياساتها وصلت إلى مستوى غير مسبوق، وأن الغالبية الصامتة من الشعب تبحث إما عن الخلاص منها أو الخلاص من غزة. لم يتبقّ أي شيء يستحق الصمود والمقاومة بعد أن تيقن الجميع أن المقاومة بالشكل الذي تسوّقه حماس مجرد شعار تصنعه القيادات وتبيعه للغلابة الذين يدفعون الثمن على مضض من دون مناقشة. كيف لا والجميع  يعلم أن أبناء القيادة يعيشون حياة مغايرة تماما عن تلك التي يعيشها عامة الشعب داخل القطاع البائس ويقضون عطلهم الصيفية والشتوية ما بين الفنادق التركية والقطرية.

في السنة الحالية، لم تراع حماس الوضع الاقتصادي المزري للعشرات من أصحاب البسطات وقامت بمصادرتها باستعمال القوة في العديد من المرات، ولم تراع كذلك وضع سكان قرية البدوية وقامت بتهديم منازلهم باستعمال القوة العسكرية المفرطة من دون تقديم بدائل لهم، واكتفت بتعليق إعلامي على الحادثة على لسان ناطقها فوزي برهوم بأن الحكومة مجبرة على تطبيق القانون، ولم تراع أيضا الوضع البائس الذي تعيشه العائلات في غزة التي تواجه موجة الغلاء العالمي، مقررة رفع الضريبة على الألبسة والمستلزمات الدراسية، ولم يسلم رغيف الخبز من تخفيض الوزن ورفع السعر، ولا حتى المساحات الخضراء من جباية حماس عندما حولت حديقة الجندي المجهول إلى موقف سيارات مدفوع الثمن.

كل هذه الإجراءات وغيرها تكشف بشكل واضح تخبط حماس ووصولها إلى مرحلة عصر جيوب الناس للخروج من أزماتها الاقتصادية تحت شعار دعم المقاومة مع تحميل الاحتلال المسؤولية الكاملة عما يجري في القطاع، بينما تغض الطرف عن الآلاف من تصاريح العمل التي يقدمها الاحتلال للعاطلين في غزة والتي يقدم المسؤولون في الغرفة التجارية بعضها ”من تحت الطربيزة (الطاولة) للحبايب”، هذا بعد أن أفلس العديد من المصانع التي تركت لتواجه مصير الغلق من دون أيّ دعم، وفي ظل منافسة المنتجات الأجنبية للمنتجات المحلية لأن مستورديها يدفعون الجباية بالعملة الخضراء.

قد يفشل الناس في الخروج إلى الشارع اليوم الجمعة خوفا من بطش حماس وتهديدها بالسجن والتعذيب لكلّ من يشارك في مظاهرة “بدنا نعيش”، ولكن على الجميع أن يدرك أن هذا الخوف سيقف حاجزا أمام تبدل الأحوال وسيضمن لحماس الاستمرارية في قيادة القطاع وفق أهوائها ووفق ما تقتضيه الأجندات الخارجية التي لا تصب في مصلحة غزة ولا في مصلحة القضية الفلسطينية.