فاضل المناصفة يكتب:
لماذا لم تنجح وثيقة الجزائر في إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني؟
خلال لقائه الخاص مع برنامج بودكاست الجزيرة عاد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في حديثه عن ملف القضية الفلسطينية إلى وثيقة الجزائر، التي تضمنت بنودا وتفاهمات وافقت عليها جميع الفصائل الفلسطينية المشاركة من أجل إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، شملت برمجة آخر اجتماع ترعاه الجزائر لمنظمة التحرير الفلسطينية يتم الإعلان فيه عن إعادة تركيبتها ودمج حماس فيها، وهي مبادرة تقدمت بها مؤخرا “الجبهة الديمقراطية” وتحمل العديد من نقاط الاستفهام والتعجب، ذلك لأنها تريد أن تجمع في وعاء واحد بين أيديولوجيات متنافرة في الرؤى والسياسات الداخلية والخارجية والبرامج وأساليب وأدوات المقاومة، دون تحديد البنود العريضة لهذا التطوير ودون الحصول على توافقات شاملة حول أحقية المنظمة بحمل صفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
حمل إعلان القاهرة عام 2005 الذي نص على تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينيّة وفق أسسٍ يتمّ التراضي عليها بحيث تضمّ جميع القوى والفصائل الفلسطينيّة بصفة المنظمّة الممثّل الشرعيّ والوحيد للشعب الفلسطينيّ، فرصة حقيقة لتوحيد الأصوات في معركة التحرير وعملية البناء السياسي والمؤسساتي لمشروع الدولة الفلسطينية، ولكن سرعان ما اصطدمت الأيديولوجيات ببعضها البعض، ووظفت أيما توظيف في الخطاب الانتخابي الذي سبق الانتخابات التشريعية سنة 2006، ثم احتكمت حماس إلى السلاح لتثبيت حكمها في غزة، متجاوزة بذلك مخرجات البيان الذي نص على أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة للتعامل بين كافة القوى، مع تحريم الاحتكام إلى السلاح في الخلافات الداخلية. واجتمع الفرقاء في القاهرة عام 2011 وفي الدوحة عام 2012 دون الوصول إلى أي نتيجة تذكر، واستمر الشقاق بين السلطة وحماس حتى مع إبدائها الاستعداد للانسحاب من عملية إدارة قطاع غزة، مع أن حماس حاولت أن تظهر بعضا من الليونة في وثيقة المبادئ والسياسات العامة التي صدرت بعد عقد كامل من “الانقلاب”، من خلال التأكيد بأن منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يشمل جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني. كما فصلت حماس ما بين السياسة والدين، وأعطت الأولوية للبناء الديمقراطي والحقوق السياسية، وهو الشيء الذي يقترب من رؤية فتح، لكن الجهاد الإسلامي كان لها رأي آخر إذ رفضت الاعتراف بالبند الذي ينص على اعتبار المنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، دون أن يتم الاتفاق قبل ذلك على الأسس التي تحدد آليات إصلاحها وإجراء انتخابات لمجلسها الوطني، الأمر الذي أفشل التوصل إلى اتفاق بين حماس والجهاد من جهة والمنظمة وفتح من جهة أخرى خلال جولة الحوارات في موسكو سنة 2019.
ستبقى كل المحاولات تدور في حلقة مفرغة، وسيبقى مسلسل الانقسام حاضرا، وتبقى غزة على ما هي عليه، ويزداد وضع السلطة ضعفا
علاج مشكلة الانقسام الفلسطيني يبدأ في الأساس بمعالجة مصدر العلة، وهو ما يعني الرجوع إلى مناقشة اتفاقية أوسلو وما أحدثته من خلاف عميق في الأيديولوجيات، بقي يتراكم إلى أن وصل إلى تصادم مباشر في انتخابات عام 2007، ونتج عنه الانفصال عن المشروع الفلسطيني الموحد، وإنشاء كل أيديولوجيا لحكومتها وسلطتها بالمنطق الذي يخدمها، ودفع الشعب الفلسطيني ثمن هذا الانقسام السياسي الذي عزز من موقف الاحتلال، بعد أن أضحى مشروع الدولة الفلسطينية فاشلا نظرا لما في البيت الفلسطيني من خلافات عميقة تحول دون تبني رؤية مشتركة تذهب في مسار بناء دولة ديمقراطية، وبالتالي فإن إسرائيل حصلت على فرصة لمشروع حل الدولتين من قبل الفلسطينيين.
ومع أن اتفاق أوسلو قد أصبح مجرد حبر على ورق، كما أن حماس قد عدلت في وثيقة المبادئ والسياسات العامة وقبلت بحدود 1967، إلا أن الفصائل الأخرى وعلى رأسها الجهاد الإسلامي لا يزال لها رأي آخر، وتصر على تسمية الاتفاق بالخيانة التاريخية وبعدم الاعتراف بحل الدولتين، كما ترى في مسألة التنسيق بين السلطة والاحتلال مبررا لإطلاق “فيتو” أو وضع حجر عثرة بعد كل بيان أو مخرجات تصل إليها لقاءات المصالحة الفلسطينية.
إذا أرادت الجزائر أو غيرها أن تجمع الفرقاء فعليها البناء على إعلان القاهرة، الذي نجح في توحيد اثني عشر تنظيماً وفصيلاً فلسطينيا، وتحديد مطالب الإصلاح التي تريدها الفصائل لقبول الاندماج تحت جناح منظمة التحرير الفلسطينية، ودعوة حماس إلى الالتزام بالبند السادس من مخرجات هذا الإعلان، وهو ما يعني أن الوصول إلى حكم غزة عن طريق السلاح أمر ملغى. ومن ثم يصبح الحديث عن انتخابات تشمل كل الأطياف أمرا منطقيا، إذ لا يمكن الحديث عن عملية سياسية دون حل الأمور العالقة ودون الاحتكام إلى بيان سياسي توافقي وشامل.
غير ذلك، ستبقى كل المحاولات تدور في حلقة مفرغة، وسيبقى مسلسل الانقسام حاضرا، وتبقى غزة على ما هي عليه، ويزداد وضع السلطة ضعفا، ويستمر نجاح الاحتلال في عزل الجبهتين والاستفادة مما جرى ويجري.