حميد طولست يكتب لـ(اليوم الثامن):
تحجر العقول اخطر من تبرج الأجسام !
من أهم أهداف اللباس الذي يرتديه الإنسان إلى جانب ستر العورة والتجمل به ، هناك التعبير عن الثقافة والهوية ونمط الحياة ونوعية المحيط الذي يعيش فيه الشخص الذي يلبسه ، والإعلان عن الانتماء الاجتماعي والتاريخي والأيديولوجي ؛ ومن البديهيات أن الدين لا يتطرف في فرض أي نوع من الألبسة، لكن الناس هم الذين يحملون الأديان ذلك بكل ما يولده من عنف مجتمعي مقوضٍ لكل نقاط الارتكاز المؤسسة لتفاهمات الناس على المستوى الحياتي والنشاط الإنساني المشتركة بينهم، والذي لا خلاص منه -التطرف-إلا بانتزاع "نصل الإرهاب الفكري" الذي يحجر على العقول والحريات ويسلبها حقها في حرية التفكير والتعبير والإعتقاد ، استنادا على التفاسير والاجتهادات المعبأة بايديولوجيا التجهيل الممنهج والوصاية القمعية في شرح النص الديني ، وخاصة منه ما تعلق بالمرأة ولبسها الذي طفت مجدد على السطح حدة النقاش حوله ، وعناد في الرأي الرافض لثقافة الاختلاف فيما يخصه ، والمتكئ على أعذار العلاقات الاجتماعية الأبوية والعشائرية المشوهة والمتخلفة ، الملفوفة بشعارات الحفاظ على الدين والدفاع عنه التي تسلب بها حقوقها وتستضعف شخصيتها واستباح كرامتها ، وتجعلها فريسة للغرائز الذكورية المستهدفة لأية بادرة اصلاحية لوضعيتها وما تولده من عنف مجتمعي يدفع المجمع قبل المرأة أثمانه الغالية .
لست ضد الحجاب ، ولا حتى أي لباس ،والناس عندي أحرار في اختياراتهم، وانا مع التعددية في كل شيء قلبا وقالبا -إلا في الزوجة والجنسية - لكن السؤال الذي يحيرني هو: أليس بامكان المرأة المغربية أن تتحجب إ،ن هي أرادت ، بالزي المغربي الأصيل ، كما فعلت جداتنا وامهاتنا قبل زمن ليس بالبعيد ، وكن نعم المسلمات المؤمنات القانتات ، لأن الاسلام ليس له لباس ، ولا يتناقض –على ما أظن- مع "الجلابة" المغربية التي هي أكثرة سترا واناقة من تلك العباية المشريقة الغريبة الدخيلة علينا ، التي غزت مجتمعنا باسم الدين الذي لا علقة له بها لا من قريب ولا من بعيد ، والتي ينم التزيي بها على مدى تضارب وعي المرأة مع أسس الدين الحنيف ومبادئ الإنتماء القومي والوطني، ويشي بوضوح على استيلابها إن لم نقل تخلفها وقلة إدراكها لمدركات ومسلّمات مفاهيم تسيُّد الذكورية عليها، وخضوعها لسلطويتها التسلطية التي حولتها إلى عبئ اجتماعي مُعطل لقدراتها "كنصف المجتمع"، على أن تكون رافعة تنموية في مواجهة التحديات المحلية والإقليمية التي تواجه مجتمعها ، سيما في البلدان النامية والمُفقرة ، لتجد نفسها -رغم ما صار في متناولها مما لم تحلم به سليفاتها من تعليم وتكنولوجيا - تحت وطأة إحساس طاغ بانعدام الأمل أمام ما تشهده المجتمعات العربية في الآونة الأخيرة من انقلاب شامل على حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والثقافية والدينية، بدعوى الحفاظ على كرامتها المستهدفة من الغرب في أطار تآمره على الأمة الإسلامية ، الفرية التي يفضحها إنشغال الغرب بما هو أهم بكثير من ذالك التآمر الذي لا وقت و لا طاقة و لا رغبة له فيه ، وتركه لمن يتقن التآمر..
وفي هذا السياق وردت اشارة جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش لمدى الحاجة لإجراء مراجعات جدية لدور المرأة من خلال تفعيل بنية مدونة الأسرة ، والتشمير عن السواعد لمواجهة فوضى الاعتداء المنظم على حقوقها وحرياتها التي كفلها الدين والقانون والمعاهدات الدولية ، وانتزاعها منها الإرهاب الفكري المتغلغل في عقلها قبل أي كان ؟!