د. محمد عاكف يكتب:
حول «الشرعية» في إصدار قرار الحرب
الحرب ليست ظاهرة حديثة فهي ملازمة لكل تناحر قومي أو ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي أو مصلحي، تناحرات قامت منذ الأزل ولا تزال قائمة إلى يومنا هذا.
حظيت هذه الظاهرة بأقصى درجات الاهتمام من قبل منظمات دولية للإجابة عن التساؤل فيما إذا كان هناك طريقة لإنقاذ البشرية من خطرها وللكشف عن خفايا معضلة الإنسان الأزلية مع العنف، دراسات لم يستثن بعضها الربط بين هذه الظاهرة وطبيعة النفس البشرية.
تندلع الحروب بدوافع شتى إلا أنها جميعاً لا تخرج عن تلبية لمصالح الجهة التي تبدأ بها متعللة سبباً أو عدة أسباب بعضها كما يبدو في الظاهر في غاية التفاهة كما هي الحرب التي قامت بين داحس والغبراء المعروفة بحرب «البسوس» التي دامت قرابة 40 عاماً في الحقبة الزمنية قبل الإسلام وبعضها الآخر كان ذا أسباب أخرى تتعلق بالدفاع عن النفس أو تحقيق مصالح ذات طابع آني أو مستقبلي.
ويبدو أن ما تعرض له العالم من ويلات في الحربين العالميتين في القرن الماضي لم يكن كافياً لردع قيام حروب أخرى، ولكن بمواصفات وأهداف ذات طابع إقليمي لأن قيام حرب عالمية ثالثة ستكون حرباً نووية لا رابح فيها.
فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية أواسط أربعينيات القرن الماضي حدثت حروب مهمة منها الحرب الكورية والحرب الفيتنامية وحروب أخرى كثيرة في أفريقيا وأوروبا لم تنته بنهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار منظومة الأحلاف التي تشكلت بفعل وجوده ومنها تفتيت الاتحاد اليوغسلافي وإلحاق معظم الدول الحليفة لروسيا في حلف وارسو المنحل بالغرب عبر الانتماء لحلف الناتو. وهذا ما طرح في مناسبات عديدة التساؤل حول شرعية قيام الحروب واتخاذ القرارات بشنها؟
إن قراراً بشن الحرب وإراقة الدماء وتدمير المدن وتهجير البشر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكتسب شرعية في أطر الحس الإنساني السليم الذي يرى في إراقة دم إنسان واحد جريمة لا يمكن أن يختلف حول عدم شرعيتها اثنان فما بالك بقرار يشرعن إراقة دم العشرات أو المئات أو الألوف أو ربما الملايين؟. ومع ذلك فإن قرار شن الحرب كفعل غير شرعي لا يمكن تصور غيابه تماماً.
ارتبطت صور الحروب لدى المدنيين بأبشع أنواع القهر والمعاناة ولم تقتصر مواقف البعض منهم على مجرد كراهيتها بل تجاوز ذلك إلى التنديد بالانتصارات التي تتمخض عنها إذ يقول الشاعر العراقي المعاصر كاظم الحجاج «بين رصاصات الجنود رصاصات محظوظة: تلك التي تخطئ أهدافها/ ورصاصات تعيسة: تلك التي ترتكب أمجاد الحروب».
ولنستمع إلى ما يقوله بعض كبار جنرالات الحرب في العالم، فمما ينقل عن الجنرال دوايت أيزنهاور الرئيس الأمريكي الـ34 للفترة بين عامي 1953 و1961 والذي سبق أن شغل منصب القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية قوله: «إن كل بندقية تصنع وكل سفينة حربية تدشن، وكل صاروخ يطلق هو في الحسابات الأخيرة عملية سرقة للقمة العيش من فم الجياع ومن أجساد الذين يرتجفون من شدة البرد ويحتاجون إلى الكساء».
وينقل عن الجنرال نورمان شوارتسكوف قائد عملية عاصفة الصحراء عام 1991 قوله «يُدرك كل جُندي مُحترف أنَّ الحرب تعني قتل الناس، والحرب تعني تشويه الناس، والحرب تعني تلك العائلات التي تُركت بدون آباء أو أمهات أو أطفال».
المقال حول شرعية قرارات اندلاع الحروب القائمة الآن وربما اندلاع غيرها في المستقبل في ظل ما هو متعارف عليه ضمن الأطر القانونية الدولية. في هذا السياق هناك مدخلان، ليس من الصعب تسييسهما والالتفاف حولهما: أولهما مدون بوضوح في دساتير جميع دول العالم التي تنص على أن المهام الرئيسة لجيوشها هي الدفاع عن بلدانها وفي هذا شرعية لا يمكن المساس بها فالدفاع عن النفس وعن الممتلكات حق مشروع للفرد وللجماعة سواء صدر بذلك مرسوم دولي أم لم يصدر.
وثانيهما منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة فهي المنظمة الوحيدة التي تشرعن استخدام القوة وفق الفصل السابع من ميثاقها الذي ينص على أنه ليس للدول الحق في استخدام القوة في العلاقات مع الدول الأخرى ذات السيادة إلا في ظروف محدودة للغاية وضحتها بدقة وتفصيل بنود ميثاقها.