هاني مسهور يكتب:
عن فتاوى التكفير.. لدينا أقوال أخرى
في يوم ما جاء أحدهم حاملاً منشورًا يحتوي على فتوى صادرة عن علماء اليمن تنص على أننا "كافرون مرتدون عن الإسلام"، وأنه جاء بهذه الفتوى ليضعنا أمام خيار النطق بالشهادة أو أنه سيوعز للأمن اليمني برفضنا، فنحن "مرتدون" عن الوحدة اليمنية.
وهذه ردّة تعني الكفر بالدين الإسلامي كما زعم.. كان ذلك في صيف عام 1994، وكانت تلك الفتوى مفجعة، فبعد أن انتهت الحرب واحتلت القوى الشمالية الجنوب العربي، صعد على منابر المساجد شيوخ "حزب الإصلاح"، ليدعوا الناس للإسلام بحجة أنهم كانوا من قبل "ملاحدة شيوعيين"، وزادوا على ذلك أنهم "كفروا بالوحدة اليمنية وما جاءت به من أباطيل وأكاذيب".
الحضارم الذين فتحوا قلوب ملايين البشر في شرق آسيا وأفريقيا والهند وجدوا أنفسهم أمام مجموعات من المتطرفين المتحزمين بالحزبية السياسية، وهم يسقطون عليهم فتاوى شيوخ اليمن الذين أجازوا القتل والغنيمة بإصدارهم فتوى ردّ عليها آنذاك الأزهر الشريف وعدد من علماء بلاد الحرمين بأنها فتوى لا تجوز، فلا يحق لليمنيين إهدار دم الجنوبي المعصوم.
لم يتراجع اليمنيون الشماليون عن فتواهم، بل إنهم اندفعوا لاغتنام كل ما يمكن اعتنامه، وما زالت آبار النفط ومناجم الذهب وغيرها من الموارد تحت سطوة زعماء القبائل وأمراء حرب 1994، والتي تسمى بـ"حرب الردة والانفصال" بحسب التعريف اليمني الشمالي.
فتاوى التكفير الممتدة عبر العصور والأزمنة، من ظهور فرقة الخوارج في عهد الخلافة الراشدة، لم تتوقف، مرورًا بالسلاجقة والحشاشين وحتى العهد المعاصر الذي ظهرت فيه الفتاوى عبر أشرطة الكاسيت التي أسست لشكل متطور من الفتاوى، فهي تشابه المتحورات الميكروبية في خصائصها على اعتبار أنها تخترق المجتمعات وتقتحم العقول المغيبة عن حقيقة أن تلكم الفتاوى تعتمد على كتب تراث، تمت إساءة فهمها.
الفتاوى لم تنقض، وهي تلكم التي زجت بالملايين ليقضى عليهم على تخوم البوابة العربية الشرقية في حرب الثمانية الأعوام الدامية، فما زالت صكوك الجنة التي نُثرت باقية ومتداولة بيد "الحوثيين" و"حزب الله" والأحزاب الولائية في العراق وسوريا، كل ما صدر عن أصحاب عمائم الإسلام السياسي في حقيقته هو جرائم تستدعي عقوبات، والأهم تستدعي عملاً فاعلاً بقطيعة زمانية مع سوء تفسير التراث الإسلامي والعربي.
فلا يمكن سوء استغلال التراث لتبرير خطوات الراديكاليين المتعصبين.
بالعودة إلى عدن ومدن جنوب اليمن فما زالت فتوى التكفير حاضرة في واقع الناس، فالشمال لا يرى في الجنوب غير أنه "غنيمة حرب"، الأحزاب الأيديولوجية هي التي تمتلك الحصانة السياسية وفقًا للتشريعات والقوانين، فمنها يحصل "الإخوان" على حصة وافرة من أموال النفط والغاز والذهب، ومنها كذلك ما زال أفراد الجماعة يتنقلون ويحصلون على الوظائف المدنية والعسكرية، مستندين إلى فتوى أباحت لهم ما فوق الأرض وما تحتها، هي كذلك حتى وإن أخفيت الحقيقة بمفاعيل السطوة القبلية القابضة على الجنوب أرضا وإنسانا.
الأقوال الأخرى فيها عتبٌ حد الغضب على المنظومة السياسية العربية التي عليها أن تتخذ من الإجراءات العملية التي تسهم بفاعلية في محاسبة عادلة للقوى اليمنية التي أصدرت فتوى التكفير، وتعويض الجنوب بما يجب أن يتم تعويضه، بمساندة حقه السياسي في استعادة بلاده بفك الارتباط عن صنعاء بطوق قبائلها ومذاهبها وأعرافها.
المسؤولية الأخلاقية تقتضي فعلاً جادًّا بدلاً من توزيع بيانات الإدانة والحزن على كل جريمة قتل تقع هنا أو هناك بفعل فتاوى التكفير الحيّة، والتي لم تمت ولن تموت حتى يقوم السياسي العربي بأفعال شجاعة تقطع رؤوس الشر وتكافئ المظلومين من فتاوى التكفيريين.