أحمد شهاب يكتب:

الكويت: إصلاح البرلمان وكفاءة النظام السياسي

لا تتنافس التيارات السياسية وحدها في الكويت لحجز مقعد في مجلس الأمة 2022، وإنما تتنافس جميع المكونات العشائرية والقبلية، والمذهبية، والأقليات الإثنية والمناطقية، للحصول على مقاعد في البرلمان.

تحتشد المجاميع تباعا، وتجتمع أو تفترق طبقا لمقتضيات الفوز بهذا المقعد، إذ يمكن أن يتحالف السنة والشيعة كما حصل في انتخابات 2006 في الدائرة 1 والدائرة 13، إذا كان هذا التحالف معبرا للفوز في المقعد البرلماني. ويمكن أن يدخل أتباع المذهبين في نزاع حاد، كما يحدث في أغلب الجولات الانتخابية، إذا كانت الإثارة المذهبية هي ورقة حسم ماراثون الانتخابات.

يمكن كذلك أن تتحالف القبائل مع الإسلاميين، كما استقرت التحالفات في أغلب الدوائر وفقا لإستراتيجية “تعزيز النفوذ” التي اتبعها التيار الإسلامي من خلال تمثيل أحد الإسلاميين للقبيلة، كما حدث في الدائرة 2 والدائرة 4، حيث استطاع التيار الإسلامي، بشقيه السلفي والإخواني، الصعود على ظهر القبيلة لتحقيق اختراقات في السباق الانتخابي.

وفي ذات الوقت يمكن أن تكون الإثارة والشقاق والتقسيط  هي عنوان الانتخابات بين القبائل والإسلاميين، أو بين القبائل أنفسها، أو بين التوجهات الإسلامية ذاتها بما يعرف بمعارك “كسر العظم”، مثاله ما جرى في الانتخابات التكميلية في الدائرة الثالثة بين الإسلاميين، أو ما حدث في الدائرة الرابعة بين القبائل.

ما أفترضه هنا أن محور الاختلاف والالتقاء بين التيارات والتوجهات المختلفة في الانتخابات الكويتية، لا علاقة له دوما بالأفكار الإصلاحية، والسعي نحو التغيير، والشعارات الانتخابية، وإنما يرتبط أحيانا بالحاجة إلى صناعة واجهة سياسية أو اجتماعية، أو بوصفه مشروعا للثراء والمكاسب السريعة.

لا شك أن حق الترشح للمقعد النيابي مكفول للجميع، بغض النظر عن النوايا، لكن تبدوا المعضلة في الآتي:

أولا، غياب التنظيم السياسي: إن التأخر في تشريع الأحزاب السياسية ساهم في تكريس واقع سلبي تماما، إذ ازدهر العمل العشائري والقبلي والمذهبي بديلا عن العمل الوطني، حتى أن الشخصيات والتيارات السياسية تبحث عن غطاء قبلي أو طائفي للفوز بالانتخابات، وقد كرس ذلك من تراجع مرشحي البرامج التنموية وتقدم نواب الخدمات.

وتلعب الأحزاب السياسية دورا مهمًا في تطوير التجربة السياسية في البلدان الديمقراطية، وتساهم في صهر الانتماءات العرقية والمذهبية والفئوية في قالب عمل وطني واحد، فبدلا من الانتماء إلى القبيلة والتعصب للطائفة، يلتقي أبناء عدة قبائل وعدة طوائف تحت فكرة سياسية ووطنية.

ثانيا، حدود العمل السياسي: عدا مؤسسة الحكم، تكاد تنصرف كافة صور الممارسة السياسية في الكويت إلى العمل داخل وحول أسوار البرلمان، في ظل تهميش تام لدور بقية المؤسسات والهيئات الاجتماعية في البلد، وإذا عرفنا أن التطور السياسي في أيّ مجتمع إنما هو نتيجة صيرورة اجتماعية تاريخية، فإننا ندرك حينها أن مساعي حصر عمل الأفراد السياسي في البرلمان لا يصنع تطورا ولا نموا في التجربة السياسية.

نلاحظ على سبيل المثال أن الهيئات والأنشطة والفعاليات تكاد تنحصر في انتخابات الجمعيات التعاونية، واتحادات الطلبة وبعض النقابات. وكلها تصب في حدود خدمة انتخابات مجلس الأمة، ولا شخصية اعتبارية لها مطلقا.

ثالثا، فساد المؤسسة السياسية: وعليه فإن بقاء النشاط السياسي حول أسوار البرلمان، من شأنه أن يحول المقعد النيابي من كونه بوابة للإصلاح والتغيير إلى اعتباره مدخلا للثراء السريع والوجاهة الاجتماعية، وهو ما ينتهي إلى:

•  نشوب صراعات عنيفة غائية وطاردة ضد المنافسين، سواء مناهج أو تيارات أو أفكار أو وجوه جديدة.

• انعدام فرص العمل السياسي التنموي، وركود الفكر السياسي.

• تضخم حجم الثراء والفساد الذي يوفره غطاء المقعد النيابي وامتيازات الحصانة.

• تكريس العلاقات القائمة على المصالح والمنافع على حساب تهميش دور البرلمان، وتحول دوره الرقابي والتشريعي إلى تبعية للسلطة التنفيذية.

وقد أشارت بعض التقارير الصحافية إلى شبهات مالية، وتضخُّم حسابات، وشبهة غسل أموال تورط بها عدد من أعضاء مجلس الأمة خلال السنوات الأخيرة، حيث دأبت الحكومة الكويتية على تقديم تسهيلات لأعضاء البرلمان شملت تعيينات في مناصب قيادية أو تمرير خدمات أو إرسال طلبات علاج في الخارج للنواب أو للمقربين منهم.

وأصبح حديث الناس يدور حول “ضربة الحظ” التي تمكن تيارا أو قبيلة أو جماعة أو عائلة من الفوز في عضوية البرلمان، لأن ذلك مرتبط بشكل مباشر باتساع فرص الثراء الفاحش، وامتلاك العقارات، والمشاركة في المناقصات الحكومية، حتى لم يعد غريبا أن يتم تعيين أقارب النواب من الدرجة الأولى والثانية في مناصب عليا في الدولة، أو تسافر عوائل نواب بأكملها على حساب الدولة، أو توزع كوبونات البنزين على أبناء وأشقاء وزوجات النواب، والتعامل مع أموال الدولة على أنها “أموال مستباحة”.

وإذا اتفقنا على ارتباط الإصلاح بكفاءة النظام السياسي، وأن الإصلاح يجـب أن يكون ذاتيا ولـيس موضوعيا، فإن صيانة التجربة البرلمانية، وتنقيتها من الشوائب، يعتبر أحد أهم دعائم التطوير في التجربة السياسية، إذ لا يمكن أن يراقب مجلس فاسد فساد الحكومة، ولا يصح أن يكون المشرع جزءا من مكينة الفساد.

تحرير المجلس من هيمنة مؤسسة الفساد، يتطلب تعدد جهات العمل السياسي المؤثرة، وإعادة الاعتبار للهيئات والمؤسسات الوطنية كفاعل وشريك في الشأن العام، وهو الإجراء الذي من شأنه أن يعيد البرلمان إلى حجمه الطبيعي كمؤسسة تشريعية تابعة للقوى الوطنية لا كشركة استثمارية تتبع الغرفة التجارية.