أحمد شهاب يكتب:
إعادة التوازن: إحياء السياسة خارج أروقة البرلمان الكويتي
يواجه النظام السياسي في العديد من الدول ومن ضمنها الكويت مشكلة أساسية تتمثل في تركيز النشاط السياسي بشكل مبالغ فيه داخل أروقة البرلمان، مع تجاهل وتهميش الفعاليات السياسية خارجه.
وقد طرحت أبعاد هذه المشكلة في أكثر من مناسبة مع شخصيات سياسية وناشطة في المجال العام، لكنني لاحظت أن استيعاب تأثيرها السلبي على الحياة السياسية، ودورها في رعاية الفساد وتكريس التخلف، لا يزال بعيدا عن أذهانهم.
ولذا، أحاول في هذا المقال تلخيص أبعاد الفكرة، إذ لا يمكن بأي حال التراجع عن وجود وبقاء المؤسسة البرلمانية، فهي صمام الاستقرار السياسي في البلاد، لكن من الضرورة بمكان أيضا إيجاد بيئة سياسية فاعلة يكون البرلمان أحد مخرجاتها وليس مهيمنا عليها.
يبدو ضروريا إحياء السياسة خارج أروقة البرلمان، من أجل إعادة الاعتبار للمجتمع، وحفاظا على المؤسسة التشريعية وحمايتها من الفساد
والأصل أن البرلمان يمثل إرادة الناخبين، فإذا كان الناخبون على درجة عالية من الوعي والنشاط والصلاح، فإن مخرجاته ستكون أكثر جودة، لكن تبدأ المشكلة حين ينتقل البرلمان من تمثيل الناخبين إلى مصادرة دورهم السياسي وتهميشه.
ما حدث في السنوات الأخيرة، أن البرلمان في الكويت على سبيل المثال وبفعل إرادات سلطوية وفاسدة متضامنة أخذ بالتمدد على كل مساحات المجتمع، وصادر كل الأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بحيث لا تكاد تجد حياة أو نشاطا سياسيا إلا داخل البرلمان أو على ظلاله.
يُتيح مقعد البرلمان لصاحبه فرصة ذهبية لامتلاك مفاتيح التأثير على السياسات والأنظمة، بدءا من إدارة المشاريع والمناقصات الحكومية، مرورا بتسهيل الإجراءات الإدارية، وصولا إلى تعيين القياديين وتخليص المعاملات وتوقيع العقود وكسر القوانين وترخيص دور العبادة ومنع أو تسهيل دخول الوافدين.
وقد انتهى تركيز القوة والنفوذ السياسي في أيدي النواب إلى تهميش العمل السياسي خارجه، وأصبح سعي جميع القوى الاجتماعية والمدنية هو الوصول إلى المجلس كونه “فانوس علاء الدين” السحري القادر على تحقيق الإنجازات، وإنجاح الأنشطة.
ويؤدي تركيز النشاط السياسي داخل البرلمان إلى العديد من المخاطر، تشمل من بينها:
ما حدث في السنوات الأخيرة، أن البرلمان في الكويت على سبيل المثال وبفعل إرادات سلطوية وفاسدة متضامنة أخذ بالتمدد على كل مساحات المجتمع
• تضخيم مكانة أعضاء المجلس: يصبح الوصول إلى عضوية المجلس غاية بحد ذاته، ممّا يشجع البعض على السعي وراء المنصب بطرق غير مشروعة.
• تسخير كل الإمكانات للسيطرة على المجلس: تستخدم مختلف الوسائل، من رشاوى وصفقات مشبوهة، لضمان ولاء أعضاء المجلس وتحقيق مصالح خاصة.
• تهميش الفعاليات السياسية: قد يتم تهميش الفعاليات السياسية والمجتمعية الأخرى، مثل الأنشطة المدنية والبرامج التوعوية، لصالح العمل داخل المجلس.
• إهمال القضايا الجوهرية: تُهمل القضايا المجتمعية الهامة، مثل الفقر والبطالة والتعليم، لصالح التركيز على المناكفات السياسية والصراعات على السلطة.
لذلك، يبدو ضروريا إحياء السياسة خارج أروقة البرلمان، من أجل إعادة الاعتبار للمجتمع، وحفاظا على المؤسسة التشريعية وحمايتها من الفساد. ويتم ذلك من خلال تشجيع المشاركة السياسية خارج البرلمان وتشجيع المبادرات المجتمعية، ودعم المنظمات المدنية.