أحمد شهاب يكتب:

التوجهات الخطابية الأميركية: قراءة في موقف واشنطن من القضية الفلسطينية

الصيغة الخطابية التي تتبناها الإدارة الأميركية، والتي تصف فيها حرب الابادة الشاملة ضد الفلسطينيين بعبارات باردة مثل "لقد قُتل عدد كبير للغاية من المدنيين الفلسطينيين"، تستحق تحليلاً دقيقاً.

هذه الصيغة، التي بدأت مع وزير الخارجية انتوني بلينكن في 2023، واستمرت على لسان الرئيس جو بايدن خلال 2024، تحمل في طياتها دلالات سياسية عميقة، وتثير تساؤلات جدية حول التورط الأميركي المتعمد لتبرير الانتهاكات الإسرائيلية وديمومتها.

إذا أردنا تحليل هذه الصيغة الخطابية ودلالاتها السياسية، فسنجد:

1- التعاطف الظاهري: في ظاهر الأمر، تبدو هذه الصيغة وكأنها تعبر عن تعاطف أميركي مع معاناة المدنيين الفلسطينيين. إلا أن هذا التعاطف يبقى سطحياً، فهي تشير ضمناً إلى وجود حد أدنى مقبول لعدد الضحايا.

2- النسبية الأخلاقية: تقوم الادارة الاميركية بتقسيم القتل إلى درجات، وكأن هناك عدداً مقبولاً من القتلى المدنيين. هذا الأمر ينطوي على نسبية أخلاقية خطيرة، ويقلل من شأن قيمة حياة الإنسان الفلسطيني، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي، الذي يحظر قتل المدنيين ويعتبره جريمة حرب.

3- التبرئة الضمنية: هذه الصيغة تبرئ إسرائيل، بشكل غير مباشر، من المسؤولية الكاملة عن جرائمها. فبدلاً من إدانة إسرائيل بشكل صريح، يتم التركيز على عدد الضحايا، وكأن العنف هو أمر حتمي لا يمكن تجنبه.

4- تشجيع العنف الإسرائيلي: تؤدي هذه الصيغة إلى تشجيع إسرائيل على مواصلة انتهاكاتها ضد الفلسطينيين، لأنها تعلم أن الإدارة الأميركية لن تتخذ أي إجراءات جدية لوقف هذه الانتهاكات، ويمكن التفاوض معها على تقليل اعداد القتلى.

5- التهرب من المسؤولية: من خلال استخدام هذه الصيغة الباردة، تتجنب الإدارة الأميركية تحمل مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية عن دعمها المطلق لإسرائيل، وتتحول إلى دور المتفرج الذي يعبر عن أسفه لسقوط هذا العدد من الضحايا.

6- تجنب الادانة الصريحة: من خلال استخدام هذه الصيغة، تتجنب الإدارة الأميركية توجيه إدانة صريحة لإسرائيل، وتلتزم بصياغة عامة دون تحديد المسؤولية المباشرة عن هذه الخسائر. هذا النهج يخدم مصالح الولايات المتحدة في الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع إسرائيل.

7- الضغط على الفلسطينيين: يمكن تفسير هذه الصيغة على أنها نوع من الضغط على الفلسطينيين للقبول بالحد الادنى مقابل تخفيض عدد الضحايا المدنيين. بدلا عن الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان وحرب الابادة.

8- تضليل الرأي العام: تسعى الإدارة الأميركية إلى تضليل الرأي العام العالمي، وتقديم صورة مشوهة عن القضية الفلسطينية. فبدلاً من التركيز على الجرائم الإسرائيلية المستمرة، تحاول توجيه الانتباه إلى "العدد الكبير" من القتلى، وكأن كل الاطراف بما فيها الفلسطينيين مسؤولين عن ذلك.

9- استهداف الرأي العام العربي: هذه الصيغة موجهة بشكل أساسي إلى الرأي العام العربي والإسلامي، حيث تسعى إلى إظهار اهتمام الولايات المتحدة بمعاناة الفلسطينيين، ولكن دون اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف العدوان العسكري الإسرائيلي.

ان الصيغة الخطابية التي تتبناها الإدارة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية هي أكثر من مجرد عبارة، بل هي تعبير عن استراتيجية أميركية عميقة الجذور، تقوم على دعم إسرائيل بشكل غير مشروط، وتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني. هذه الصيغة لا تقدم أي حلول حقيقية للقضية الفلسطينية، بل تساهم في ترسيخ الوضع القائم، وتعزيز جرائم الاحتلال.