د. جمال سند السويدي يكتب:

تمكين المرأة في الإمارات.. حلقات متصلة ومنهج واحد

أبوظبي

في 28 أغسطس من كل عام تشهد دولة الإمارات احتفالاً بيوم المرأة الإماراتية، وهو احتفال مستحق بفضل الإنجازات والقفزات الهائلة التي شهدتها الدولة، على صعيد تطوير المرأة الإماراتية وتمكينها، خلال مسيرة طويلة تجاوزت بقليل خمسة عقود من الزمن، وجعلت الإماراتيين يباهون بها دول العالم كله.
ويوصف تمكين المرأة في الإمارات بأنه "إنجاز أشبه بالإعجاز"، حيث بدأه ورسم خطوطه العريضة وحدد منهجيته الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، واستكمله الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، ويواصل هذه المسيرة بخطوات أكبر ومبادرات أشمل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، جنباً إلى جنب مع إخوانه أصحاب السمو حكام الإمارات، ويستكمله وفقاً لقواعد وأسس منهج الأب المؤسس الذي طالما أكد على أصالة المرأة الإماراتية وقيمها العربية الأصيلة، وهذا ما يدركه الباحث المتعمق في أقوال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الكثيرة عن المرأة، ومنها قوله: "إنني على يقين بأن المرأة في دولتنا الناهضة تدرك أهمية المحافظة على عاداتنا الأصيلة المستمدة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف فهي أساس تقدم الأسرة، والأسرة هي أساس تقدم المجتمع كله".
وكانت الإنجازات الإماراتية في مجال تمكين المرأة مثار حديث الدوائر الرسمية والشعبية المهتمة بهذا الشأن في العالم كله، لأنها توحي للجميع بأن كل حكام دولة الإمارات العربية المتحدة يناصرون المرأة الإماراتية ويعتزون بها، وتقيم الإمارات ندوات وحوارات ونقاشات كثيرة داخل الدولة وخارجها للفت أنظار العالم إلى أهمية ملف التمكين ومميزات التجربة الإماراتية في هذا المجال.
منهج ثابت لحكام الإمارات
ويؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مراراً وتكراراً، أن تقدير المرأة منهج ثابت لحكام الإمارات، وقد تجسد ذلك في اختيار سيدتين في أول تعديل وزاري بالإمارات بعد تولي سموه مقاليد الحكم، وهما، معالي سارة الأميري وزيرة دولة للتعليم العام والتكنولوجيا المتقدمة ورئيسة لمجلس إدارة مؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي، ومعالي سارة المسلّم وزيرة دولة للتعليم المبكر، وهذه الخطوة من قبل القيادة الرشيدة تتماهى تماماً مع مقولة سموه الشهيرة، إن "تمكين المرأة أولوية أساسية في رؤية التنمية الإماراتية"، وهذا التماهي يؤكد للعالم كله أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله "قائد أقوال وأفعال"، فيما يتعلق بتقدير المرأة الإماراتية وتمكينها على مختلف المستويات.
ويأتي هذا التمكين السياسي للمرأة في إطار مدرسة زايد في القيادة والحكم، التي تعلي من شأن المرأة وتعتبرها شريكاً أساسياً في التنمية، وهي المدرسة التي رفعت من شأن المرأة الإماراتية في دولة الإمارات وفي دول العالم كله، حيث يشار لها بالبنان في كل مكان، لكفاءتها وثقافتها وجدارتها الإنسانية والأخلاقية والعلمية والمهنية، وهي الصفات التي دفعت بالمغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، إلى اتخاذ قرار برفع نسبة تمثيل المرأة في المجلس الوطني الاتحادي إلى 50%، في بادرة أذهلت العالم الغربي ولاقت ترحيباً وإعجاباً كبيرين في عواصم العالم، وذلك لدلالتها الكبيرة على التمكين السياسي الجوهري، وليس الشكلي، للمرأة الإماراتية.
وتعد سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية "أم الإمارات"، أهم القيادات النسائية في مجال تمكين المرأة، وذلك بحكم مسيرتها الطويلة والمستمرة لتوفير البيئة الداعمة للمرأة الإماراتية وتمكينها، ومن حسن حظ المرأة الإماراتية أنها وجدت نماذج نسائية في داخل الإمارات أخذت بيدها وبذلت جهوداً مضنية أسهمت إلى حد كبير في تمكينها اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً، وقدمت للعالم كله نموذجاً نسائياً يمكن أن يُقتدى به في العمل من أجل النهوض بالمرأة في كل بقاع القرية الكونية.
دور كبير للشيخة فاطمة
وتلعب سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، وبشهادة الجميع، دوراً كبيراً في تمكين المرأة الإماراتية، فهي صاحبة مبادرات عديدة ومهمة في هذا الشأن، كالاستراتيجية الوطنية لدعم الخطط المستقبلية لتمكين المرأة، والتي تعزز من قيمة المرأة ودورها كشريك أساسي في مشروعات التنمية المستدامة وعوائد هذه المشروعات، ولسمو الشيخة فاطمة مبادرة أصبحت لها صبغة عالمية، بسبب أهميتها، وهي "مبادرة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة في السلام والأمن"، والتي تم إطلاقها على برنامج هيئة الأمم المتحدة للمرأة لتدريب النساء على العمل في القطاع العسكري وقطاعي الأمن والسلام، وما يميز سمو الشيخة فاطمة أنها تهتم بالمرأة المقيمة إلى جانب اهتمامها بالمرأة المواطنة في دولة الإمارات العربية المتحدة، مع التأكيد هنا، أن ذلك السلوك الرشيد في العمل العام، يعتبر سمة مشتركة يتميز بها حكام الإمارات، رجالاً ونساء، حيث اكتسبها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، ويهتدي بها حالياً سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في قيادته وإدارته لشؤون الدولة.
وتبذل المرأة الإماراتية جهداً كبيراً في تعزيز التقدم في المجتمع، من خلال أدوارها كأم، ومدرسة، فهي تهب الأمان وحب الوطن لأبنائها بتربيتهم بطريقة سليمة وأخلاقية، وتبني مستقبل الوطن بالعلم والثقافة من خلال عملها كمدرسة، وكذلك الحال في كل المهن الأخرى، فهي تثبت دائماً وفي كل المجالات أنها على قدر المسؤولية وقادرة على صنع المعجزات متى توافرت لها الفرص المواتية، ولهذا تستحق هذا اليوم لتكريمها، وأنا أتقدم لها بأسمى التهاني بمناسبة هذا التكريم.
إيمان القيادة بدور المرأة
ويؤكد الاحتفال بيوم المرأة الإماراتية إيمان القيادة الرشيدة، وعلى رأسها سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بأهمية المرأة ودورها الرائد والفاعل في مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة التي تشهدها الدولة، حيث يستذكر الجميع، في يوم تكريمها وبكل فخر واعتزاز الأدوار الرائدة التي قام بها حكام الإمارات للنهوض بالمرأة وتمكينها، وكذلك الأدوار المهمة التي قامت بها المرأة الإماراتية عندما وجدت الفرصة متاحة أمامها لتطوير نفسها لتكون شريكاً أساسيا في التنمية، ولتكون الأفضل إقليمياً وعالمياً، كما يريد لها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أن تكون.
ويرجع تقدير المرأة من جانب حكام الإمارات، في الأساس، إلى الفهم الروحي العميق للإسلام وفطرته النقية، وهي سمة تنويرية تحلى بها الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، واكتسبها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصار هذا الفهم الروحي دستوراً ضابطاً لنظرة معظم الإماراتيين للمرأة، بحكم تأثر الشعوب تلقائياً بحكامهم المتسمين بصفة الكاريزما السياسية، ولا أبالغ هنا، إذا ما قلت إن هذا الفهم الروحي هو الذي حمى الإماراتيين، وكثيرين في العالم، من مخططات طيور الظلام، كـ"الإخوان" و"الدواعش".
تحول إيجابي
وتوضح الإحصاءات الموثقة مدى التحول الإيجابي الذي طرأ على حال المرأة الإماراتية بفضل السياسات والمبادرات الداعمة لها، من قبل القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أصبحت المرأة الإماراتية شاعرة وأديبة وروائية، وصارت سفيرة وقنصلاً في السلك الدبلوماسي والقنصلي، ووصل عدد الرخص لرائدات الأعمال في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة من عام 2018 إلى أغسطس عام 2022 إلى نحو 44 ألف رخصة تجارية، وبلغت نسبة رائدات الأعمال الإماراتيات منها 58%، إضافة إلى نمو عدد الرخص المملوكة لرائدات الأعمال الإماراتيات بنسبة 132% خلال عام 2021. فيما تركزت أعمالهن في قطاعات الضيافة والخدمات والعقارات والإنشاءات والأزياء والفضاء.
وإضافة لما سبق، عززت المرأة الإماراتية خلال الفترة الماضية حضورها الدولي والإقليمي في المجالات كافة، وبفضل جهود تمكين المرأة أصبحت الإمارات اليوم تتصدر قائمة "فوربس" العالمية لأقوى 50 سيدة أعمال بمنطقة الشرق الأوسط في عام 2022، بعدد 7 سيدات أعمال إماراتيات، كما حلت الإمارات في المرتبة الأولى عربياً في تقرير المرأة وأنشطة الأعمال والقانون لعام 2022 الصادر عن البنك الدولي، كما تحتل المرتبة الـ 18 عالمياً والأولى عربياً وشرق أوسطياً، وفقاً لمؤشر المساواة بين الجنسين، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2020، وتتطلع دولة الإمارات إلى دخول قائمة العشرة الكبار عالمياً مستقبلاً، وذلك بعد أن دخلت في قائمة أفضل 25 دولة في العالم من حيث المساواة بين الجنسين في 2021.
ويثق جميع الإماراتيين في أن المرأة الإماراتية ستكون دائماً في وضع أفضل، وذلك بفضل السياسات والمبادرات التي تُطرح وتُنفذ بتوجيهات سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، فسموه لا يألو جهداً من أجل تحسين وضع المرأة الإماراتية وجعلها الأفضل والأرقى إنسانياً وأخلاقياً على مستوى العالم، ولأنني أدرك معالم مدرسة سموه الرشيدة في الحكم، فإني متفائل جداً بالمستقبل وأشعر بارتياح شديد بشأن مستقبل المرأة الإماراتية لأن سموه يضع مطالبها وتطلعاتها وطموحاتها في أعلى مرتبة في سلم أولوياته، ويجعلها شريكاً أساسياً في الفعاليات والنقاشات الرامية إلى تصميم إمارات المستقبل للأجيال القادمة، والتي تُمهد لتنفيذ خطة مشروع الخمسين عاماً القادمة، وتهدف إلى أن تكون دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر ازدهاراً في العالم، وهذا الهدف النبيل لا يمكن تحقيقه بالشكل المنشود إلا بإسهامات المرأة الإماراتية ومشاركتها الفاعلة في تنفيذه، وذلك بعد أن أثبتت جدارتها في العمل العام، وهي المكانة المستحقة التي تجعل كل الإماراتيين يحتفلون بها في هذا اليوم العظيم.