حسن مطر يكتب:
النظام العربي والتحوّلات الدولية والإقليمية
لا أخفي عن نفسي أني أستحسن الكتابة عن أمور وطني وأمتي العربية، أعزّ الأمم وأشرفها وأعلاها مجدا، يكفيها دليلا أن الله سبحانه وتعالى اختارها من بين أمم الأرض وشعوبها لتكون لوحدها دون شريك لها، الأرض المباركة، أرض نزول الرسالات السماوية الخالدة، ومكان ولادة الأنبياء جميعا ونزول الوحي بكل كتب الله المقدّسة: التوراة والانجيل والقرآن، والأمكنة المقدسة بالقدس الشريف ومكة المكرمة حيث أول بيت وضع للناس مقصد الحج والحجيج دون سواه والكعبة المشرّفة ومقام إبراهيم عليه السلام، والمدينة المنورة التي أضاءها الله تعالى بنور أعظم انبيائه محمد النبي العربي وبرسالته الإسلام الحنيف.
ولا أخفي أيضا أنني أكتب هذه المقالة ويدي ترتجف خشية من واقع الحال المزري والمتهالك لدولنا العربية ومعاناة شعوبها ومواطنيها.
ليست هذه دعوة للفخر والافتخار وهو حق، ولا لليأس والاحباط والبكاء على الأطلال، لأن هذا الظن الذي يذهب إليه البعض هو الأسوأ في تفسير الأمور، أنها دعوة للتنبيه والتحذير وطلبا للتغيير: إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم. فالأمراض هي في النفوس لا في النصوص، والواضح عربيا أن أحدا لا يقبل أن يتزحزح عن عرشه وموقعه بوصة واحدة أو يعترف بفشله بقيادة الأوطان وإفساح المجال لآخرين من ذوي القدرة والكفاءة العالية والنجاح ضنّا بمصالح البلاد العليا والمواطنين الكرام.
ان هذا الواقع العربي المأساوي لا يأتي بمولود جديد، فالعبيد/ عبدة السلطة والمال والجاه/ لا يقدرون إلا على حمل الأحجار بينما الأحرار هم الذين يحلّقون في أفاق السماء، بعقولهم وإراداتهم المستقلة إلا عن شعوبهم، وإدارتهم الكفوءة للبلاد والعباد. فالواقع العربي بأغلبية دوله في مهب الريح وقد تقوى سرعة الريح فتصبح عواصف تقتلع كل ما تمرّ عليه وتحدث الخراب والدمار في الأرواح والماديات والثروات وتصبح هباء منثورا وعندها لا تفيد ساعة ندم ولا الدراسة والتحليل وفرك الأكفّ وعض الشفاه والترحّم على الأموات وأخذ العِبَر، خلاصة العِبَر أنكم جلستم على كرسي المسؤوليات وأثبتكم انكم عاجزون تحسنون صنع الخراب والتدمير بأوطانكم وشعوبكم بعد أن جرى اعمارها وإنمائها بقيادات وازنة والآن تستصرخون العالم، العدو قبل الصديق لإعادة البناء والإعمار، تطلبون القروض المالية من الهيئات الدولية وأنتم تكنزون الذهب والفضة بداخل البلاد وخارجها ولا تنفقونها في سبيل إعادة ترميم وبناء ما ساهمتم في تدميره، وشعوبكم حولتموها إلى فرق ونحل متصارعة، متقاتلة، طائفية ومذهبية وعرقية وعنصرية وتحاولون صهرها وتذويبها في أمة أخرى أو شعب آخر وتغيّرون هويتها وانتماءاتها ألا ساء ما تفعلون وما تزرعون بالأجيال الطالعة من الكراهية والحقد وادعاءاتكم الفارغة بالفهم. وباتت صراعاتكم من أجل السلطة والمال والجاه والتبعية لقوى الخارج لسيطرتها على البلاد والعباد.
وكان لي هذا الأسبوع شرف المشاركة في الحوار الاسبوعي لدى "مركز الحوار العربي" بواشنطن الذي يقوده الأخ صبحي غندور الخادم الأمين لوطنه وأمته العربية منذ 28 عاما . وكان موضوع الحوار: (هل العالم والمنطقة العربية عشية تسويات لأزمات أم تصعيد في الجبهات). ورغم أن المتحاورين أساتذة كبار منهم د. حسن نافعة وأ. معن بشور والسيد سعيد عريقات وآخرين قادة فكر واستراتيجيا وممن نتعلّم منهم، فأدليت بما يلي: أن العالم، كبيره وصغيره، يعيش تحولات دولية واقليمية، ولعبة الأمم بمدلولاتها الجديدة عن القوي والسلطوي والمهيمن، وحيث منهم من يريد إحياء امبراطوريات تجاوزها الزمن، وسواء كانت هذه التحولات ذاهبة نحو التصعيد أو التسويات فالسؤال المشروع أين النظام العربي الحالي ودوله منها حروبا كانت أم تسويات؟!
سابقا كان العالم منقسم إلى معسكرين: أميركا والحلفاء لها والاتحاد الروسي وحلفاؤه، وكانت حصة العرب نكبة سايكس بيكو التقسيمية ووعد بلفور المشؤوم بصناعة الكيان الصهيوني في قلب بلاد العرب ليحول دون وحدتها ودون استقلالها وتلى ذلك قيام الاتحاد السوفياتي، وتمكن القائد العربي الكبير جمال عبد الناصر مع قادة كبار مثل نهرو وتيتو ، أن يتجاوزوا المعسكرين الغربي والشرقي إلى كتلة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز إلا لحق الشعوب في حريتها ونيل استقلالها.
والآن وفي العام 2022 وما بعده ماذا سيجني العرب بواقعهم الحالي ومن انقسام العالم إلى معسكرين جديدين. أميركا وأوروبا والحلفاء التقليديون مقابل الصين وروسيا وحلفاء آخرون، وما سوف يقوم فيما بينهم من حروب أو تسويات وما سيطال النظام العربي ودوله من كل ذلك مع غياب رؤية عربية واضحة المعالم وغياب تضامن عربي بأدنى مستوياته وحروب أهلية وصراعات طائفية ومذهبية وعنصرية وفوضى هدّامة وهجرات أهلية وشعبية من أوطانها إلى بلدان أجنبية أخرى، بعضها في زوارق الموت، ومحاولات متواصلة لتصفية القضية الفلسطينية التي هي مركز الصراع العربي الوجودي، ثمّ مصير القواعد العسكرية المتعددة الجنسيات لقوى معادية وأخرى صديقة.
وما يشهده العراق وعاصمة الرشيد بغداد لا يختلف عنه ما يجري في لبنان وعاصمته بيروت وما يجري في السودان وعاصمته الخرطوم وبليبيا وطرابلس الغرب وما هو قائم من حرب قاتلة في اليمن السعيد ماضيا والبائس والمتهالك حاليا، أوليس من مبادرات عربية تعمل لإيجاد الحلول الناجعة التي تحفظ الأوطان ومواطنيها وانقاذها من المجاعة والفقر والبطالة وهجرة الأوطان المتصاعدة من شبابها ومن الأجيال الجديدة.
فإلى متى هذه الاستباحات بالأمة العربية ومواطنيها، ونرجو الله تعالى أن لا نمرّ بالذي واجهه العرب بالاندلس بعد فتح دام ثمانمائة عام فاعتبروا يا أولي الأبصار واتعظوا...
وحتى لا نظلم أنفسنا وأنظمتنا فإن دولا عربية في مقدمتها مصر الناصرية وأخرى كالعراق وسوريا كانت دولا ذات حضور قوي وفاعل ومؤثر في المجموعات العالمية. لكن الآن قد غاب هذا الحضور وتراها على هامش الأحداث، منها ما يحسب على محور معين ومنها من هو في اتجاه أخر. وهذا ما هو قائم أيضا بين منظمات المقاومة داخل فلسطين, فأغلب دولنا غائبة عن الأحداث أو منكمشة أو تخوض حروبا وصراعات مع مواطنيها وتراها عاجزة عن إيجاد حلول ناجعة لصراعاتها وعاجزة عن إعادة المهجرين من أوطانهم وهم بالملايين فأي مصير هذا الذي نرى فيه دول العالم تتقدم، الضعيف والفقير الآسيوي فيه يقوى ويغنى بينما نرى دولنا تتراجع..
أعان الله دولنا وحمى الجزائر دولة المليون شهيد المؤهلة حاليا لجمع الشتات العربي نحو تضامن عربي، ولو في الحد الأدنى من اجل حماية الوجود.