مالك العثامنة يكتب:
التسامح.. صفة إنسانية وليس تفوقاً دينياً
يقول الفيلسوف الألماني أرتور شوبنهاور: «إنه في التاريخ فقط تتمكن الأمم من وعي ذاتها وعياً تاماً». في التاريخ العربي مثلاً، فإن عبدالرحمن بن ملجم، وهو قاتل الإمام علي بن أبي طالب، طعنه وهو يصرخ: «إن الحكم لله.. إن الحكم لله!»، وتبين في تحقيقات ما بعد عملية الاغتيال واعترافات ابن ملجم أنه سن خنجره ونقعه في السم ثلاثين يوما لينفذ ما يراه «بكل تعصب أعمى» حكم الله!
ذلك يعني أن التعصب المأفون موجود منذ العصر الأول في التاريخ الإسلامي، وهؤلاء متعصبون للموت والدم، قتلة علي وقبله عثمان، حالة مبكرة ومتكررة بصور متعددة.
إن قراءتنا للتسامح الديني يجب أن يحل محلها التسامح الإنساني، فلو كانت لعبدالرحمن بن ملجم قناة فضائية تروج له كبطل لانتهينا معهم وبهم إلى تكفير الجميع بلا استثناء.. (بعض الفضائيات الإخوانية تعيد خطاب ابن ملجم بلغة عصرية ملونة فائقة الجودة وبتقنية ثلاثية الأبعاد).
هؤلاء «الحشاشون» لعنة تاريخية تلاحقنا منذ مقتل عثمان بن عفان، مروراً بوضوء «علي» بدمه المسفوح على نداء التعصب، وليس انتهاء بجبهات أهل الكهوف واللحى المخضبة بالدم والمقذوفين من القرن السابع.. قذائف لهب ودمار في قلب زماننا والمسلحين بالخديعة والتضليل وحفنة كاميرات تصوير!
مشكلتي في مصطلح «التسامح الديني» الذي يعطي إيحاءً مبهما بالتفوق وتنازل المتعالي للآخرين، وبرأيي فإن منطق المفاهيم والعقائد قائم على الإنسانية أساساً، وعليه فإن الأجدى أن نبحث فينا وبداخلنا عن الإنسان المتسامح لا «الدين» المتسامح.
إن قراءتنا للتسامح الديني يجب أن يحل محلها التسامح الإنساني، ويجب في تسامحنا المفترض كبشر أن نتخلى عن ذهنية التفوق، التي تقود إلى التعصب الأعمى، إذ حتى التسامح يصبح مشوهاً إن كان مشوباً بعقدة وهم التفوق في الاختيار الإلهي المقدس، وتحميل هذا العبد لله المسكين البائس كل أثقال التاريخ المرسوم رسماً على قياس نخبة رجال الدين وسدنة المعابد.
ما يحتاجه العالم العربي هو حركة إصلاح في الوعي تبدأ من المواطن العربي نفسه.. إصلاح في الوعي يتطلب لحظة مواجهة حقيقية مع الذات، وقبولاً للآخر، ومراجعة لبعض الموروث الثقافي المهترئ، وإعادة قراءة حقيقية مدججة بالفهم لكل ما تمت محاكمته جوراً في التاريخ، واعتبار كل ما سلف تراثاً لا أكثر ولا أقل.
إن كل تمويل العالم الغربي ومنظماته وكل جيوشه لا تستطيع أن تغير واقع العالم العربي، لكن العربي نفسه هو القادر الوحيد على صنع التغيير في واقعه، والخروج من دائرة الطباشير المرسومة بيديه حوله، وإنهاء حالة الفصام التي يعيشها فيشتاق ليوتوبيا العصر الرسولي الأول (كما تم رسمه واختلاقه في كتب التاريخ التي يجترها)، ثم يسعى طوال حياته للحصول على فيزا ليكمل معيشته في جنات «بلاد الكفر والفسق»، حسب قياساته النسبية الواهمة! حسناً، فلنكن جريئين مرة واحدة ونعترف أن الإصلاح الديني في العالم العربي يبدأ بالفرد نفسه.