أحمد شهاب يكتب:
الشعارات الانتخابية في الكويت تهيمن على الأداء السياسي
يبدو أن اختيار أحد المرشحين والإدلاء بالصوت في الانتخابات البرلمانية القادمة في الكويت لم يعودا بالأمر اليسير، خاصة لمن ينشد الإصلاح ويستهدف التغيير، ويبحث عن ممارسة تشريعية تؤدي الدور المنوط بها كما قررها الدستور.
تتناول الأطروحات الانتخابية هذه السنة جملة من القضايا التي سبق أن تم التبشير بها في الدورات الانتخابية السابقة، ومن أهمها القضايا المتعلقة بالفساد، والتوظيف والصحة والتربية، إضافة إلى جملة من المطالبات المتعلقة بإسقاط القروض، وحل المشكلة الإسكانية، وضبط الأسعار وغيرها.
ويتفق أغلب المرشحين على أهمية اختيار الوزراء من الكفاءات الوطنية، والخروج من دائرة المحاصصة الطائفية والقبلية التي خلفت حكومات غير منتجة عصف بها الفشل والتخبط، وثمة بعض من يدعو إلى تعديل النظام الانتخابي في ما يتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية، وذلك من خلال جعل الكويت دائرة انتخابية واحدة.
لو استعرضنا أهم الأسباب التي تقف خلف إخفاق الناخبين في اختيار المرشح الأفضل لتمثيلهم في البرلمان، فيمكن حصرها بالتالي:
السبب الأول، بيع الوهم: أصبح بيع الوهم من تقاليد العمل السياسي أثناء فترة الانتخابات الكويتية، حيث يقدم المرشح سيلا من المطالبات والوعود والإنجازات بغرض تحقيقها حال الوصول إلى المقعد البرلماني، لكن الحكومة تعرف أنه كاذب، والناخب يعرف أنه كاذب، والمرشح يعرف أنه كذلك. لكن تقاليد المنافسة واقتناص الصوت في السباق الانتخابي يبرران خداع الجماهير والالتفاف على الوعود، يتسبب ذلك تاليا في تردد الناخبين في تصديق الوعود المعلنة أثناء فترة الترشح، والخلط بين المرشح الصادق وغيره.
السبب الثاني هو رفع السقف: طالما أن المرشح مطالب بتقديم حزمة من الوعود والكلام المجرد عن الأداء السياسي، فمن الطبيعي أن تنتشر المفاهيم المخادعة، ومن أبرزها مصطلح “رفع السقف” أثناء فترة الانتخابات، ويعني أن المرشح من حقه أن يتجاوز أغلب الخطوط الحمراء في الهجوم على الحكومة والنيل منها، والظهور كمعارض سياسي، لكنه بعد الفوز يتحول إلى نائب حكومي، ويعقد صفقات سياسية معها، ولذلك فإن الحكومة لا تتحسس عادة من هذه الخطابات ذات السقف المرتفع لأنها تعلم أن الغالبية ستخفض من صوتها بعد الفوز، وتدخل تحت جناحها.
السبب الثالث يتعلق بالاستغفال الديني: يقدم بعض المرشحين خطابات دينية ومنبرية بدلا من الخطابات السياسية والتنموية، في محاولة لكسب عواطف الناخبين والسيطرة على عقولهم، لاسيما وأن النساء يمثلن كتلة انتخابية كبيرة ومؤثرة، يتحدث خلالها المرشح عن بناء المساجد ومحاربة البدع والدفاع عن الدين، لكنه ينشغل بعد الفوز بجمع الأموال وشراء الأراضي والاستثمار في المناقصات الحكومية.
كما حدث في القضية المشهورة باسم الإيداعات المليونية عام 2011، والتي بلغت قيمتها حوالي 51 مليون دينار كويتي أودعت في حساب عدد من النواب، لكن تم حفظ البلاغات المقدمة من قبل النيابة العامة نتيجة لوجود قصور تشريعي في جانب قضايا التكسب غير المشروع.
السبب الرابع هو سرقة الشعارات: أغلب الخطابات الانتخابية للمرشحين هي قص ولصق من مرشحين سبقوهم أو من كتاب مقالات مميزة يتم استقطاع وسرقة أفكارهم لصالح حملات النواب الانتخابية، وفي الغالب فإن استحسان الناس لشعارات أحد البارزين تدفع بقية المرشحين لاستنساخ شعاره وتكراره بعد التعديل عليه وتحوير مفرداته وتغيير ألوان الملصق الإعلاني. فلم يعد مستغربا أن يتبنى المرشح قضايا وعناوين لا يؤمن بها ويخالفها في مواقفه البرلمانية، لأنها أساسا أفكار مستوردة.
ومن الطبيعي أن من يستنسخ شعارات وخطابات غيره لا يمكنه العمل بها أو تبنيها بعد فوزه. لكنه يثير ضبابية عند الناخب في تمييز صاحب الأطروحات الفكرية والسياسية عمن يستوردها من الآخرين.
هذه الأسباب تجعل من عملية الاختيار إجراء معقدا للغاية، حتى بدأت تظهر بعض الأصوات تطالب بمقاطعة الانتخابات، نظرا إلى رداءة الأداء البرلماني، ورداءة مخرجات العملية الانتخابية، واستغفال النواب للناخبين لتعزيز ثرواتهم أو نفوذهم على حساب المصالح العامة.
وهناك رأي آخر يحث على ضرورة المشاركة الفعالة لتجنب انزلاق البرلمان بالكامل في دائرة النوعيات الرديئة من النواب، ويطرح أصحاب هذا الرأي فكرة إيصال المرشح الأقل سوءا، طالما كنا مخيرين بين السيء والأسوأ، إذ لا يمكن ترك ساحة البرلمان مع أهميتها ودورها المحوري في تشريع القوانين والرقابة على أداء الحكومة.
من وجهة نظر ثقافية، أعترف أن إصلاح المشهد الانتخابي أمر يتخلله الكثير من الصعوبات، لكنه ممكن باتخاذ جملة من التدابير على رأسها تكثيف الوعي السياسي والحقوقي عند المواطنين، فكلما ارتفع وعي الناس واستيعابهم لحجم التحديات السياسية، تتأكد حاجتهم إلى نواب وبرلمانيين يقدمون رؤى سياسية خلاقة وحلولا مبتكرة للأزمات التي يعاني منها الوطن.
وكلما تعرف الناس على حقوقهم ومساحاتها في الدستور والقانون، كلما ساعد ذلك على تقليل فرص استغلال المرشحين لمكامن الضعف لديهم، فالمعاملات تُنجز بضمانات قانونية مستحقة، وليس باستثناء نواب الخدمات، وتُسهل بإجراءات إدارية سليمة وليس بواسطة من بعض المتنفذين.
بمعنى آخر فإن مسارات الإصلاح السياسي تقتضي رفع مستوى الناخبين وتمكينهم فكريا وسياسيا من اختيار من يمثلهم تمثيلا حقيقيا، ومواجهة خط التجهيل السياسي والذي اعتمد عليه الكثير من المرشحين من خلال رفع شعاراتهم الوهمية لخداع الناس وتضليل الجمهور، وتحقيق الأغراض الشخصية على حساب مصالح الناخبين.