د. ناجي صادق شراب يكتب:

أمريكا وإيران والمفاوضات النووية

الطرفان الرئيسان في المفاوضات النووية الجديدة هما الولايات المتحدة كقوة عالمية لها مصالحها الكونية والإقليمية ولا تريد اتفاقاً يمس هذه المصالح، وإيران القوة الإقليمية الصاعدة التي لها اليوم مصالح تتجاوز حدودها في المنطقة وتريد أيضاً الحفاظ عليها والاعتراف بها كقوة إقليمية، ودول الاتحاد الأوروبي التي تلعب دور الوسيط المتوازن. وفى كل الأحوال لن يكون الاتفاق الجديد في حال حصوله اتفاق 2015 نفسه، وإن كان الأخير هو الأساس، مع ملاحظة أن المفاوضات تعكس واقعاً سياسياً قائماً وموازين قوى، وتحكمه متغيرات وتطورات طرأت على بيئة المفاوضات بعضها يعمل لصالح هذا الطرف أو الطرف الآخر. وهذا ما يفسر لنا التعقيدات التي تواجه المفاوضات حتى الآن، ومحاولة كل طرف أن ينتزع أقصى ما يمكن أن يقدمه الطرف الآخر من تنازلات.

في النهاية هناك اتفاق لأن الولايات المتحدة تريده قبل الانتخابات النصفية للكونغرس، وإيران أيضاً تريده بما يحقق لها أهدافها. والسؤال ما أهداف ودوافع كل طرف؟ إدارة الرئيس بايدن امتداد لإدارة الرئيس أوباما، ولذلك تعتبر اتفاق 2015 هو أقصى ما يمكن الوصول إليه، وأنه لولا انسحاب الرئيس ترامب تحت ضغط إسرائيل لما زال العمل قائماً به، لكنها الآن أمام موقف تفاوضي جديد بمتغيرات وتطورات ومعطيات لا بد أن تؤخذ في الاعتبار من قبلها كقوة عالمية، ويأتي في مقدمتها الحفاظ على أمن وبقاء إسرائيل، وهذا أهم المتغيرات والمحددات التي تحكم الموقف الأمريكي، إلى جانب قلق وتخوفات دول المنطقة من حيازة إيران قدرات نووية. والهدف الثاني، الاعتقاد أن من شأن الاتفاق الجديد أن يعمل على اعتدال النظام الإيراني بتبنيه سياسات أكثر واقعية باندماجه من جديد في النظام الدولي والتي سيحرص على الحفاظ عليها، ويقلل من النزعة التشددية التي تحكم بعض القوى المسيطرة في إيران. والهدف الثالث دعم موقف التيار الإصلاحي وتحسين موقفه. ورابعاً تحسين الوضع الاقتصادي الذي سيحرص النظام على الحفاظ عليه لأنه البديل لها من الاضطرابات الداخلية.

هذا الموقف الأمريكي تحكمه العديد من المتغيرات والتطورات الإقليمية والدولية. أبرزها الحرب الأوكرانية ومحاولة روسيا تشكيل تكتلات وتحالفات دولية جديدة في قلبها إيران، كما رأينا في زيارة الرئيس بوتين الأخيرة لطهران، ومن ناحية أخرى التنافس الصيني ومعاهدة الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران. وإقليمياً الموقف الإسرائيلي الضاغط على الولايات المتحدة بالتشدد وعدم تقديم تنازلات جوهرية. وفي الوقت ذاته يبدو أن الولايات المتحدة لا تريد حرباً إقليمية شاملة تجد نفسها متورطة فيها في الوقت الذي تتبنى فيه مقاربة تقليص وجودها في المنطقة. من جانبها نرى إيران قد نجحت في التغلب على العقوبات التي فرضت عليها، كما نجحت في رفع نسب التخصيب التي قد أوصلتها إلى ما يعرف اليوم بدولة عتبة النووي، وهذا قد يكون كافياً في هذه المرحلة، كذلك طورت من قدراتها الصاروخية التقليدية والفضائية والطائرات المسيرة ودعمت من وجودها في المنطقة، وبات لديها وكلاء كثيرون ولها حضور في العديد من دول المنطقة. وتريد إيران رفع العقوبات وعودة الاستثمارات النفطية والتصدير وقدرة أكبر على تمويل علاقاتها ووكلائها في المنطقة، كما ليس من مصلحة إيران الذهاب لحرب شاملة قد تعرض نظامها للخطر والانهيار.

هذا ما سيحققه الاتفاق الجديد. وكما جاء في تقرير لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، فإن إيران ستكون قادرة على استعادة ما يقدر ب 1.3 تريليون دولار خلال سبع سنوات على النحو التالي:131 مليار دولار أرصدة محتجزة، 507 مليارات دولار عوائد نفطية، 365 مليار دولار غير نفطية، 72 مليار دولار تخفيضاً في تكاليف الاستيراد.

ولا شك فإن الاتفاق فقط قد يؤخر قدرة إيران على صنع قنبلة نووية، وسيساعد الغرب في التعامل مع أزمة الطاقة، وسيعمل على تحسين أزمة الطاقة عالمياً من خلال تصدير مليون برميل يومياً وهي كمية كبيرة.

هذا الاتفاق سيكون أقرب للمباراة غير الصفرية في صالح إيران. ويبقى الخطر الحقيقي احتمالات ضربة عسكرية إسرائيلية استباقية.