د. صلاح الصافي يكتب لـ(اليوم الثامن):

سرقة القرن ذر الرماد في العيون

استشراء الفساد في مفاصل الدولة العراقية حقيقة، لم يعد بإمكان أي أحد التشكيك فيها، بالنظر لحجم الجرائم المالية وغيرها التي تصل أخبارها إلى الرأي العام المحلي والدولي من حين لآخر، وهذه الحقيقة يجسدها بوضوح أكثر احتلال العراق للمرتبة (157 من 180) في مؤشر منظمة الشفافية الدولية. 

الجريمة المنظمة التي التهمت خلال 11 شهرا مبلغ 2.5 مليار دولار من الهيئة العامة للضرائب، وقعت حين كان عشرات آلاف العراقيين يعتصمون ويتظاهرون للمطالبة بالإصلاح وانهاء الفساد وحكومات (محاصصة المغانم) في بلد ربع سكانه يعيشون تحت خط الفقر وينتظرون تحسين أوضاعهم المعيشية وتطوير الخدمات بالاستفادة من الوفرة المالية التي أمّنها ارتفاع أسعار النفط. 

إنها عمل محكم تم بتواطؤ من جهات عليا وفرت الغطاء الحكومي له، إذ جرى سحب الأموال من حساب في مصرف "الرافدين" اسمه (حساب الأمانات) وتستقطع أمواله من أي شركة تتعاقد مع الدولة العراقية كضمان لدفع ضريبة الدخل في ما بعد والتأكد من سلامة تنفيذ العقد، وللشركة المودعة الحق في استعادة المبلغ بطلب تحريري لهيئة الضرائب يخضع للتدقيق الرقابي والمحاسبي، بعد إنجاز أعمالها وتنفيذ التعاقد وتسليم المشروع بصورة نهائية ودفع كل المستحقات المترتبة عليها.

وتبين من خلال تلك النتائج سحب مبلغ مقداره 3،701،380،882،000(ثلاثة ترليون وسبعمائة وواحد مليار وثلاثمائة وثمانون مليون وثمانمائة واثنين وثمانين ألف دينار) من حساب الأمانات الخاصة للهيئة العامة للضرائب الذي يحمل الرقم 60032 في مصرف الرافدين، مودعة في فرعين هما(الأحرار والضرائب) وذلك من الفترة بين 9 أيلول 2021 و11آب 2022.

وقد تم السحب عبر (247) صكاً مصرفياً لصالح خمس شركات هي: القانت للمقاولات العامة، الحوت الأحدب للتجارة العامة، رياح بغداد للتجارة العامة، المبدعون للخدمات النفطية، بادية المساء للتجارة العامة.

وتوصل التدقيق إلى أن أياً من هذه الشركات (الصغيرة والحديثة الإنشاء) لا تملك أمانات ضريبية وليس لديها توكيل من طرف ثالث لسحب أمانات ضريبية. وأن الصكوك المحررة غير مقيدة في حسابات هيئة الضرائب، وقد تم سحب مبالغها فور إيداعها لدى مصرف الرافدين.

نهب المال العام أصبح سمة من أبرز سمات عراق ما بعد 2003، فالفساد دخل إلى كل مفاصل الحياة الاقتصادية في العراق، ولوث السياسية والإعلام.

إن العراق يحتل المرتبة 157 (من 180) في مؤشر منظمة الشفافية الدولية عن “مدركات الفساد”، حيث غالباً ما تستهدف المحاكمات في قضايا الفساد في حال حصلت، مسؤولين في مراكز ثانوية وموظفين صغار، أما كبار الفاسدين فالخطوط الحمراء كثيرة.

سؤالين مهمين وأعتقد مهمين جداً، هل فعلاً هذه أكبر سرقة في العراق؟؟، وهل فعلاً هناك إرادة لمكافحة الفساد المستشري في العراق في ظل هذه المنظومة السياسية؟؟؟.

 إن ملياري ونص المليار دولار هي ليس الأكبر، والدليل أن هناك تصريح لإحدى المنظمات الدولية الموثوقة تؤكد أن 40% من موازنة العراق تذهب إلى جيوش الفاسدين، وبحسبة بسيطة أن هذا المبلغ يزيد عن الأربعين مليار دولار سنوياً يسرق من الشعب العراقي، إضافة لذلك من منا يستطيع أن ينسى أن موازنة سنة كاملة (2014) في زمن مختار العصر سرقت بالكامل، فعلينا أن نتخيل كم مليار في جيب القائد الهمام، وهل سرقة ملياري ونصف الميار دولار بعد ذلك يصح عليها مصطلح (سرقة القرن)؟؟؟.

أما بخصوص السؤال الثاني، فإن إرادة حقة لمكافحة الفساد في العراق في ظل منظومة سياسية فاسدة أو مشجعة له، أكيد يثير الضحك، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، كلهم شركاء في هذا الفساد، والآن عادوا من جديد لتشكيل حكومة خدمة ومكافحة فاسدين، وقلتها قبل سابقاً وأؤكد اليوم (مكافحة الفساد لا يولد من رحم الفاسدين)، والقادم أصعب.