الياس فرحات يكتب:
اتفـــاق تـــوازن القــــوة!
وأخيرا تم التوقيع الرسمي لاتفاق ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين لبنان وفلسطين المحتلة. في لبنان وقّع الرئيس عون على نسخة قدّمها إليه الوسيط الأميركي هوكشتاين والذي انتقل الى إسرائيل ليأخذ توقيع رئيس وزراء إسرائيل ليبيد على النسخة الأخرى. جرى تبادل النسخ بحضور الوسيط الأميركي هوكشتاين وبرعاية الأمم المتحدة وفي مقرها في الناقورة.
ما هي حقيقة هذا الاتفاق؟
انه اتفاق ترسيم حدود منطقة اقتصادية من أجل استثمار جوف هذه المنطقة من قبل طرفين كل ضمن حدوده. انه ليس اتفاق هدنة لأنه لم يأتِ بعد حرب ولا معاهدة لانه ينحصر بحدود المنطقة الاقتصادية ولا يتطرق الى الجوانب الأمنية أو العسكرية أو السياسية.
منذ بداية التفاوض في مطلع العقد الماضي حاول الجانب اللبناني أن يعهد الى الأمم المتحدة أن ترسم الحدود لوحدها ومن دون مشاركة لبنانية. اعتذر الأمين العام للأمم المتحدة في حينه بان كي مون عن القيام بهذه المهمة ونسب إليه قوله انه في حال تولّت الأمم المتحدة مثل هذه الأعمال في جميع أنحاء العالم فانه يلزمها تفرغ تام عن جميع المهام الأخرى لمدة سنتين على الأقل وهذا أمر متعذر.
مع بداية الوساطة الأميركية ممثلة بالسفير السابق فريدريك هوف، حرص الجانب اللبناني على عدم التورّط بأي نشاط تطبيعي مع العدو الإسرائيلي، كما حرص على عدم تسلل العدو من نافذة القوانين الدولية أو المصالح التجارية. في هذا المجال رفض المفاوض اللبناني الرئيس نبيه بري (المكلف من رئيسي الجمهورية والحكومة) وبالتنسيق مع حزب الله خط هوف وأصرّ على الخط المحدد من الحكومة اللبنانية أي ٢٣.
كذلك رفض العرض التطبيعي التجاري الذي قدّمه الوسيط هوكشتاين عندما خلف هوف وزار لبنان في مهمة وساطة. عرض هوكشتاين أن يتم تلزيم استخراج الغاز لشركة دولية واقتسام الأرباح بين لبنان والعدو الإسرائيلي. وبالطبع رفض المفاوض اللبناني الرئيس بري هدا العرض لانه يعتبر تطبيعا مع العدو.
تكرر الأمر مع الوسيط الثالث السفير ديفيد ساترفيلد الذي اقترح تفاوضا مباشرا بين لبنان والعدو الإسرائيلي لكن الرئيس بري رفض.
وصل الوسيط الرابع ديفيد شينكر وتوصل مع الرئيس بري الى اتفاق إطار للتفاوض على الترسيم. أعلن الرئيس بري في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر اتفاق الإطار.
ماذا يتضمن اتفاق الإطار؟
نصت الفقرة الأولى على الاستناد إلى التجربة الإيجابية للآلية الثلاثية الموجودة منذ تفاهمات نيسان 1996 وحالياً بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 1701، التي حققت تقدماً في مجال القرارات حول الخط الأزرق. وهذا يعني ان شكل التفاوض هو غير مباشر وان لا اتصالات ولا لقاءات مباشرة مع العدو، والالتزام بالصيغة المحددة في تفاهم نيسان. أزالت هذه الفقرة هاجس التطبيع أو الاعتراف بالعدو من خلال اللقاءات.
بدأت المفاوضات في الناقورة واستمرت أربع جولات حرص فيه الجانب اللبناني على الالتزام بشكل ومضمون صيغة تفاهم نيسان.
انتقلت المفاوضات الى جولات مكوكية قام بها هوكشتاين وتوصل الى اتفاق الترسيم الذي جرى تبادل نسخه اليوم في ٢٨ تشرين الأول.
الملاحظ في اتفاق الاطار وفي اتفاق الترسيم ان كلاهما لا يستند الى القانون الدولي ولا يحدد مرجعية هي افتراضا محكمة العدل الدولية (التي نظرت بوضع طابا بين مصر وإسرائيل).
ان إغفال القانون الدولي ومحكمة العدل هو مقصود ويهدف الى سد أي ثغرة قانونية قد يتسلل منها العدو الإسرائيلي بهدف إجراء تطبيع معين .
هل تنازل الجانب اللبناني عن مسطحات مائية أو نقاط حدودية وخصوصا ً B1؟
عام ٢٠٠٠ عندما انسحب العدو الإسرائيلي من لبنان تحت تأثير ضربات المقاومة شكّلت الأمم المتحدة لجنة للتحقق من الانسحاب وتم الاتفاق على ترسيم خط الانسحاب وهو يختلف عن خط الحدود الدولية وسمي الخط الأزرق. تحفظ لبنان على ثلاثة عشر نقطة من بينها النقطة B1 وبقيت ضمن الخط الأزرق.
في المسطحات المائية يعتبر لبنان رسميا ان الخط ٢٣ هو الحد الجنوبي للمنطقة الاقتصادية الخالصة وأبلغ ذلك الى الأمم المتحدة بموجب المرسوم ٦٤٣٣. صدرت آراء ان الحدود هي الخط ٢٩ الواقع جنوب الخط ٢٣ لكن اللبنانيين لم يتفقوا عليها، وتمسّك رئيس الجمهورية ميشال عون برفض تعديل خط الحدود الجنوبي المعروف ٢٣.
طلب لبنان والعدو الإسرائيلي بموجب اتفاق الاطار وساطة الولايات المتحدة وهذا لا يقتصر على التوصل لاتفاق بل وهنا المهم أيضا، السماح لشركات النفط العالمية بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقتصادية الخالصة اللبنانية.
جاء اتفاق الترسيم بعد بداية حرب أوكرانيا وبروز حاجة أوروبا لغاز شرق المتوسط وهذا ما دفع الوسيط الأميركي الإسرائيلي للتحرك والضغط على إسرائيل التي بدت كجمهورية موز تتلقى التوجيهات والأوامر من الإدارة الأميركية.
أسهمت المسيرات الثلاث التي أطلقتها المقاومة فوق حقل كاريش الى تراجع إسرائيل عن تشددها خشية تنفيذ تهديدات حزب الله ضد كاريش وباقي المنصات العاملة حاليا على استخراج الغاز، ليفيتيان, تامار...
تم الترسيم استنادا الى توازن القوة بين لبنان ممثلا بدولته ومقاومته وبين العدو الإسرائيلي. سمح هذا التوازن، وليس أي شيء آخر مثل القانون الدولي أو المحاكم الدولية، باستثمار لبنان لجوف المياه الاقتصادية الخالصة. ان استمرار بقاء النقطة B1 تحت سيطرة إسرائيل منذ عام ٢٠٠٠ هو جزء من تحفظ لبنان على الخط الأزرق في حينه أي اعتبارها مناطق محتلة يمكن تحريرها فور توافر الظروف (انتظر اللبنانيون ٢٢ عاما حتى تحرر الشريط المحتل). والمهم هو عدم اعتراف لبنان بأي حدود غير الحدود الرسمية المحددة بموجب اتفاقية الهدنة لعام ١٩٤٩. هذا اتفاق يستند تماما الى القوة اللبنانية ويعتبر بحق اتفاق توازن القوة مع العدو.