د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
الثورة الإيرانية ومستقبل العنف ضد المرأة بالشرق الأوسط (1-2)
العنف ضد المرأة عار إجتماعي وهدم للفرد والمجتمع، ومعوق من معوقات النهضة، ولا يمكن تجزأته عن مفهوم العنف الاجتماعي كونه أحد أبرز أشكال العنف بالمجتمع، ومقالنا هذا هو دراسة وقراءة موجزة في هذا السياق بقصد التنوير والمعالجة ومساهمة إلى جانب عشرات المساهمات المكتوبة بهذا الصدد
العنف لدى جميع الخلائق صفة من الصفات القائمة والمتفاوتة من مخلوق لآخر؛ ولكن للعنف البشري وضع آخر تنوع وتفاوت من بيئة لأخرى، ومن مجتمعات وحقبة زمنية لأخرى وبظواهر وممارسات ودوافع مختلفة، ويأتي العنف ضد المرأة كأحد أنواع العنف السائدة بعدة صور في المجتمعات البشرية، وعلى الرغم من أن مقالنا هو للحديث عن العنف ضد المرأة إلا أننا سنركز هنا على العنف بشكل عام وفق رؤية إجتماعية مختصرة تبين أن العنف ضد المرأة سلوك بشري مهين يدلل على همجية الممارسة وانحدار المُمارِس وانكسار المُمارسِ بحقه وبالتالي تردي النشىء والمجتمع، وهنا تكون الممارسة عارا لا يجلب إلا عار، وللعار والشرف مفاهيم أوسع من تلك المفاهيم التي درجت عليها مجتمعاتنا، وهنا لا يمكن النهوض بالمجتمع من خلال هكذا ممارسات إذ لا يمكن للمرأة الأم أو الأخت المُعيلة أو الجدة المُعيلة والمدرسة والمعلمة المربية لا يمكن لهن أن يخلقن رجلاً صالحا يتحمل المسؤولية ويكون حضوره بالمجتمع حضورا ناجحا أو مشرفا أو لائقا على الأقل وهن محطمات متآكلات إثر ما يتعرضن له من إضطهاد، وبالطبع لا يخلو المجتمع من بعض الحالات من النساء اللواتي يصنعن من مآسيهن إنتصارات ويتركن رجالاً وبناتً صالحين في المجتمع ذلك عندما يتناسين مظلوميتهن ويزرعن في أبنائهن الفضيلة والمحبة وروح العدل والتسامح والقيم النبيلة وعدم ظلم الغير أو الإنتقاص منه.. عندما تربي ولدها وابنتها على احترام أبناء وبنات الناس كفريضة واجبة لأنه إذا أراد أن يعيش عزيزا كريما في مجتمعه عليه أن يبدأ بإحترام والدته وشقيقته وعمته وخالته وجدته ومدرسته ومعلمته وجارته وابنته، وبذلك يكون قد أسس هو وغيره ممن هم على شاكلته لنواة إجتماعية صالحة يصلح من خلالها المجتمع، فالمرأة الحرة تربي أحرارا والرجل الحر يصون أهله من النساء والرجال على حد سواء لكنه بصيانته وتكريمه للنساء من أهله ومجتمعه يكون قد أسس لمستقبل أسرة حرة أبية من البنين والبنات، وعلى العكس ماذا ينتظر الأب أو الأم عندما يربيان أبنائهما على العنصرية والأنانية وأكل حقوق الغير أو عدم الإكتراث بهم .. (الأم مدرسةٌ إن أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق) والعكس.
من الأمور المؤسفة في مجتمعاتنا البشرية وفي مجتمعنا الشرق أوسطي على وجه الخصوص أن ثقافتنا وفكرنا الإصلاحي الاجتماعي محدودين، وبالتالي فإن فكر الإستثمار في الإنسان فكرا فقيرا ضحلا مما يعزز من وجود الروح البشرية غير السوية لدى البعض، تلك الروح التي تميل إلى نزعة التسلط واستعباد الآخر واستنزافه كأدوات ووسائل لبلوغ الغايات، ولا يعترف بوجود ذلك الآخر إلا هامشيا، ولا يؤدي له حقا واجب الآداء إلا بالطريقة التي تناسبه هو وترضيه، ومن بعض الأمور التي يجب أن ندينها في دواخلنا هي أننا لا نتداول قضية العنف ضد النساء إلا بالمناسبات ولم نضع هذه القضية في مقدمة أولوياتنا، وأبقيناها على الهامش وبقينا بسببها على الهامش، ومن خلال هذا المقال نريد أن نخرج عن الهامش باستعادة بعض المعارف البديهية التي قد تكون غائبة عن البعض وتناساها البعض الآخر الذي لا يرغب في الدخول إلى ما يسمونه هم بصداع الفكر، ونسميه نحن بجوهر الفكر التحرري، أما البعض الآخر فيرى في تناول هكذا نوع من الفكر هدما للمجتمع، وهذا البعض الأخير هو من نريد هدمه لينجو المجتمع من سوءاته ونظرته المتدنية لأمه وشقيقته وزوجته وابنته، فأمهاتنا وشقيقاتنا وبناتنا ولدن حرائر ولسن جواري لأحد، وكأحرار تأبى أنفسنا أن نعيش في مجتمع عبيد وجواري.
العنف، والعنف ضد النساء ميراث متأصل بالشرق الأوسط بجميع دوله، والكل متورط فيه وتتورط فيه حتى بعض النساء بقصد أو بدون قصد، لذا فالقضاء على العنف ضد النساء هو بمثابة إصلاح مجتمع أو إعداد إمرأة وفقاً لهذه القاعدة (الأم مدرسةٌ إن أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق) وفي هذا المسار نعرف العنف على النحو التالي/
العنف البشري /
العنف البشري كسلوك تمارسه فئة من البشر ذات قوة ونفوذ مع من هم أقل منها قوة وقدرة بغض النظر عن كونهم رجالا أو نساءا، أو سلطة تمارس سطوتها بالعنف فتطال كل من يتعارض أو يختلف معها فتطغى عليه وتنتهك حقوقه وهذا في حد ذاته نوع من أنواع الإسترقاق من لدن القوي على المستضعف حتى لو كان المستضعف حرا فبمجرد سعي الطرف الأقوى إلى فرض رغباته وآرائه عليه مهددا إياه برزقه وكرامته وحرمانه من باقي حقوقه هنا استضعفه واستعبده، وفي حال كان للمستضعف رأي قائم على رفض الإستضعاف والظلم يصبح هنا عرضة للقتل والسجن وأنواع أخرى من العقوبات.؛ ويعد الإضطهاد من صور العنف والقمع المختلفة التي تشمل الممارسات العنصرية من حيث الشكل والجنس والعرق والطائفة، والعنصرية الفئوية والطبقية والمناطقية والموالاة واللاموالاة، والمحاربة في العمل والرزق وكبت الحريات، وهنا يمكن وصف الإضطهاد بالعبودية المعاصرة، ويعد النظام الإيراني من الأنظمة الدكتاتورية التي تمارس هذا النمط من العبودية تجاه شعبها وعموم القاطنين في إيران، وتمارس نسخة النظام الإيراني في العراق ولبنان واليمن وسوريا نفس هذه النمطية التي هي من أشد حالات إنتهاك حقوق الإنسان المعاصرة.
العنف الأُسري
العنف الأسري سلوك إجتماعي ينم عن فقر ثقافي أو معرفي ينتج عنه غياب لغة التفاهم والحوار، ويحل محلها الضرب والعنف والإكراه والتأنيب والتوبيخ، وتتم ممارسة هكذا نوع من السلوك على جميع أفراد الأسرة بنين وبنات، وتتسع رقعة هذا النوع من العنف باتساع مساحة الفقر والجهل، ولا يُغني ثراء الغفلة المفاجئ في هذه الأزمات من شيء كأن يعالج قضية العنف الناجمة عن فقر دون غنىً ثقافي ومعرفي يزيل مسببات هذا العنف الأسري وقضية العنف بشكل عام من الجذور إذ أن ثراء الغفلة لم يأخذ مساحته المطلوبة من النمو والترقي الذي يصاحبه نموا فكريا وثقافيا متدرجا لدى الفرد والأسرة وهو ما من شأنه أن يسهم وبأثر كبير في معالجة هكذا نوع من السلوك.
العنف الأُسري ضد المرأة
تبدأ الحالة الأولى بموضوع العنف الأسري ضد المرأة بعدم الترحيب بمولود البنت أو التشاؤم بولادتها ورفضها أحيانا كأن لم تكن التي أنجبتها بنتا وأختارها الزوج له إمرأة، وقد تُعنف المرأة وتُطرد من بيت الزوجية أو تُهدد بالطلاق إن لم تُنجب مولودا ذكرا علما بأن إنجاب الولد أو البنت ليس بيد المرأة ولا بيد الرجل، ولو كان الأمر بيدي أو بيد غيري لوضعنا اللوم في نوع الأجنة على الرجال؛ ولا يعلم المرء أين يكون الخير في الولد أو البنت، والحالة الثانية لما يتعلق بالعنف الأسري ضد المرأة تكون بعدم الإحتفاء بمولود البنت وإظهار مظاهر الفرحة بها واختيار اسما لائقا لها، ولا يقبل الكثيرين من الآباء أن يكنوا بأسماء بناتهم كأن يُقال له أبو فلانة، والإهمال وعدم الإكتراث بشأن تربيتها وإعدادها إعداداً جيدا شأنها شأن أخيها، وبالتالي تتعثر في حياتها بسبب العجز الذي أصابها والكبت والقهر والإنكسار الذي عانت منه في تربيتها وينعكس ذلك على شخصيتها وتعاطيها مع المجتمع، ثم نأتي ونُلقي باللائمة عليها في حين أنها ضحية من ضحايا الأسرة التي تربت فيها، ومن المؤسف أن يكون البعض منا والداً وليس أباً ويقولون في تراثنا (الأب رب) وفي هذا معنىً كبيرا لو أدركنا ذلك، ومن المؤسف كذلك أن تكون بعض النساء والدةً ولا تكون أُماً وقد حدد الله الأم في التكريم، والأكثر أسفاً أن تكون بعض النساء بعقلية ذكورية شأنها شأن بعض الرجال والسلطة الذكورية، حتى وإن أنصفت تنصف بحق بناتها وذويها أما بنات ونساء المجتمع الأخريات فلا يعنين لها شيئا ولسن في إطار إهتماماتها وفجأة تصبح إحدى الضحايا التي أهملت حقها ولم تنصفها زوجة لإبنها وهنا تتعرض هي للخسارة وقد لا تدرك مسببات تلك الخسارة دون توجيه أو توعية، وبالتالي نجد أنفسنا أمام مسؤولية كبيرة وهي مسؤولية إنصاف المرأة الإنسان من أجل إعداد أسرة صالحة ومجتمع فاضل، والحالة الثالثة لما يتعلق بالعنف الأسري ضد المرأة هي بخس البنت حقها عند زواجها والتفكير بالخلاص منها سريعا من خلال القبول بأقرب حالة من حالات الزواج للفتاة دون إكتراث برأيها وقابليتها ومستقبلها وعدم الحوار معها ومساعدتها على إنضاج رأيها بهذا الخصوص والتعامل معها كسلعةٍ تُباع وتُشترى، أو يحدد لها الأهل مهرا عاليا للإستفادة من إمكانيات زوج المستقبل المتقدم لها بدلا من التركيز معه على مستقبلها وبالتالي يتحول الزوج من طالبٍ للزواج إلى مشترٍ يحق له التصرف بما أشتراه كيف يشاء، ولو صدق الوصف على البائع والمُشتري تحول الأب والأم إلى مجرمين والزوج إلى مُستَعبِد والفتاة الضحية إلى جارية لا حول لها ولا قوة ويُصبح أحرار المجتمع رجالا ونساءا مجرمين متسترين على جُرم كبير يُستَرقُ من خلاله البنت أو المرأة الإنسان ورويدا رويدا يتحول المجتمع من مجتمع حر إلى مجتمع عبيد وإماء لا يقوى على النهوض والتنمية والرقي لتخليه عن صفاته وواجباته الإنسانية، والحالة الرابعة لما يتعلق بالعنف الأسري ضد المرأة هي عندما لا يكترث الأهل بما تتعرض له بنات الناس في بيوتهم على يد أبنائهم، وما تتعرض له بناتهم على أيدي أزواجهن من عنف وضرب وتنكيل وظلم وإضطهاد يصل إلى القتل، وأبشع ألوان الظلم والقهر عندما تجد المرأة نفسها بلا سند ولا ظهير في مأساتها بجحيم بيت الزوجية ويراها الزوج المختل فريسة بلا حماية فيتجرأ أكثر فأكثر في استعبادها خاصة عندما تكون السلطات الحاكمة في البلاد من نفس النوعية البشرية أو أخس من ذلك كما هو حال نظام الملالي في إيران الذي رفع شعار الإسلام وتحت ظله مارس كل ما هو خارج عن شرع الإسلام والإنسانية بحق المرأة وعموم المجتمع، ولم تتأجج الثورة الحالية في إيران من فراغ وإنما هي بركان هائج يثور ويخفت ويعود ليثور من جديد حتى يتمدد ويأخذ كامل مساحته المطلوبة بعدها يعود إلى الهدوء والإحماء البسيط المتردد وفق ظروف الضغط البيئية من حولها.
العنف المُشرع ضد المرأة
يتجسد العنف المُشرع ضد المرأة فيما تفرضه الأسرة والقبيلة والمجتمع والدولة على المرأة من قيود وفكر وقوانين عرفية تخلو من العدل والمساواة بين الجنسين، وسأضرب مثالا بسيطا للدرس والموعظة والإستفادة (في إحدى المشاهد اليومية التي لا تخلو من ظلم وقهر متجذر في المجتمع البشري ... جاء رجلا كبيرا في السن من بعيد يصطحب طفلين صغيرين شقيقين ولدٌ وبنت سائرا بهما في ممر أمام ناظري بينما أنا جالس بأحد الأماكن وجلس على مقربة مني وتبين لي أنهما حفيديه وقد كانا متقاربين في العمر، وحظي الولد بإهتمام كبير ليس من لدنه هو فقط بل من لدن الأسرة أيضا حيث بدى الاهتمام ظاهرا في ملابس الولد أكثر، وكان سلوك الجد أكثر ظلما إذ كان الولد يلعب في أحضانه وبين يديه يقبله ويداعبه بينما كانت البنات تحاول التقرب من جدها ليداعبها وينصفها مثل أخاها لكنه لم يفعل ذلك حتى شعرت أنا شخصيا بالخجل والإنكسار في داخلي من هذا التصرف الظالم ولا أعرف كيف أصف الموقف، وراودتني نفسي أن أقول له خذ الطفلين معا في أحضانك لكني ترددت في ذلك وهذا جرم إرتكبته أنا في حق نفسي وحق الإنسانية وغادرت المكان وبقيت متأثرا بهذا الموقف ولم يفارقني)، القيود والأعراف المفروضة، والسلوكيات العنصرية السائدة في إطار الأسرة ضد الفتيات دون عن الفتيان والتي ينجم عنها عدم المساواة بين الأطفال تتنامى مع الأيام والسنين وتصبح من الثوابت التي يرى فيها الرجل حقوقاً مسلماً بها، وترى فيها البنت ثوابت حياة لا مفر منها ويجب الإنصياع لها، ولا يدرك كلا الطرفين أضرارها إلا بعد فوات الأوان وتراكم المشاكل المستقبلية بسبب موروثات خاطئة أو سنائن غير رشيدة لا علاقة لها بالدين ولا بالإنسانية، وهنا لا يمكن أن يكون النظر في القيود والسلوكيات غير العادلة قراءةً وتحليلاً وحلولاً ضرباً من ضروب الكفر والخروج عن الشرع والدين بحسب ما يرتأيه وعاظ السلاطين، أو تشويها للإعراف بل هي حماية لجوهر الدين والشرائع السليمة وصيانة للأعراف والمجتمع ذلك لأن الإصلاح الذي سيقوم على ضوء هكذا قراءة وتحليل وتشخيص سيوفر للمجتمع الاستقرار والنمو والإزدهار، ولا يفوتنا أن نذكر هنا بأن كثيرا من الأعراف هي خلط بين الجاهلية والدين أو أعرافاً جاهلية صرفة، ولا ننكر أيضا أن بعض الأعراف التي هي من خارج دين ما قد تتماشى مع قيم دين آخر وهذا معناه أنها مقبولةٌ إنسانيا.، وكل ما لا يتقبله منطق العقل والعدل والإنسانية مردود على منشأه ومرفوض وفيه مساس بكرامة أبنائنا بنين وبنات.
التتمة في الجزء الثاني
د.محمد الموسوي / كاتب عراقي