د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
سقطت الأقنعة؛ وبات العرب وكل دول جوار إيران في خطر
قرابة القرن من المناورة الكاملة وخداع المنطقة واحتوائها تارة بالحقبة الشاهنشاهية الشوفينية، وتارة بحقبة الملالي الشوفينيين المدعين باسم الدين وكلا الحقبتين وجهان لعملة واحدة، والضحية شعب إيران ودول وشعوب المنطقة..
حدثان تاريخيان تزامنا مع بعضهما البعض كشفا المستور وأسقطا كل الأقنعة وتكشفت الوجوه أكثر من ذي قبل وبات اللعب على المكشوف والحدثان هما الإنتفاضة الوطنية الإيرانية والحرب الأوكرانية.
من شاخوا وتهاوت ممالكهم في شيخوختهم نهض أحفاد أبنائهم بممالكهم اليوم، وعتاة الأمس يعيشون اليوم في هِرَمٍ، وبين مهزلة العقل ونزعة التسلط تتهاوى عروش وتأوي أخرى إلى فراش الإندحار، وتطفو على السطح قيم صاغوها بالأمس مغلفة تزهو مؤطرة بالسحر تطفو اليوم خاوية بلا فحوى بلا جدوى أسقطتها الورثة، فمن صاغوها بالأمس قد خُدِعوا بالورثة .. أدباء وفلاسفة عصر النهضة تُسقطهم الورثة وتسقط في الأرجاءِ التركة .. كانت التركة خاوية لا تتعدى شعارٍ أجوف، وفكر عشقه منظروه لجمال مفرداته وجمال المعنى، ولكن هل يغدو نباتا أو يغدو شجرا .. لا وألف كلا فأكثر من نبات لن يغدو في بيئته، وخارجها لن يخطو عن كونه تعويذة سحر.. هكذا بدت شعارات النهضة في الغرب على يد متنفذي ساسته الذين ورثوا تركة لم يكتبوها ولم ينظروا لها لذلك لن يقدسوها بل ستكون وسائلهم وأدواتهم لبلوغ الغايات وتحقيق الأهداف بالداخل والخارج، ونسجوا لذلك نظاما عالميا متعدد الأطراف هم المحور فيه والبعض منهم والآخر يسبح تابعا في ركبهم، وكم اختلفوا وكم تشاجروا لكنهم لم يفتضحوا وحرصوا على أن لا يصل الخلاف إلى مستوى الفضيحة، لكن جنديا من هذا العالم كان خارج الركب وخارج المدرسة عمل كجندي مخلصا لمراجعه ووطنه .. وأثناء خدمته يطلع على المستور ويصبح جزءا من ذاكرته، ويذلون روسيا (يلتسين) مخلصتهم التاريخية بغطرسة في كبوتها ولكل جواد كبوة ومن يومها بدأت الصحوة ويتجه البعض نحو البناء والآخر نحو التآمر بذاته وبأدواته الخارجية وقد كان نظام شاه إيران الأب المؤسس والإبن الذي قبل بعزل أبيه وسلب السلطان منه، كانا أحد تلك الأدوات العابثة لصالح المتآمرين في المنطقة وكذلك هم ملالي الرذيلة الحاكمة في إيران وهكذا سيكون حفيد الشاه المؤسس وبدأت العدة وتتعاظم القدرات ويخرج من كبى بصمت من تحت الركام والأنقاض ليقض مضجع من أرادوا بالأمس تركيعهم وإذلالهم على أبوابهم .. ولقد كان رد يلتسين في حينها حاسما قويا بكبرياء وهو في حالة هزال شديد عندما قال لهم روسيا لا تنتظر على الأبواب، وأنا أقول الدنيا دوارة.
الإنتفاضة الإيرانية والحرب الأوكرانية يكشفان المستور
ويأتي يوم المواجهات الذي سيزيح الستار أكثر فأكثر عن حقائق قد يعرفها البعض أو لا تعرفها بعض الأجيال، ويتكشف المستور .. المستور الذي لم يفضحه خصم أو عدو بل فضحه صناعه ورعاته أنفسهم بتصريحاتهم وسلوكياتهم وتحركاتهم .. وكبش الفداء أوكرانيا والبشرية جمعاء.. لقد فضحت الإنتفاضات الإيرانية الممتدة لثورة 1979 والحرب الأوكرانية فضحتا معا زيف ما يدعيه الغرب من قيم ومبادئ وكيف يكيل بمكيالين، كما فضحتا حجم وعمق العلاقة بين الغرب ودكتاتوريتي الدولتين العميقتين في حقبتي الشاه والملالي فما أن أسقط الشعب الشاه جاءوه بالملالي وكلما أوشك الشعب على إسقاط الملالي تكتموا على نهضته وخنقوه وكبلوه وبطشوا به، وتتوالى إنتفاضات الشعب الإيراني ويتوالى القمع وسفك الدماء برعاية غربية، ويبطش الملالي بـ (جينا أميني/ مهسا أميني) فتاةٍ كردية بريئة غريبة في طهران لا تعرف ما يجري فيها من مهازل قادمةٍ من مدينة صغيرة هي كل عالمها الذي تدركه في عمرها العشريني الغض.. قتلوها لأن حجابها إنفرط عنها أو أنه أي الحجاب لم يكن بمعايير وضعتها الكهنة غير (المحجبون) والحجاب ستر والستر مفهوم واسع واجب كل البشر ولا يتسع المقال للحديث عنه، وكان لدم تلك البريئة أو لوالديها المسكينين المكلومين كرامة كبيرة عند الله فتتأجج المشاعر في القلوب والحناجر وتقود المرأة الإيرانية الإنتفاضة وتحميها وتتواصل بها ؛ وفي الوقت ذاته تتواصل شعارات الغرب الجوفاء المتعاطفة مع جينا أميني بشدة ومع الإنتفاضة الإيرانية على نحو خجول كي لا تغضب أدواتهم رعاة الجهل والجريمة في إيران والعراق ولبنان وسوريا واليمن،...
كانوا يتقدون أن هذه الإنتفاضة كسابقاتها يومٌ ويومين وتنتهي والمفاجأة والصاعقة التي تزامنت مع حرب أوكرانيا أن انتفاضة قد تخطت شهرها الخامس على كافة الأراضي الإيرانية وفي كافة الأوساط الشعبية المكونة للدولة الإيرانية، ويدرك الغرب جيدا أن هذه الإنتفاضة ليست كسابقاتها نوعية استبسالية لا تريد خبزا ولا ماءا ولا وظيفة تريد حرية وكرامة ولا يبيع ملالي الغبراء هذا النوع من السلع لذا وجب قلعهم فهم كما قال إيليا أبو ماضي كانوا كتينة قالت حسدا لأحبسن على نفسي عوارفها فلا يبين في غيرها أثر ... وظلت التينة الحمقاء عارية ... ولم يطق صاحب البستان رؤيتها فاجتثها فهوت في النار تستعر، وهنا تأججت هذه الإنتفاضة لتقتلع شجرة الملالي الحمقاء وتقلب الطاولة على الرؤوس فلما حان حين قلبها رفض دعاة حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية ومناصرة المرأة وحقوق رفضوا علانية وضع حرس خميني ما يسمى بـ (الحرس الثوري) على قائمة الإرهاب ولم يكتفوا بذلك بل قاموا يسوقون لفرض ابن الشاه المخلوع بثورة شعبية كبديل لملالي الرذيلة، وهنا يحاولون وضع الشعب الإيراني بين خيارين كلاهما مُر وهو إما أن تقبلوا ببقاء الملالي أو تقبلوا بإبن مدرسة الدكتاتورية والشوفينية سلطانا جديدا عليكم، ومُحرمةٌ عليكم كل الخيارات وسنتهمكم بأشع التهم لو أسقطتم صنم الملالي بدون رغبتنا.
فضيحة أخرى من العيار الثقيل
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم .. والفضيحة هنا هي دعوة الغرب لإبن دكتاتور إيران السابق المخلوع لحضور مؤتمر ميونخ للأمن ولا نعرف تحت أي غطاء ممثلا لنظام الملالي أو ممثلا لعائلته التي سطت على القاجاريين أم ممثلا لبقايا المنتفعين العنصريين من حاشية أبيه وامتداداتهم أم ممثلا للمعارضة الإيرانية كما سمعنا والمعارضة الإيرانية نعرفها كلها ولا يوجد فيها من يريد سمع ذكرٍ يذكرها بمناقب أبيه الجميلة في السجون والمنافي ومقاصل الإعدام والنهج العنصري الذي لا يسلب من الناس حرياتهم فحسب بل يسلب حتى أسمائهم وألقابهم .. إذن من يمثل ابن الشاه الدكتاتور المخلوع لربما .. لربما ولست أجزم فأقول لربما .. لربما يمثل الوجه الثاني للملالي وهو ما يسمونهم بالإصلاحيين فيعود ذات يومٍ برعاية غربية وبطائرة ربما لن تكون هذه المرة فرنسية من يدري وينزل يتهادى على مسير الدكتاتورية مناصفا الملالي في التركة معيدا لمدرسة الدكتاتورية نواقصها وتستمر المعاناة وتستمر نشوة الغرب بعذاب الشعوب الأخرى، وهنا نتساءل ألا يعرف من دعاه من هو ..ألم يرى من دعاه حجم الإيرانيين الذين خرجوا إلى المنافي وللأبد بطلب أبيه ومن جراء نظام أبيه ثم دكتاتورية الملالي من بعده.. ألم يرى من دعاه وسمع بما يجري في إيران من رفض للدكتاتورية سواء دكتاتورية الشاه أو الملالي، وهل يقبل من دعاه دعوة أحدٍ من أبناء أو أحفاد الطاغية شاوشيسكو ممثلا عن الشعب الروماني، وهنا يأتي تطابق القول العربي عليهم (إن كنت لا تدري فتلك مصيبة لأنك أنت الغرب الجميل المثقف المتحضر فكيف لا تدري .. وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم لأنك بذلك تُجرمُ عن عمد وتعلن براءتك من كل إدعاءاتك)، ولا نعلم هل يخشى الغرب من قيام حكومة ديمقراطية في إيران تحترم مبادئ الجوار والسلم والأمن الدوليين، ولماذا؟هل لا زالوا بحاجة إلى أزمة ينفقوا فيها أسلحتهم ..وهل لا زالت لديهم أسلحة للبيع حتى يبتزون بها أموال العرب بعد أن أتت الحرب الأوكرانية على مخزونهم في حين أصبح للعرب مصادر متنوعة للتسلح والتبادل التجاري.. هل لا زال الغرب بتلك الذهنية الإستعمارية العتيقة المعتقة؟
قضي الأمر يا سادة فبدعة العولمة تأتي عكسيا على كل المخططات، وعولمة الصين اليوم وتوجه روسيا يقضيان على كل شيء وعندها لن يبقى للغرب قدم ولا أثر ولا قدر في الشرق الأوسط كله وليس في إيران وحدها.. وستنتصر ثورة الشعب الإيراني وستتحرر الشعوب من قبضة استبداد وإرهاب الملالي .. وإن غدا لناظره قريب.
د.محمد الموسوي / كاتب عراقي