يون صن تكتب:
الصفقة السعودية - الإيرانية.. نظام عالمي مختلف ترعاه الصين
يحاول الدبلوماسيون والمحللون في جميع أنحاء العالم كشف سرّ نجاح التوسط الدبلوماسي الصيني في اتفاق السلام الذي جمع المملكة العربية السعودية وإيران. وإضافة إلى بروز الصين في دور جديد وغير مسبوق بصفتها صانعة سلام في الشرق الأوسط، يدرك الأميركيون أن بلادهم تفقد نفوذها في المنطقة لصالح بكين التي يتواصل احتكارها الهادئ لدور دبلوماسي قيادي.
ويحمل نجاح الصين في التوسط في الصفقة التي أُعلن عنها في 10 مارس أهمية كبيرة تشمل مجالات عدّة.
وبينما يجب أن ينتشر الوعي بين الجمهور فيما يتعلق بالدور الصيني، يبقى من المهم تحليل النوايا الإستراتيجية لبكين التي دفعتها نحو هذا النهج الدبلوماسي وما قد يعنيه هذا بالنسبة إلى دور الوساطة الصيني في النقاط الساخنة العالمية الأخرى مستقبلا.
وتبقى تفاصيل الصفقة غامضة رغم الإعلان الكبير. حيث عادت العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، لكن تفاصيل التنازلات التي قدمها البلدان لا تزال غير معروفة. ويصعب تحديد درجة الانخراط الصيني في القضايا والمقترحات التي جمعت الدولتين. وذكر مصدر دبلوماسي إيراني أن السعودية هي التي تواصلت مع الصين لتسهيل الحوار خلال زيارة الرئيس شي جين بينغ إلى الرياض في ديسمبر 2022. ثم نقلت الصين الرسالة خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى بكين في فبراير الماضي. وليس من الواضح ما إذا شاركت الصين في أيّ مقترحات جوهرية خلال العملية حيث تفاوضت المملكة العربية السعودية وإيران على شروطهما الفردية.
وسيكون وصف الصين بـ”صانع” اتفاقية السلام خداعا ومبالغة، حيث كانت المحادثات السعودية – الإيرانية قائمة منذ فترة، وخاصة في العراق حتى تغير القيادة في بغداد خلال العام الماضي. ويبدو أن تحرّك الصين تأسس على الزخم الإيجابي ولم يخطط له فجأة.
وتكمن وراء الاتفاق الإيراني – السعودي رغبة حقيقية في المصالحة في المنطقة في فترة غموض عالمي تسوده تحديات محلية واقتصادية ملحة. وتسعى دول المنطقة، بما في ذلك إيران والسعودية، إلى تهدئة التوترات.
في هذا الإطار، تكمن قوة الصين في الحفاظ على علاقة مع طهران والرياض وليس في الوساطة. وتتمتع الصين بنفوذ حاسم لكونها من الشركاء القلائل المتبقين لإيران مع استمرار تدهور وضعها الداخلي وزيادة الضغوط الخارجية المسلّطة عليها. ويعزز هذا النفوذ مصداقية الصين المراقبة لإيران في أعين السعودية. وأثبتت بكين نفسها كونها شريكا اقتصاديا حريصا وموثوقا للمملكة خلال العقود الماضية. كما تدفع العلاقات المتدهورة بين السعودية والولايات المتحدة بالرياض نحو بكين.
ومن المؤكد أن الصفقة السعودية – الإيرانية تمثّل انتصارا كبيرا للصين بغض النظر عمّا قدمته بالفعل أو ما إذا كانت في الحقيقة قد استغلت الفرصة المتاحة أمامها. ويبقى التصوّر هو أن الصين برزت بصفتها لاعبا قويا رئيسيا في الشرق الأوسط. والأهم من ذلك أن الصفقة التي توسطت فيها الصين تشكل تناقضًا حادًا مع التوترات المتصاعدة بينما تنسق الولايات المتحدة وإسرائيل ردودهما على البرنامج النووي لإيران. ويثير هذا الشكوك في تحالف إقليمي تقوده الولايات المتحدة بشأن إيران ومستقبل ديناميكية المنطقة.
ركّزت علاقات الصين مع المنطقة تقليديا على إمدادات الطاقة بدلاً من التأثير السياسي، حيث أصبحت الصين الآن أكبر مشتر لنفط الشرق الأوسط. ورغم اقتراح بكين لمبادرات سلام بشأن إسرائيل وفلسطين وحتى سوريا، كانت الخطط في الغالب مواقف سياسية تفتقر إلى المضمون بشأن حل النزاع أو التنفيذ. لكن العلاقات الاقتصادية عززت الرؤية الدبلوماسية الصينية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. وهذا الاختراق الدبلوماسي لا يقدر بثمن بالنسبة إلى الصين في إطار منافستها مع الولايات المتحدة.
ولا تتعلق صفقة الشرق الأوسط إستراتيجيا بالنسبة إلى الصين بالمنطقة فقط، بل بتأسيس النظام العالمي البديل والسلام والأمن اللذان سيجلبهما هذا النظام على النحو الذي تصوره الرئيس شي ومبادرة الأمن العالمي الذي يتّبعها. وتتمحور المبادرة حول مفهوم الأمن الجماعي والتعاوني والشامل والمستدام لجميع البلدان، ويشكل من وجهة النظر الصينية تناقضًا حادًا مع “الفوضى وعدم الاستقرار” المنتشرين تحت القيادة الأميركية.
ويسعى العديد من شركاء الصين إلى المبادرة لكونها تشكل نموذجا بديلا للنظام العالمي عوضا عن السعي إلى تكييف بكين في النظام الدولي الحالي. ولا يقتصر الاتفاق السعودي – الإيراني على تمجيد قيادة شي في بداية ولايته الثالثة، بل يُعدّ كذلك دليلًا على أن رؤية الصين للعالم البديل ذات مصداقية، وقابلة للتطبيق، وعلى أنها متفوقة.
وبينما يزور شي موسكو هذا الأسبوع، يثير نجاح الصين في الصفقة السعودية – الإيرانية التوقعات بشأن دورها المحتمل في حرب أوكرانيا. لكن الاختلاف الأساسي بين الوضع الروسي – الأوكراني والعلاقات السعودية – الإيرانية هو أن الرياض وطهران كانتا تريدان تحسين العلاقات. ولا تريد روسيا ولا أوكرانيا إجراء حوار للتفاوض بشأن نهاية الحرب في المستقبل المنظور.
ومن المتوقع أن يرسم شي صورة الدبلوماسية المكوكية بين روسيا وأوروبا، وبين روسيا وأوكرانيا. وستحاول الصين تقديم نفسها وكيلا للسلام وليس وكيلا لروسيا. لكن اتفاق السلام يختلف تمامًا. وإذا تمكن شي من إقناع روسيا ببدء حوار مع أوكرانيا، فسيكون ذلك نجاحًا دبلوماسيًا مهمًا آخر بغض النظر عن نتيجته.