د. صبري عفيف يكتب لـ(اليوم الثامن):
الرياض ومشروع «الحج إلى واشنطن» الأموال السعودية ومجموعات الضغط الأمريكية
ترتبط أهمية الجماعات الضاغطة بالدور الفاعل الذي تلعبه داخل النظام السياسي للتأثير على قرارات السلطة من خارجها، فهي لا تسعى للوصول إلى السلطة كما هو الأمر بالنسبة للأحزاب السياسية، وإنما لجعل قرارات هذه السلطة تتطابق مع أفكار ومصالح الفئات التي تمثلها.
وهي نوع من الجماعات التي يلجأ إلى تكوينها أو الانضمام إليها بعض أفراد أو مجموعات من أفراد مجتمع ما بهدف التأثير على سياسته العامة بشأن موضوع أو قضية محددة، تمثل بالنسبة إلى هؤلاء الأفراد أو تلك الجماعات مصلحة جوهرية مشتركة تربط بينهم لذلك، عادة ما تعرفـها الأدبيات السياسية بأنها “تنظيمات تستهدف التأثير في صانعي القرار”
اعتمد مشروع «الحج إلى واشنطن» اعتمادًا كبيرًا على قاعدة بيانات «فارا» والسجلات المنشورة فيها، وبحثنا في أكثر من 5500 وثيقة، قرأنا كل واحدة منها مرة، وراجعناها مرة، وكافة الأرقام المذكورة في تقاريرنا رُوجعت ثلاث مرات، وسننشر تباعًا قرابة 100 قصة صحفية، للاطلاع على نتائج المشروع من هنا.
مشروع «الحج إلى واشنطن» يعدُّ العمل الأوسع والأشمل على الإطلاق في تغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط، والدول العربية بالإضافة لتركيا وإيران، وأفغانستان وباكستان، ويغطِّي المشروع العقد الماضي من 2010 وحتى ما بعد منتصف 2020، ويقدِّم قراءة معمَّقة تربط تفاصيل عمل اللوبيات بما يوازيها من تطورات الأحداث في المنطقة..
تكمن جذور صعود جماعات الضغط هذه إلى الصدارة في واشنطن، في أعقاب الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001. وكما تتذكرون، فإنه مع كون 15 من هؤلاء الانتحاريين الـ19 هم مواطنون من المملكة العربية السعودية، لم يكن من المستغرب غضب الرأي العام الأمريكي من المملكة العربية السعودية. رداً على ذلك، أنفقت العائلة الحاكمة السعودية نحو 100 مليون دولار على مدى عقد لتحسين هذه المفاهيم العامة والاحتفاظ بنفوذها في العاصمة الأمريكية.
وقد أثبت نجاح عملية الضغط هذه حتى عام 2015، ولمواجهة هذا السخط، قال الكاتب: هب النظام السعودي -والذي انتابه القلق- بإنفاق 100 مليون دولار على مدار العقد التالي لهجمات سبتمبر؛ لتحسين صورته أمام الشعب الأميركي، والحفاظ على نفوذه في واشنطن
وزادت توتر العلاقات مع إدارة أوباما بشأن الإتفاق النووي الإيراني. ولكن بعد أن فاز دونالد ترامب بالرئاسة، رأى السعوديون فرصة لا مثيل لها وأطلقوا دعاية كبيرة لدعمه، وحملة انتخابية قوية للرئيس المنتخب حديثاً والكونجرس الذي يقوده الجمهوريون، والذي بطبيعة الحال يكلف الكثير من المال.
ونتيجة لذلك، فإن نمو عمليات الضغط في المملكة سوف يكون غير عادي. في عام 2016، وفقًا لسجلات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، تم توضيح أنهم أنفقوا ما يقارب 10 ملايين دولار على شركات الضغط. في عام 2017، تضاعف هذا الرقم ثلاث مرات تقريبًا ليصل إلى 27.3 مليون دولار.
وهذا مجرد رقم أساسي لعملية أكبر بكثير من أجل شراء النفوذ في واشنطن، حيث أنه لا يشمل مبالغ كبيرة تُمنح لجامعات النخبة أو مؤسسات الفكر والرأي مثل، على سبيل المثال لا الحصر، معهد دول الخليج العربي ومعهد الشرق الأوسط ومركز الإستراتيجية والدراسات الدولية.
وقال الكاتب إن اللوبي السعودي نجح في ذلك حتى عام 2015، عندما تخبطت علاقة الرياض مع إدارة أوباما بسبب البرنامج النووي الإيراني.
وأضاف: لكن ومع صعود دونالد ترمب، وجد السعوديون فرصة كبيرة، وأطلقوا حملة شاملة لخطب ود الرئيس الجديد وجمهوريي (الكونجرس)، وأنفقوا عام 2016 وحده ما يقترب من 10 ملايين دولار على شركات اللوبي، وارتفع الرقم عام 2017 إلى 24 مليوناً، لا تشمل مبالغ أخرى أُنفقت على مؤسسات بحثية تميل إلى السياسات السعودية.
يقول فيرمان "وفقًا لتقرير صادر عن برنامج مبادرة الشفافية في التأثير الأجنبي، الذي أقوم أنا بإدارته في مركز السياسة الدولية، قام وكلاء أجانب مسجلون يعملون لمصالح السعودية بالتواصل مع ممثلي الكونغرس والبيت الأبيض ووسائل الإعلام وأشخاص ذوي نفوذ لأكثر من 2500 مرة في عام 2017 وحده."، مشيرا إلى أنه في هذه العملية، قاموا بدعم الخزائن السياسية لأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب بحوالي 400,000 دولار، وحثوهم على دعم السعوديين. وقد تم تقديم بعض هذه المساهمات، مثل مساهمة لامبكين، في نفس اليوم الذي تم فيه تقديم طلبات لدعم مبيعات الأسلحة تلك.
على الجانب الديمقراطي، يقول فريمان إن السعوديين وقعوا عقدًا بقيمة 140 ألف دولار شهريًا مع مجموعة بوديستا، برئاسة توني بوديستا، الذي كان شقيقه جون عضو ديمقراطي منذ فترة طويلة وكان كذلك الرئيس السابق لحملة هيلاري كلينتون الرئاسية. وقام توني بوديستا في وقت لاحق بإيقاف شركته وتم التحقيق معه من قبل المستشار الخاص روبرت مولر بسبب عمله كوكيل أجنبي غير مسجل.
وتحدث الكاتب الأميركي بن فريمان إن المملكة العربية السعودية شعرت بتوتر متزايد في مايو 2017؛ لأن "الكونجرس" كان حينها يدرس تشريعاً لقطع المساعدات العسكرية عن الرياض ومنع بيع الأسلحة لها، بسبب حرب التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. واضاف الكاتب في مقال نشره مركز تبادل المعلومات "Information clearing house" وترجمه "الموقع بوست" أن النظام السعودي لجأ إلى سلاح فعّال لمنع التشريع، وهو جيش من شركات اللوبي (جماعات الضغط) لمنع صدور هذا التشريع.
وكشف مدير مبادرة شفافية التأثير الأجنبي بمركز السياسة الدولية أنه برغم الأدلة المتزايدة على أنَّ الحملة الجوية في اليمن، التي تُوفِّر لها الولايات المتحدة الدعم والإمدادات وعمليات إعادة التزوُّد بالوقود كانت تستهدف المدنيين، تَبَيَّن أنَّ الحكومة السعودية كانت تملك السلاح اللازم للإبقاء على تدفق تلك القذائف وأشكال الدعم الأخرى
وبحسب الكاتب فإنه في ذلك العالم وصل عدد جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة العاملة لصالح النظام السعودي إلى أكثر من 24 شركة، أبرزها "مارك لامبكن"، والتي تلقت نصف مليون دولار من الرياض.
وكشف الكاتب أن استئجار السعودية تلك الشركات وضعها في رأس قائمة أكبر جماعات الضغط لعام 2017، وفقاً لاستقصاء أجرته مجلة ذا هيل في واشنطن العاصمة.
وقال: كانت قصة لامبكين استثنائية عندما تعلق الأمر بجهات الضغط التي تعمل لصالح السعودية"، مشيرا إلى أن الحكومة السعودية وفرت جماعات ضغط كبيرة، وساعدت بدورها في إقناع أعضاء الكونغرس والرئيس بتجاهل انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة والإصابات المدنية في اليمن.
ولفت الكاتب الأمريكي إلى أن دور مارك لامبكين هو مجرد دور فرعي صغير في قصة الأموال السعودية التي تنفق باستمرار في واشنطن. وقال "هي مثل حكاية مدهشة عن سياسة "ادفع لكي تلعب"، والتي سيتم استخدامها بلا شك مرة أخرى في الأسابيع المقبلة حيث تعمل جماعات الضغط السعودية لمنع جهود الكونغرس الجديدة لإنهاء المشاركة الأمريكية في الحرب اليمن".
في مايو 2017، أحس السعوديون بالقلق، فلأكثر من عامين كانوا يعتمدون بشدة على الدعم العسكري الأمريكي والقنابل أمريكية الصنع لهزيمة المتمردين الحوثيين في اليمن. والآن، مجلس الشيوخ يدرس قراراً من الحزبين بقطع المساعدات العسكرية ووقف بيع كميات كبيرة من القنابل الأمريكية الصنع للمملكة العربية السعودية. لحسن حظهم، على الرغم من تصاعد الأدلة على أن الحملة الجوية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تستهدف المدنيين في اليمن، فقد تبين أن الحكومة السعودية لديها السلاح اللازم فقط للحفاظ على تلك القنابل وأنواع أخرى من المساعدات التي تأتي في طريقها، وهذا عبر جيش من جماعات الضغط.
في ذلك العام، ضمت قواتهم جماعات الضغط في واشنطن أعضاء في أكثر من عشرين من شركات الضغط والعلاقات العامة. وكان من أبرزهم مارك لامبكين، الشريك الإداري لمكتب واشنطن "لبراونشتاين حياة فاربر شريك"، وهي الشركة التي دفع لها ما يقارب نصف مليون دولار من الحكومة السعودية في عام 2017. السجلات من قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، تبين أن لامبكن إتصل بمكاتب لأعضاء في مجلس الشيوخ أكثر من 20 مرة بخصوص الحل، فعلى سبيل المثال، تحدث مع المدير التشريعي للسيناتور تيم سكوت في 16 مايو 2017. وربما كان من قبيل الصدفة، أن لامبكين قدم مساهمة بقيمة 2000 دولار إلى لجنة العمل السياسي التابعة لعضو مجلس الشيوخ في ذلك اليوم.
وفي يوم 13 يونيو، صوت سكوت للسماح للسعوديين بالحصول على القنابل. وبعد عام، تم استخدام نوع القنبلة المصرح بها في ذلك البيع في الغارات الجوية التي قتلت المدنيين في اليمن.
كانت قصة لامبكين استثنائية عندما تعلق الأمر بالجهات الضغط التي تعمل لصالح المملكة العربية السعودية. لقد وظفت الحكومة السعودية جماعات ضغط كبيرة، وساعدت بدورها في إقناع أعضاء الكونغرس والرئيس بتجاهل انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة والإصابات المدنية في اليمن.
وفقًا لتقرير صادر عن برنامج مبادرة الشفافية في التأثير الأجنبي، الذي أقوم أنا بإدارته في مركز السياسة الدولية، قام وكلاء أجانب مسجلون يعملون لمصالح المملكة العربية السعودية بالتواصل مع ممثلي الكونغرس والبيت الأبيض ووسائل الإعلام وأشخاص ذوي نفوذ لأكثر من 2500 مرة في عام 2017 وحده. في هذه العملية، قاموا بدعم الخزائن السياسية لأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب بحوالي 400,000 دولار، وحثوهم على دعم السعوديين. وقد تم تقديم بعض هذه المساهمات، مثل مساهمة لامبكين، في نفس اليوم الذي تم فيه تقديم طلبات لدعم مبيعات الأسلحة تلك.
دور مارك لامبكين هو مجرد دور فرعي صغير في قصة الأموال السعودية التي تنفق بإستمرار في واشنطن. هي مثل حكاية مدهشة عن سياسة "إدفع لكي تلعب"، والتي سيتم إستخدامها بلا شك مرة أخرى في الأسابيع المقبلة حيث تعمل جماعات الضغط السعودية لمنع جهود الكونغرس الجديدة لإنهاء المشاركة الأمريكية في الحرب الكارثية في اليمن.
هذا الارتفاع الكبير في الإنفاق سمح للسعوديين بزيادة عدد جماعات الضغط التي تمثل مصالحهم على جانبي الممر بشكل كبير. قبل أن يتولى الرئيس ترامب منصبه، وقعت الحكومة السعودية صفقة مع مجموعة مكيون، وهي شركة ضغط برئاسة هاورد ماكيون، الرئيس الجمهوري السابق للجنة العسكرية المسلحة في مجلس النواب. شركته تمثل شركة لوكهيد مارتن، واحدة من كبار مزودي المملكة بالمعدات العسكرية. على الجانب الديمقراطي، وقع السعوديون عقدًا بقيمة 140 ألف دولار شهريًا مع مجموعة بوديستا، برئاسة توني بوديستا، الذي كان شقيقه جون عضو ديمقراطي منذ فترة طويلة وكان كذلك الرئيس السابق لحملة هيلاري كلينتون الرئاسية. وقام توني بوديستا في وقت لاحق اوقف شركته وتم التحقيق معه من قبل المستشار الخاص روبرت مولر بسبب عمله كوكيل أجنبي غير مسجل.
وتذكروا أن كل هذه القوة الجديدة أضيفت إلى ترسانة هائلة بالفعل من جماعات الضغط ووسطاء النفوذ المؤثرين، بما في ذلك الجمهوري السابق في مجلس الشيوخ، زعيم الأغلبية ترينت لوت، والذي كان "منخرطاً بعمق في عملية توظيف ترامب في البيت الأبيض" بحسب ماقاله لي فانغ موظف صحيفة الإنترسبت. بالإضافة إلى ذلك السناتور السابق نورم كولمان، رئيس شبكة العمل الأمريكية المؤيدة للحزب الجمهوري. في عام 2017، وقعت المملكة العربية السعودية مع 45 شركة مختلفة مسجلة في "قانون تسجيل الوكلاء الأجانب" وأكثر من 100 شخص مسجل في الولايات المتحدة كعملاء أجانب سعوديين في الولايات المتحدة. يكشف هذا النشاط عن نمط واضح: فالعملاء الأجانب السعوديون يعملون بلا كلل من أجل صياغة مفاهيم ذلك البلد وأفراد العائلة الملكية وسياساته وخاصة حربه الكئيبة في اليمن، بينما يعملون في الوقت نفسه على إبقاء الأسلحة الأمريكية والدعم العسكري يتدفق إلى المملكة.
على الرغم من أن مصطلح "وكيل أجنبي" غالباً ما يستخدم كمرادف أفراد اللوبي او جماعات الضغط، إلا أن جزءًا من العمل الذي يقوم به ممثلوا المملكة المدفوعون يشبه نشاط العلاقات العامة أكثر بكثير من مجرد ممارسة الضغط المباشر. على سبيل المثال، في عام 2017، تم رصد وكلاء الأجانب السعوديون يجرون اتصالات بمنافذ إعلامية أكثر من 500 مرة، بما في ذلك التواصل الهام مع وسائل الإعلام الوطنية مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست وصحيفة وول ستريت جورنال و الـPBS ، التي بثت العديد من الوثائق عن المملكة. وشملت أيضا صحف أصغر مثل بيتسبرغ بوست حتى أيضاً ESPN، على أمل تشجيع لقصص إيجابية .
قال موقع ميدل إيست مونيتور في نسخته الناطقة باللغة الاسبانية، أن السلطات السعودية تعمل على تحسين صورتها قبل تنصيب جو بايدن في العام الجديد، وتوظيف جماعات الضغط في أمريكا للتواصل مع المشرعين.
واضاف موقع " Monitor De Oriente" أن إحدى جماعات الضغط التي جندتها المملكة العربية السعودية هي شركة العلاقات العامة LS2 Group ، والتي وقعت معها عقدًا لمدة عام في 2019 بتكلفة 1.5 مليون دولار.
وكشفت الوثائق أيضًا أن المملكة العربية السعودية ستستخدم خدمات مجموعة أرينا الاستراتيجية، كما هو مبين في سجلات العقد الموقع في 1 ديسمبر، مع لجنة الشركة "لإبلاغ الجمهور والمسؤولين الحكوميين ووسائل الإعلام بـاهمية تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية ".
وفقًا للوثائق المسربة، تم توقيع العقد، الذي تبلغ قيمته 5000 دولار شهريًا، بعد أسابيع قليلة من فوز بايدن في الانتخابات.
وتدفع المملكة العربية السعودية أيضًا 25000 دولار شهريًا لشركة Off Hill Strategies لفترة من أكتوبر إلى 18 يناير 2021، لذا فإن جماعة الضغط "ستدعم جهود السفارة للتواصل مع الكونجرس وتقوية العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ".
وتشير الأرقام الصادرة عن مركز السياسة المستجيبة (CRP) ، وهي منظمة مستقلة مقرها واشنطن ، إلى أن المملكة العربية السعودية أنفقت في عام 2018 أكثر من 30 مليون دولار على جماعات الضغط وحوالي 5 ملايين دولار في عام 2020 حتى الآن.
وشهدت علاقات الرياض مع البيت الأبيض تقاربا مهما في عهد دونالد ترامب الذي أقام علاقة شخصية مع حكام المملكة وشن حملة "أقصى ضغط" على خصمه إيران كما بدا. الدهون لانتهاكات الرياض لحقوق الإنسان.