د. صبري عفيف يكتب لـ(اليوم الثامن):
الجنوب وأزمة القيادة الاستراتيجية
د. صبري عفيف العلوي
في مقالتي هذه سأقف عند إشكالية متجذرة في التاريخ السياسي الجنوبي منذ زمن بعيد ألا إنها "أزمة القيادة" بشكل عام و" وغياب القيادة الاستراتيجية" بشكل خاص، فلماذا غاب القائد الاستراتيجي؟ وكيف توالت الأزمات والحروب والتصدعات داخل بنية المجتمع الجنوبي في ظل أزمة القيادة؟
ستحاول هذه المقالة ملامسة تلك الإشكالية من خلال هذه السطور، في سبيل إيضاح مكامن الضعف والمخاطر، لمواجهة التحديات المحدقة ضد شعبنا الثائر الصابر.
إنا القيادة في اللغة مشتقة من قاد يقود قيادة، وهي نقيض ساق يسوق سوقة، يقال: يقود الدابة من أمامها، ولكن: يسوق الدابة من خلفها، وبالتالي: فأن مكان القائد هو المقدمة.
وتعرف القيادة بأنها نشاط وفعالية تحتوي على التأثير على سلوك الآخرين كأفراد وجماعات نحو انجاز وتحقيق الأهداف المرغوبة، لابد للمجتمعات على اختلافها من قيادة توجهها، وتتولى التنظيم والتنسيق بين جميع فئات المجتمع ومناشطه، وهذه القيادة تصبغ المجتمع بوجهتها وتضفي عليه طابعها المميز.
إن الدارس للتاريخ السياسي الجنوبي المعاصر يرى أن غياب القيادة الاستراتيجية تشكل خطرا كبيرا على بنية المجتمع الجنوبي وهويته وحضارته.
وسوف نعرج على أربع مراحل تاريخية تمثل جوهر تلك الأزمة، المرحلة الأولى: فترة حكم الجنوب العربي من قبل السلطنات والامارات والمشيخات، في تلك الفترة تمزقت أوصال الجنوب وضاعت كثير من حقوقه السياسية والتاريخية ومن المؤسف أنه خلال تلك الفترة الطويلة التي تجاوزت ثلاثة قرون لم يبرز قائد ناجح أو قيادة حكيمة؛ لـتأخذ زمام المبادرة في قيادة الجنوب نحو التطوير والتحديث مقارنة مع بقية البلاد العربية الأخرى كالمملكة العربية السعودية وكذلك الامارات العربية المتحدة وغيرها وسلطنة عمان وغيرها من بلدان المنطقة، وفي محاولات الاستعمار البريطاني توحيد تلك السلطات تحت قيادة واحدة والتي استمرت 9 أعوام إلا إنها باءت في الفشل وكانت أبرز أسباب فشلها هي من يقود هذا الاتحاد او القيادة لهذا الكيان.
وفي المرحلة الثانية: مرحلة الثورة والتحرر برزت قيادة مرحلة للثورة حتى حققت أهدافها في 30 نوفمبر 67م بنيل الاستقلال، وفي تلك المرحلة الحساسة غاب القائد الاستراتيجي رغم محاولات الرئيس القائد قحطان الشعبي ورفيقه فيصل عبداللطيف اللذان يعدان القائدان الوحيدان اللذان يحملان شهادات علمية جامعية، في اطار جمهورية اليمن الجنوبية والجمهورية العربية اليمنية وربما دول شبه الجزيرة العربية، فالقائد الرئيس قحطان يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة السودان، والقائد فيصل عبداللطيف شهادة البكلاريوس في العلوم الإدارية والاقتصادية من جامعة عين شمس، رغم ذلك لم يترك لهما الفرصة، فلم تمر من فترة توليهم الحكم سوى سنتين وكان السجن والإقامة الجبرية للأول والإعدام للثاني، ثم توالت القيادة العقيمة غير استراتيجية واللامدركة، فالرئيس سالم ربيع علي وعبدالفتاح إسماعيل وعلي ناصر عنتر وعلي ناصر محمد وعلي سالم البيض، فجميعهم لا يتعدى مستواهم التعليمي الابتدائي ولا يملكون استراتيجية قيادة المرحلة الحساسة، مما جعل البلد يدخل في حروب ونكبات لا نهاية لها لاسيما حين سلمت إدارة الملفات المهمة لعصابات يمنية استخباراتية لعبوا لعبتهم القذرة في حرف مسار الثورة لتضييع إنجازاتها العظيمة.
وفي المرحلة الثالثة: كانت كارثة الوحدة حين غابت القيادة الاستراتيجية وضاع القائد الناجح، فصرنا فريسة سهلة للقوى اليمنية والإقليمية، وبعد احتلال الجنوب صمت شعب الجنوب ولم يولد قياديا أو ثائرا يقود المرحلة حتى مطلع 7 يوليو/ 2007م تجلت القيادات الشعبية والجماهيرية التي تصلح لقيادة مرحلة معينة ولا تصلح لقيادة مرحلة أخرى، فبرزت التناقضات والصراعات الشخصية بين صفوفها وكانت أزمة القيادة هي السائدة في مرحلة ثورتنا.
وفي المرحلة الرابعة: مرحلة النضال السياسي والدبلوماسي التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي وبعد مرور بضعة أعوام يحاول الرئيس القائد عيدروس الزبيدي أن يقود المرحلة بمهارات معينة لكن أزمة القيادة مازالت تتوالى؛ بل أن غياب القيادة الاستراتيجية تشكل عقبة كبيرة أمام أهداف ثورتنا مما يجعلنا نقع في المسار نفسه الذي وقع في أجدادنا وآباءنا.
لقد تابعنا كل محطات الحوار السياسي والدبلوماسي ابتدأ من اتفاقية ومشاورات الرياض والمشاركة في الرئاسة والحكومة وكذلك الحراك الدبلوماسي الجنوبي في الخارج والتي كان أخرها لقاءات ومقابلات اجتماعات الأمم المتحدة وما نتج عنها من مواقف ما بين الإيجابية والسلبية تبين أن القيادة السياسية والدبلوماسية الجنوبية ما زالت تعاني من تلك الإشكالية القديمة الجديدة التي أصابت شعبنا في الجنوب بمقتل.
مما سبق تبين:
- أن الجنوب يعاني من إشكالية كبيرة في القيادة سواء أكانت في الهرم أم في الوسط أم في المستويات الدنيا.
- عدم الاستفادة من التجارب السابقة في مشاركة القيادات اليمنية الاستخباراتية الاستراتيجية التي لها رصيد وباع كبير في فن الإدارة والقيادة وهذا ليس بغائب عنا.
التوصيات:
1- بذل الجهود المضنية عن القيادات الإدارية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاستفادة منهم في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ شعبنا في الجنوب.
2- التدريب والتأهيل للكوادر الوطنية الشابة بعد أن تكتشف مهاراتها وقدراتها السياسية والإدارية والمعرفية.
3- الابتعاد عن المناطقية والشخصنة والمصلحة الذاتية المقيتة لاسيما في اختيار القيادات الدبلوماسية والسياسية والإدارية.