حسين موسى يكتب لـ(اليوم الثامن):
خمس بقرات حمراء تعيد مجد بنى اسرائيل
كشفت القناة 12 الاسرائيلية عن وصول خمس بقرات حمراء عام 2022م، قادمة من ولاية تكساس الامريكية على متن طائرة خاصة وسط اجراءات امنية مشددة ، وتم وضعها داخل مزرعة سرية فور قدومها تمهيدا لحرقها ونثر رمادها لتطهير اليهود . فما هي القصة ؟ وهل هي نبوة دينية ام لعبة سياسية صهيونية ؟ وهذا ما سوف نكشف عنه في هذا المقال التحليلي .
فكرة البقرة الحمراء دينيا :
وتعود فكرة البقرة الحمراء ( بارا أدوما بالعبرية )الى نصوص المشناة وهى عبارة عن شروح التوراة وهى جزء من كتاب التلمود وتتلخص الفكرة في ضرورة ظهور بقرة خالصة الاحمرار كما ورد فى سفر العدد حيث وصف هذا السفر طقس البقرة الحمراء حيث امر بنو اسرائيل بإيجاد بقرة حمراء بلا بقع مسلم لا عيب فيها ولم ينزل عليها نبر ،كما توجد شروط اخرى للبقرة الحمراء لم تذكر صريحة فى التوراة وهى ان تكون البقرة مولودة ولادة طبيعية وليست قيصرية ويحب ان تكون تم تربيتها داخل ارض اسرائيل لمدة عامين ولم تحلب ولم تحمل ولم يوضع برقبتها حبل وانه حسب المزاعم الصهيونية بمجرد ظهورها سوف يظهر المخلص الذى يعيد مجد بنى اسرائيل ويعيد السلام الى الارض وبذلك تكون نهاية العالم
عملية التطهير :
وتبدا عملية التطهير عقب ظهور هذه البقرة ومطابقتها للشروط بان تُحرق البقرة بعد ذبحها خارج المعسكر في جبل الزيتون المقابل للمسجد الاقصى ،بعد إضافة خشب الأرز والزوفا (الزوفا أو الزُّوفَى أو أسنان داود (الاسم العلمي: Hyssopus) (بالإنجليزية: Hyssop) هي جنس من النباتات وهى عشبة حولية أو معمرة يبلغ ارتفاعها نحو 50 سم كثيرة الفروع، عطرية الرائحة، أوراقها حرابية الشكل مجعدة متقابلة وغير مسننة وصغيرة تشبه الحراشف.) والصوف أو الغزل القرمزي المصبوغ ويوضع الرماد المتبقي في إناء يحتوي على ماء نقي.
وفي عقيدة بني إسرائيل، يرش الماء باستخدام مجموعة من الزوفا على الشخص الذي أصبح ملوثا نتيجة ملامسته للجثة لتطهيره من النجاسة. في اليوم الثالث والسابع يصبح الكاهن نفسه الذي يقوم بالطقوس نجسًا ويجب عليه أن يغسل نفسه وثيابه في مياه جارية، ويعتبر مع ذلك نجسًا حتى مساء اليوم
وطبقا للشريعة اليهودية يجب ان تذبح البقرة بعد التأكد من دخولها العام الثالث من عمرها وفى يوم محدد من العام وهو الثاني من شهر ابريل العبري حيث ورد في شريعة التلمود ان سيدنا موسى عليه السلام ذبح اول بقرة حمراء في التاريخ اليهودي في ذلك اليوم
التاريخ القديم لذبح البقرة الحمراء :
ان وجود بقرة حمراء تتوافق مع جميع المتطلبات الصارمة التي تفرضها الهالاخاه.(الهالاخاه (بالعبرية: הַהֲלָכָה "السير" أو "المذهب") وهى تعنى الشريعة اليهودية وهى مجمع القوانين، التقاليد والإرشادات الدينية الموجب عليها لمن يتمسك بالديانة اليهودية. وتشمل 613 وصية) ، يجب أن يكون الحيوان بالكامل من لون واحد. وهناك سلسلة من الاختبارات التي وضعها الحاخامات للتأكد من ذلك، على سبيل المثال، يجب أن يكون شعر البقرة مستقيمًا تمامًا (للتأكد من أن البقرة لم يتم نيرانها من قبل، لأن هذا يدل على عدم أهليتها).وفقًا للتقاليد اليهودية.
تم ذبح تسعة عجول حمراء فقط في الفترة الممتدة من نبي الله موسى عليه السلام إلى تدمير الهيكل الثاني. يرويها ميشناه باراه، مشيرا إلى أن سيدنا موسى ذبح الاولى ، وعزرا الثانية، وسيمون العادل وبوشانان رئيس الكهنة، ذبح كل منهما اثنين، وذبح الجويني بن احقاف، وحنا ميل المصري، شمايل بن بياوي واحدة لكل منهما. واخر بقرة تم ذبحها منذ حوالى الفى عام في عهد ما يسمى بالمعبد الثاني
الندرة الشديدة للحيوان( البقرة الحمراء خالصة اللون )، جنبًا إلى جنب مع الطقوس التفصيلية التي يستخدم فيها، أعطت البقرة الحمراء مكانة خاصة في التقاليد اليهودية. وفى العصر الحديث يتم بذل العديد من الجهود من قبل اليهود الذين يرغبون في نقاء الطقوس التوراتية وتمهيدا لبناء للمعبد الثالث لتحديد مكان بقرة حمراء وإعادة إنشاء الطقوس.
معهد تيمبل والاستعداد لبناء الهيكل :
معهد تيمبل،او معهد الهيكل، والمعروف بالعبرية باسم ماخون همكداش (بالعبرية: מכון המקדש)، هي منظمة في إسرائيل تركز على مسعى إقامة الهيكل الثالث. أما أهداف المعهد طويلة الأجل فهي بناء المعبد اليهودي الثالث على جبل الهيكل (مكان الحرم القدسي الشريف)، في الموقع الذي تشغله حاليا قبة الصخرة، وإعادة طقوس القربان اليهودية. ويطمح المعهد إلى الوصول إلى هذا الهدف من خلال دراسة بناء الهيكل ودراسة الطقوس ومن خلال بناء آثار المعبد والملابس، ووضع خطط البناء الملائمة ليتم تنفيذها فورا متى سمحت الظروف بإعادة إعمار المكان.
وفى فبراير الماضي نشر معهد الهيكل اعلانا يطلب فيه كهنة متطوعين لتدريبهم على طقوس ذبح واحراق البقرة الحمراء واجراء عملية التطهير المقصودة وذلك بعد دخول الخمس بقرات الحمراء عامهم الثالث عقب وصولهم من الولايات المتحدة عام 2022م
كما قام معهد الهيكل بعقد موتمرا لمناقشة التحضيرات الدينية لعملية الذبح والتطهير من نجاسة الموتى للتجاوز به الفتوى الخاخامية من المنع من اقتحام المسجد الاقصى بسبب عدم الطهارة وقد اقيم الموتمر في مستوطنة شيلو شمال رام الله بالقرب من المزرعة التى تم فيها ايداع البقرات الخمس الحمراء القادمة من الولايات المتحدة والتى تم استلادها بهذه المواصفات بواسطة الهندسة الجينية
الرؤية الاسلامية لعملية الذبح والتطهير اليهودية :
سميت السورة الثانية وأطول سورة في القرآن الكريم بسورة البقرة. حيث تم سرد أحداث القصة في هذه السورة: حيث يقول عز وجل ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ٦٧ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ٦٨ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ٦٩ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ٧٠ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ٧١ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ٧٢ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ٧٣﴾ [البقرة:67–73]
يوضح ابن كثير في تفسيره لهذه الآيات وفقًا لابن عباس ، فقد أظهر عناد بني إسرائيل، الذين طرحوا أسئلة لا داعي لها على الأنبياء دون اتباع أي وصية من الله. لو أنهم ذبحوا بقرة، أي بقرة، لكان ذلك كافياً لهم، ولكن بدلاً من ذلك جعلوا الأمر أكثر صعوبة فجعل الله الأمر أكثر صعوبة عليهم
اما بالنسبة لاختلاف لون البقرة بين ما ورد في القران الكريم بانها صفراء وفى المعتقد التلمودي بانها حمراء حيث يوصف لون البقرة في التوراة بكلمة אדומה تترجم في العادة باسم الحمراء. لكن في الآونة الأخيرة، ترجمتها الدكتورة سعدية غاون إلى اللغة العربية اليهودية باسم الصفراء وهو ما يؤكده القرآن الكريم في سورة البقرة آية رقم 67 عندما أمر الله موسى أن يأمر قومه بذبح بقرة صفراء. ولتفسير هذا التناقض، يذكر سعيد الفيومي في ترجمته العبرية وتعليقه على عمل سعدية بأن التوراة تشترط أن يكون لون البقرة بني أحمر فاتح، هو في العادة اللون الطبيعي للبقرة وأن هذا اللون يوصف في العبرية بلفظ אדום وفي العربية بلفظ صفراء. وأنه يشترط فقط أن تكون البقرة من هذا اللون أو ذاك بالكامل وأن لا تحتوي على أي بقع أو عيوب بلون مختلف.
الاثار السياسية المحتملة لعملية الذبح والتطهير :
استغلت الجماعات الصهيونية هذه المزاعم لتنفيذ مخططها لهدم المسجد الاقصى وبناء الهيكل الثالث حيث عول تيار الصهيونية الدينية على هذه النبوءة ليتمكن من استقطاب عدد كبير من المتدينين اليهود الذين لا يقتحمون المسجد الاقصى عملا بفتوى الحاخامية الكبرى لدولة الاحتلال بسبب عدم الطهارة من نجاسة الموتى ومنهم المتطرف بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي وهو ما يوحى باستعجال هذه الجماعات لظروف العدوان على غزة والذهاب الى ابعد حد فيها وبتايد كامل من التيار المتشدد من حكومة نتنياهو حيث تم تجهيز منطقة فوق جبل الزيتون يفترض بها ان تكون مسرحا لعملية الذبح والتطهير المزعوم وهذه المنطقة تشرف على قبة الصخرة المشرفة من جهة الشرق وفقا للرؤية التلمودية لهذا الحدث .
في حال تنفيذ عملية الذبح والتطهير فان المواجهة من الاحتلال سوف تنتقل الى مستوى جديد تماما لان اجراء عملية التطهير سيفتح المجال من الناحية الدينية لالغاء فتوى الحاخامية بمنع اليهود من دخول منطقة المعبد وبالتالى فان عدد المنتمين للجماعات المتطرفة في اقتحام المسجد الاقصى سوف يتضاعف من 4 الى 10 مرت وان كان المتطرفون الى الان لم يستطيعوا حشد اكثر من 2300مستوطن لاقتحام المسجد الاقصى في يوم واحد فان العدد سوف يزيد ما بين 10 الى 20 الف مستوطن في اليوم الواحد عقب عملية التطهير وما يترتب على ذلك من مواجهات مع الفلسطينيين الذى سوف يدافعون عن الاقصى بأرواحهم
بالرغم من غرابة عدم ظهور أي بقرة حمراء منذ اكثر من الفى عام وتوافر خمس بقرات دفعة واحده الا انه الاكثر غرابة هو طريقة تعامل حكومة الاحتلال مع الامر فنجد وزير التراث الإسرائيلي المتطرف عيمحاى الياهو يطالب بمحو شهر رمضان والتخلص من الرعب السنوي الذى يسببه لإسرائيل
كما نجد ان رئيس الحكومة الإسرائيلية نفسه منصاع تماما لجماعة الهيكل المتطرفة والتي تمثل ذروة التيار الكاهانى الخلاصي المتطرف في دولة الاحتلال وهى بالفعل تسطير على الدولة وتدير امور الحرب واحد اهم اسباب استمرارها حيث ترى هذه الجماعات ان اهم مظاهر انتصارها في الحرب على غزة هو احكام السيطرة على المسجد الاقصى ردا على المقاومة الفلسطينية والتى اتخذت طوفان الاقصى اسما لعملياتها
واخيرا :
فان توقيت تنفيد عملية التطهير واقتحام المسجد الاقصى متوقف على رد الفعل الفلسطيني والعربي والإسلامي وخاصة ان الداخل الإسرائيلي منقسما بين تيارين احدمه يمثله اجهزة الموساد والتي تخشى من جر المنطقة الى حرب دينية ونقل المعركة الى منطقة اوسع لا تستطيع اسرائيل تحمله وتيار اخر يمثلة الصهيونية الدينية والتى تسطير على جزء كبير من الحكومة الاسرائيلية وخاصة وزارة الامن القومى التي تسيطر على جهاز الشرطة بقيادة الوزير ايتمار بن غفير ووزارة المالية التي يوقودها بتسلئيل سموتريتش وترى هذه الجماعات اعلان انتصارها انطلاقا من الاقصى وضرورة تنفيذ طقس التطير للتخلص من قرار المنع الصادر من الحاخامية الكبرى في اسرائيل
فهل لنا كعرب ومسلمين ان نتحد وننقذ الاقصى وفلسطين من براثن هذه الجماعات المتطرفة