حسين موسى يكتب لـ(اليوم الثامن):
تطور العقيدة العسكرية الاسرائيلية عقب العداون على غزة
العقيدة العسكرية هي : مجموعة المبادئ والأفكار التي تعتمدها دولة ما لترسيخ استراتيجية عسكرية خاصة بها، بحيث تشكل هذه الاستراتيجية أساسا صالحا لتحقيق استراتيجيتها العليا أو
القومية. وتستمد العقيدة العسكرية الصهيونية (التي هي أساس الاستراتيجية العسكرية "الإسرائيلية" المعاصرة) جذورها من معتقدات وأفكار من كتاب اليهود المقدس، أي "العهد القديم" الذي هو التاريخ العسكري لدى المعتمد لدى اليهود بدءا من تاريخ خروجهم من مصر (القرن الثالث عشر ق.م). حتى ثورة المكابيين على السلوقيين (في القرن الثامن ق.م)، رغم ما يشوب أحداث هذا الكتاب من أسطورة، وما يعتريها من شكوك، بسبب بعدها عن المنطق وعن العملية معا. وإذ تتخذ الحركة الصهيونية كتاب اليهود (العهد القديم) حجة ومبررا، بل سندا إلهيا، لمطالبتها السياسة بأرض الميعاد موطنا لليهود (ولسنا هنا في مجال مناقشة هذه المطالبة القائمة على العنصرية والوهم والأسطورة)، نرى أنه لا بد لأي باحث في العقيدة العسكرية الصهيونية من أن يلمس، بوضوح، و هذه العقيدة في الفكر العسكري الديني التاريخي لليهود، والذي أسهب العهد القديم، نفسه، في التعبير عنه والتأكيد عليه، بحيث شكل هذا الفكر مصدرا، لا يمكن إهماله، من مصادر العقيدة العسكرية "الإسرائيلية" المعاصرة
ويرى اللواء دكتور / فوزي طايل أن إسرائيل اعتمدت في نشأتها على القوة العسكرية .إذ كان جيل الرواد من رؤساء العصابات الصهيونية وقادة المجتمع اليهودي "الييشوعى" هم أنفسهم الذين تولوا فيما بعد القيادة السياسية العليا في الدولة عندما أعلن قيامها
أهم المعتقدات والأفكار التي تشكل، بدورها، العقيدة العسكرية الصهيونية:
يمكننا أن نستخلص، من مراجعة العهد القديم، المعتقدات والأفكار التي تشكل، بدورها، العقيدة العسكرية الصهيونية، وهي:
أولا: الطبيعة العدوانية.
ثانيا: العنف والإرهاب.
ثالثا: الاحتلال والتوسع والسيطرة.
رابعا: الحرب الجماعية أو الأمة المسلحة.
خامسا: التعبئة النفسية والمعنوية
ويرى الأستاذ / طه محمد المجدوب أن : وضعت العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية بعد قيام الدولة في أوائل عقد الخمسينات بواسطة دافيد بن جوريون مؤسس دولة إسرائيل وأول رئيس وزراء ووزير دفاع لها وقد ارتكزت إسرائيل في عقيدتها العسكرية خلال هذه الفترة المبكرة من نشأة الدولة على فكرتي الردع والتفوق النوعي القائم على التقدم التكنولوجي على الجيوش العربية كذلك اعتمدت على سرعة التدخل العسكري باستخدام ـ ذراع إسرائيل الطويلة المتمثلة في قواتها الجوية لذلك حظيت هذه القوات بالاهتمام الأول في بناء القوة المسلحة الإسرائيلية منذ قيام الدولة أما القوات البرية فقد اضطرت إسرائيل ـ نظرا للنقص الذي تعانى منه القوى البشرية الإسرائيلية ـ إلى الاعتماد على تعبئة القوات الاحتياطية التي شكلت القسم الأكبر من الجيش الإسرائيلي
ويرى الأستاذ : عادل زعرب ( كاتب وصحفي متخصص في الشئون الإسرائيلية ) أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية.. قائمة على القتل وسفك الدماء ، وهي عقيدة فاسدة تعمل على الإبادة والتطهير العرقي لمن هو غير يهودي ، ويستمد الكيان الإسرائيلي عقيدته هذه من التلمود والأفكار العقائدية القديمة من التوراة المحرفة ومن القوانين الوضعية التي وضعها جنرالات صهاينة وحاخامات يهود لاغتصاب فلسطين .فمن أقوال موشية ديان أحد وزراء دفاع الكيان الصهيوني "إسرائيل" ليس لديها سياسة خارجية وإنما سياسة دفاعية فقط أي إن إسرائيل تضع سياستها الخارجية في خدمة استراتيجيتها الشاملة ومفهومها الأمني وليس العكس كما في بقية دول العالم حيث أن تلك الدول تضيع استراتيجياتها الشاملة في خدمة تحقيق أهداف السياسة الخارجية.
والان : تطورت الاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية عما كانت عليه في الفترة الماضية حيث كانت تعتمد في عقيدتها العسكرية على الحرب السريعة الخاطفة وتعتمد اعتماد كليا على سلاح الجو الذى يدك قوى الاعداء مما يسهل الغزو البرى لها وتحقيق النصر السريع دون عناء لكن الان اختلفت تلك الاستراتيجية واصبحت تفتح العديد من الجبهات تارة مع دول الجوار وتارة مع قوى اقليمية مثل ايران فهل تعتمد اسرائيل على حليفتها الامريكية ام تستغل الضعف والصمت العربي ؟
الحقيقة ان هناك مجموعة من الاسباب ادت الى تطور عقيدتها العسكرية واستراتيجيتها في ادارة المعركة منها مايلى :
1- الفقر المائي والاطماع في المياه العربية :
احتلت المياه موقعاً هاماً في الفكر الاستراتيجي الصهيوني منذ بدء التفكير بإنشاء دولة إسرائيل، وقد استند هذا الفكر إلى ادعاءات دينية وتاريخية باطلة ناتجة عن اعتقادها بما جاء في التوراة: "كل موقع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته... كما كلمت موسى من البركة ولبنان.. هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات... وإلى البحر الكبير نحو المغيب يكون تخمكم". ولاعتقادها أن الحدود المثالية لدولة إسرائيل من النيل إلى الفرات كما ورد في التوراة أيضاً، وبناءً على هذه الادعاءات قامت الحركة الصهيونية بإيفاد الخبراء واللجان العلمية خلال القرن التاسع عشر لدراسة الموارد المائية في فلسطين، ومدى الاستفادة من مياه نهر الأردن لتوليد الطاقة الكهربائية بسبب انخفاض البحر الميت عن البحر المتوسط
وفي عام 1919، كان من أهم القرارات التي اتخذها المؤتمر الصهيوني العالمي الذي عقد بمدينة بازل بسويسرا: "يجب تذكير عصبة الأمم أنه لا بد من إدخال المياه الضرورية للري والقوة الكهربائية ضمن الحدود وتشمل نهر الليطاني وثلوج جبل الشيخ" وقد مارست الدوائر الصهيونية ضغوطاً كبيرة على المجتمعين في مؤتمر الصلح في باريس عام 1919، لجعل حدود فلسطين تضم منابع نهر الأردن ونهر الليطاني وسهل حوران في سوريا إلا أن هذه المطالب قوبلت بالرفض خصوصاً من الفرنسيين الذين وضعوا سوريا ولبنان تحت انتدابهم، وفي عام 1941، قال بن غور يون: "علينا أن نتذكر بأنه لابد أن تكون مياه نهر الليطاني ضمن حدود الدولة اليهودية لضمان قدرتها على البقاء"
ويستهلك الإسرائيليون جميع مياه الأنظمة المائية في الأراضي الفلسطينية، وقدرت بعض الدراسات أن ما يستهلكه الإسرائيليون قد بلغ 2460 مليون م3 ، وما زالت إسرائيل ترى أنها في حاجة إلى المزيد من المياه لري المزيد من الأراضي وإسكان المزيد من المهاجرين وتحقيق الرفاهية لهم، لذلك أخذت تتطلع إلى الحصول على المياه من أماكن بعيدة خارج الحدود خصوصاً وأن الظروف والمعطيات الحالية لا تشير إلى إمكانية حصول إسرائيل على المياه من نهر النيل أو الفرات حسب مخططاتها القديمة، ولذلك اتجهت لتأمين حاجاتها المائية من خلال التنسيق مع دول تتمتع بموارد مائية كبيرة، ووجدت ضالتها في تركيا.
و تعاني إسرائيل نقصًا حادًا في مصادرها المائية, وقد زادت حدة هذا الوضع بعد موجات الهجرة اليهودية المكثفة من دول أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق ووفقًا للعديد من المصادر المحلية الإسرائيلية, فأن مصادر المياه الإسرائيلية لا تزيد عن 1850 مليون م3. ولذلك فقد أشار تقرير " إسرائيل 2020 " إلى أن محصلة السكان تمثل هاجسًا مفزعًا لإسرائيل, الأمر الذي يشكل تهديد كبير على الموارد عمومًا وعلى المياه بشكل خاص حث تسببت الزيادة السكانية في إسرائيل في تناقص المعدل الذي يحصل عليه الفرد من المياه العذبة المتجددة سنويًا 229 م3. ومن المتوقع أن يقل المعدل إلى 264 م3 للفرد / السنة عام 2025 .وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل قد أعلنت رسميًا " حالة الجفاف " في 15 أبريل 1999 وطالب " آرييل شارون " وزير خارجيتها آنذاك, الدول الأوربية مساعدتها لمواجهة الأزمة المائية التي تعاني منها إسرائيل. (1)
وخلاصة القول :
أن حالة " العجز المائي الإسرائيلي " ليست نتاج متغير واحد فقط وهو محدودية الموارد المائية المتجددة سنويًا في إسرائيل, وإنما هي محصلة تفاعل جملة من المتغيرات كالزيادة السكانية الطبيعية, والتدفق المستمر للمهاجرين اليهود, والتوسع الزراعي, وتزايد معدلات التنمية الصناعية والتلوث البيئي وتتفاعل تلك العوامل مع بعضها البعض .
وهكذا يتضح أن المياه وقفت على قمة المخططات لإنشاء الدولة اليهودية، لأن قضية المياه ترتبط بقضية الوجود الصهيوني نفسه، كما يتضح أن الاهتمام الصهيوني انصب بشكل كبير على المناطق المتاخمة للحدود الشمالية لفلسطين، لأن معظم مصادر المياه التي تغذي فلسطين تنبع من كل من سوريا ولبنان، حيث يقع نهر الليطاني في الأراضي اللبنانية والذي تذهب مياهه هدراً في البحر على حد تعبير بيجين عندما غزت إسرائيل لبنان عام 82 ، لذلك بذلت الحركة الصهيونية جهوداً كبيرة لتوسيع الحدود الشمالية للاستحواذ على منابع المياه، وقد أكد ذلك العديد من الزعماء الصهيونيين أمثال حاييم وايزمان في رسالته بتاريخ 30/10/1920 إلى لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني، حيث أشار إلى أن مياه نهر الأردن واليرموك لا تفي بحاجة الدولة اليهودية، ونهر الليطاني يمكنه أن يسد هذا العجز ويؤمن المياه لري الجليل وهذا قد يسفر الاجتياح البرى المنتظر من القوات الإسرائيلية للبنان من اجل الوصول الى مياه نهر الليطاني
2- التقاء المصالح الخليجية الاسرائيلية :
حيث التقت مصالح كلا من الامارات والسعودية مع المصالح الاسرائيلية حيث تريد الامارات ان تقود المنطقة اقتصاديا كما فعلت الصين عندما قادت الاقتصاد عالميا وحيث ان الاقتصاد لا ينمو في منطقة حروب كان لابد من تحقيق الاستقرار وإزالة حركات المقاومة كحزب الله وحركة المقاومة حماس والحوثيون في اليمن
ثانيا تخلصت كلا من الامارات والسعودية من الأذرع الايرانية في المنطقة والتي كانت فزاعة لهم
اما السعودية تخلصت من سكين الحوثيين والذى يعتبر خنجرا في ظهر المملكة السعودية كما استفادت عرضا عسكريا مغريا هو صفقة تسليح بأحدث انواع الطائرات الامريكية F35 واحدث انظمة الصواريخ القادرة على ضرب ايران من ارضها والمقابل الاعتراف بإسرائيل والتطبيع الكامل
3- انشغال مصر في امنها المائى وتامين الجبهة الجنوبية والغربية
وخاصة ان مصر استغرت مدى التوغل الأثيوبي في منطقة القرن الأفريقي ومدى رغبة إثيوبيا في وجود منفذ بحرى لها وامكانية اغلاق المضيق باب المندب ومدى تأثر قناة السويس بذلك
لذا رات القيادة المصرية على ما اعتقد ان تامين ملف المياه والحدود الجنوبية وتجحيم اثيوبيا اهم الان
واخيرا يمكن القول ان العقيدة العسكرية الاسرائيلية استغلت الاسباب السابقة وطورت من اهدافها حيث
1- تامين مصادر جديدة للمياه
2- فرض التطبيع الكامل مع المملكة السعودية والتى تعتبر قبلة المسلمين وبالتالى ياتى اعتراف باقى الحكومات الاسلامية
3- استغلال انشغال مصر بملفها الاقتصادي وتامين ملفها المائى وحدودها الجنوبية وخاصة مع تجرا حمدتى على الدولة المصرية وكذلك تامين حدوها الغربية في ليبيا
4- التقاء المصالح السعودية والامارتية بإنهاء الاذرع الايرانية في المنطقة
5- حماية عرش نتنياهو والتى لن تستقطع في ظل حرب قائمة وتخوف اليمين المتشدد في اسرائيل