حسين موسى يكتب لـ(اليوم الثامن):
"عاصفة الاقصى" كشفت مدى الاكاذيب الاسرائيلية
عمليّة طُوفان الأقصى، وفي إسرائيل عمليّة السُّيُوف الحديديَّة، كما تُشير إليها بعض المصادر بالانتفاضة الثالثة، هي عمليةٌ عسكرية مُمتدة شنَّتها فصائلُ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعَلى رأسِها حركة حماس عَبر ذراعها العسكري كتائب الشهيد عز الدّين القسام في أوّل ساعات الصباح من يوم السبت (7 أكتوبر 2023 م) إذ أعلَن القائِد العام للكتائب مُحمَّد الضيف، بدء العملية ردًّا على «الانتهاكات الإسرائيلية في باحات المَسْجِدِ الأقصى المُبَارك واعتداء المُستوطنين الإسرائيليين على المُواطنين الفلسطينيين في القُدس والضّفّة والدّاخل المُحتَل».
بدأت عمليَّة طُوفَان الأقصى عبر هُجومٍ صَاروخي وَاسعِ النطاق شنّته فصائل المقاومة، إذ وجَّهت آلاف الصواريخ صوبَ مختلف المستوطنات الإسرائيليّة من ديمونا في الجنوب إلى هود هشارون في الشمال والقدس في الشرق، وتزامنَ مع إطلاق هذه الصواريخ اقتحام برّي من المُقاومين عبر السّيارات رُباعيّة الدّفع والدّراجات النّارية والطّائرات الشّراعيّة وغيرها للبلدات المتاخمة للقطاع، والتي تُعرف باسم غلاف غزة، حيث سيطروا على عددٍ من المواقع العسكريّة خاصة في سديروت، ووصلوا أوفاكيم، واقتحموا نتيفوت، وخاضوا اشتباكاتٍ عنيفة في المستوطنات الثلاثة وفي مستوطنات أخرى كما أسروا عددًا من الجنود واقتادوهم لغَزَّة فضلًا عن اغتنامِ مجموعةٍ من الآليّات العسكريّة الإسرائيليَّة
.في 9 أكتوبر، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي استعادته السيطرة على جميع البلدات الّتي استولت عليها فصائل المُقاومة الفلسطينيَّة في غِلاف قطاع غزّة مع استمرار بعض المناوشات المُتفرقة، وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بدء الحصار الشامل على غزة، بما في ذلك حظر دخول الغذاء والوقود.
نتائج عملية عاصفة الاقصى على الجانبين :
1- كشفت مدى الاكاذيب الاسرائيلية : مارست إسرائيل خلال عملية طوفان الأقصى بروباغندا قويّة ودعائيّة لصالحها وذلك من خلال أذرعها الإعلاميّة المتعددة وعبر أجهزتها المخابراتيّة وعلى رأسها الوحدة 8200 المتخصّصة في الحروب الإلكترونية، حيث حاولت تل أبيب منذ الساعات الأولى للمعركة نشر الكثير من الأخبار الزائفة والمضلّلة أو أخبار أخرى بدون أدلة حقيقية في محاولةٍ منها لربطِ فصائل المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وكسب تعاطفٍ دولي. فقد حاولت الدعاية الإسرائيلية ترويج مزاعم باغتصابِ مقاتلي القسام للنساء الإسرائيليات بُعيد اجتياحهم للمستوطنات دون تقديم أدلّة تدعمُ هذه المزاعم التي جرى نفيها بسرعة، لكنّ المزاعم الأكبر والتي انتشرت على نطاق واسع بعدما ردّدتها وحرصت الكثير من وسائل الإعلام الغربية على نشرها هي مزاعم ذبح المقاومين للأطفال، حيثُ نقلت مجموعةٌ من المؤسسات الإخبارية الغربية وعلى رأسها سي إن إن – التي تراجعت لاحقًا عن هذا الخبر – قيام حماس بقطع رؤوس عشرات الرُّضع في كفار عزة نقلًا عن مراسلة قناة أي 24 نيوز العبرية والتي نسبت الخبر لـ «مصدرٍ في الجيش الإسرائيلي»
2- اظهرت فشل المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية : فشل المنظومة الاستخباراتيّة الإسرائيلية بعدما رجَّح إجراء حماس لتدريباتٍ تجريبيةٍ على هذه العملية من دون معرفة الأجهزة الإسرائيلية.
3- تراجع سياسية التطبيع مع الدول العربية : في تحليل لصحيفة تايمز أوف إسرائيل، كتبت الصحيفة أن «حماس حولت أنظار العالم إلى الفلسطينيين ووجهت ضربة قاسية للزخم من أجل تأمين اتفاق تاريخي بوساطة أمريكية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية». ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن احتمالات التطبيع الإسرائيلي والسعودي تبدو باهتة، نقلا عن تصريح السعودية بأن البلاد حذرت مرارًا وتكرارًا «من مخاطر انفجار الوضع نتيجة استمرار الاحتلال، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته».
4- احياء القضية من جديد : فى قلوب الشعوب العربية وخاصة الاجيال الصاعدة من الشباب حيث سادت المظاهرة فى جميع عواصم الدول العربية ومعظم عواصم العالم منددة بالمجازر الاسرائيلية فى مشهد لم نعتادة منذ عام 2005
5- افشلت المخطط الأمريكي الإسرائيلي لإعادة تشكيل الشرق الاوسط : كتب أندرياس كلوث في عموده في بلومبرج نيوز أن حماس «أحرقت صفقة بايدن لإعادة تشكيل الشرق الأوسط»، بحجة أن الصفقة التي نوقشت بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة كانت ستترك الفلسطينيين في البرد -(أي تهملهم ولا تمنحهم أي شيء)-، لذلك قررت المجموعة «تفجير الأمر برمته». وأضاف، أن من وجهة نظر حماس، لو لم تقم بهذه العملية، كان الوضع سيزداد سوء، خصوصا أن شركاء نتنياهو في الائتلاف يعارضون حل الدولتين للصراع، ويفضلون ضم الضفة الغربية بأكملها. ويريدون تحويل إسرائيل إلى دولة فصل عنصري، وهو الأمر الذي طالما ادعى النقاد أنه هدف إسرائيل. ظهرت تكهنات بأن إيران كانت تحاول تخريب العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، حيث قال رئيس الأبحاث السابق في الشاباك نيومي نيومان إن الهجوم كان من الممكن أن يحدد وقته نوعا ما. بسبب آمال إيران في إحباط الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، منافستها السنية. في 9 أكتوبر، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني مزاعم تورط طهران في هجوم حماس
6- التأثير على الحرب الأوكرانية الروسية : حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن الحرب بين إسرائيل وحماس يمكن أن تصرف الانتباه عن الغزو الروسي لأوكرانيا. فقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الحرب «مثال واضح على فشل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط»، مضيفًا أن واشنطن فشلت باستمرار في أخذ المصالح الأساسية للفلسطينيين في الاعتبار. ووصف المعلقون الروس المقربون من الكرملين الحرب بأنها فشل عسكري واستخباراتي للغرب، وتوقعوا أنها ستضعف الدعم الغربي لأوكرانيا. ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن العلاقات الروسية مع إسرائيل تتدهور، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الدعم الغربي لأوكرانيا ودعم إيران المستمر لروسيا في الحرب الروسية الأوكرانية. كتبت صحيفة بوليتيكو أنه من المؤكد أن الحرب ستصرف انتباه الولايات المتحدة عن أوكرانيا. واتهمت المخابرات العسكرية الأوكرانية روسيا بنقل أسلحة غربية الصنع استولت عليها في أوكرانيا إلى حماس لإلقاء اللوم على أوكرانيا في بيعها.
7- ترجع ثقل منظمة فتح : ووفقا للمحلل الإسرائيلي سيث فرانتزمان، ، أظهرت العملية تراجع منظمة التحرير الفلسطينية وصعود حماس كمركز القوة الرئيسي في السياسة الفلسطينية. وتوقعوا المزيد من التراجع لمنظمة التحرير الفلسطينية إذا استمر الوضع الراهن .وذكر ان الهجوم يمثل تصعيدا ملحوظا في الصراع المستمر بين إسرائيل وحماس. وتميزت هذه العملية بنطاقها الكبير ومداها، حيث شملت إطلاق الصواريخ والهجمات الحدودية في غزة. كان هذا الحدث بمثابة خروج كبير عن الصراعات السابقة. تمت مقارنتها بحرب أكتوبر في عام 1973، وهجمات 11 سبتمبر، والهجوم على بيرل هاربر، وهجوم تيت. ومثل هجوم تيت، جاء هجوم حماس في صباح يوم عطلة، وبدا وكأنه «في كل مكان في وقت واحد»، وأظهر قدرات لم يكن من الممكن تصورها في حرب العصابات.
8- التدمير الكلى للبنية التحية لغزة : استغلت اسرائيل هجوم عاصفة الاقصى لتدمير كافة القوى الشاملة لغزة دون التفات لأى اعتبارات انسانية او ضغوط سياسية من دول الجوار اى تطبيق سياسة الارض المحروقة والهدف من ذلك نقل الصراع الى دول الجوار من خلال لاجئين جدد ، حيث تواصلت الغارات الجويّة الإسرائيلية على كامل القطاع ومن دون توقف تقريبًا، ومعها تواصل سقوط الضحايا المدنيين في صفوفِ الفلسطينيين بما في ذلك 12 مدنيًا انتشلهم الدفاع المدني من تحت منزلٍ لعائلة العايدي في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة. لم تكن الغارات الجوية الشيء الوحيد المستمر من طرفِ إسرائيل، بل استمرَّ حصارها للقطاع ومعه تضاعفت معاناة الغزيين في ظلِّ شح الموارد الضروريّة وانعدام مواد أخرى، كما استمرَّ معبر رفح الذي يربطُ بين مصر من جهة وقطاع غزة من جهة ثانية مغلقًا بأمرٍ وضغطٍ من إسرائيل في ظلِّ محاولات وصفها الإعلام العربي بـ «الخجولة جدًا» من الزعماء والقادة العرب. انتقدت حماس الإغلاق الكامل للمعبر ونشرت بيانًا قالت فيه إنّ اقتصار الحديث على إدخال 20 شاحنة فقط من المساعدات إلى غزة هو محاولة أمريكية صهيونية لذر الرماد في العيون، مؤكّدة أن الهدف من هذه المحاولة هو الضغط على الغزيين للنزوحِ إلى الجنوب تمهيدًا لتهجيرهم.
9- اظهرت الدعم الكامل الغربي لإسرائيل : حيث استمرّ تدفق الدعم الأمريكي على إسرائيل، حيث أكّدت وزارة الدفاع الإسرائيلية تلقيها حتى اليوم وفي نحو أسبوعين فقط ما مجموعه 1000 طنٍ من الأسلحة لتعزيز قدرات الجيش، أما بايدن فقد وجَّه إدارته لاتخاذ ما وصفها بالإجراءات السريعة لضمان حصول إسرائيل على كل ما تحتاجه «للدفاع عن نفسها.
10- استمرار المناوشات مع حزب الله : أكّدت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن خطةٍ لإجلاء سكان بلدة كريات شمونة القريبة من الحدود اللبنانية في ظلِّ التوتر الحاصل هناك وخاصة بعدما استهدفَ مقاومون من حركة حماس البلدة بعشرات الصواريخ اليوم السابق رغم أن الجيش الإسرائيلي قال إن تلك الصواريخ تتبعُ لحزب الله. سُرعان ما وصلت عدّة حافلات إسرائيلية إلى كريات شمونة وبدأت فعليًا كما وثقت وسائل الإعلام في عينِ المكان البدء الفعلي في إجلاء السكان بالكامل.استمرَّت المناوشات في المنطقة الشمالية من إسرائيل حيث تسلّل مسلّحٌ لداخل منطقة لبنانية تحتلّها إسرائيل وأطلق الرصاص على حارس مستوطنة قبل أن تغير على موقعه طائرة مسيرة إسرائيلة كما جاء في بيانٍ تحديثي للجيش الإسرائيلي. ردَّ الحزب اللبناني على الغارة الجوية الإسرائيليّة من خلالِ استهداف موقعي رويسات العلم والسماقة بصواريخ موجهة، قبل أن تقصفَ المدفعية الإسرائيلية مواقع داخل جنوب لبنان مجددًا
وفى النهاية :
ان اسرائيل الان تحاول الان تهيئة الرأي العام الدولي بخطورة حركة حماس وربطها بداعش، وتسويق أخبار كاذبة مثل قطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء من أجل التأليب عليها والمساس بصورتها من حركة تحرر إلى إرهاب عبر استراتيجية إعلامية تحريضية ضد حماس وحصر المعركة الإعلامية معها، وتشويه صورتها، لحشد الدعم الدولي لارتكاب مجازر كبيرة ضد غزة.
كما تعمل على إقناع أو الضغط على مصر لفتح ممر إنساني لتهجير أكبر كم من الفلسطينيين نحو سيناء لتجاوز معضلة الفاتورة البشرية من المدنيين وتحقيق هدف تفريغ قطاع غزة من سكانه، وكشف ظهر المقاومة.والتهجير القسري لسكان محافظتي غزة والشمال كمرحلة أولى يهدف لتحقيق مُكتسبين:
الأول: تفريغ غزة من المدنيين ما يساهم في منح الاحتلال قدرة على تجاوز معضلة الفاتورة البشرية ويسهل عليه تكرار نموذج الضاحية (الأرض المحروقة)، بحيث يكون التغول بأقل الخسائر في صفوفه.
الثاني: تشكل الخطوة من وجهة نظر الكيان كسرا لفكرة البقاء والصمود بحيث يصبح ممكناً في مراحل لاحقة تحقيق الهدف الاستراتيجي من المعركة وهو التهجير إلى سيناء.
واخيرا : فان معركة طوفان الأقصى هي ليست معركة حركة حماس رغم قيادة الحركة لها، ولا معركة قطاع غزة رغم أنها مسرح العمليات، ولكنها معركة فلسطين والأمن القومي العربي والإسلامي، وعليه وجب على الجميع تحمل مسئولياته بما يخدم تطلعات شعبنا الفلسطيني بالعودة والتحرير.