حسين موسى يكتب لـ(اليوم الثامن):
مصر والمعضلة السودانية
تشهد العملية السياسية في السودان، تعثراً ملموساً وتحديات جديدة تعترض مسارها إثر تصاعد وتيرة الخلافات بين رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي". وتأتي هذه الخلافات على الرغم من أن العملية السياسية التي ترعاها الآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة "إيقاد"، شارفت على الانتهاء ومن المفترض أن يبدأ تشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية استناداً إلى الاتفاق الإطاري المبرم في 5 ديسمبر الماضي.لكن المكون العسكري لم يستطع الحفاظ على تماسكه أمام أحزاب وجماعات مدنية تحالفت على قاعدة الاتفاق الإطاري بعد أن بلغت الخلافات ذروتها نظراً لوجود تباين ملحوظ بين موقفي الجيش وقوات الدعم السريع في بعض القضايا الأساسية على الساحة السياسية. وبعد أن كانت العملية السياسية متوقفة على تقارب وجهات نظر القوى المدنية أصبح الوضع الآن في حاجة إلى توافق بين المكونات العسكرية في أعقاب اشتراط البرهان دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة مقابل المضي في الاتفاق الإطاري، وهي عملية طويلة ومعقدة ربما تقود إلى مزيد من التعطيل لمسار الحل السياسي للأزمة وفى اعقاب ذلك قامت قوات التدخل السريع بنشر قواتها فى معظم المدن السودانية وقامت مجموعة تضم اكثر من 100 عربة باحتلال قاعدة مروى والتى كانت تضم داخلها قوات مصرية كانت فى مهمة تدريبة وقامت القوات باحتجاز القوة المصرية وحاولت كسب الراى العام داخل السودان بان السودان محتلة من مصر وان بها قواعد عسكرية وان الارادة السوادنية لسيت حرة
والحقيقة ان رد فعل الجانب المصرى كان فى قمة التعقل ولم ينجر الى مخطط جره الى هوة النزاع فقد صدر بيان عسكرى من المتحدث العسكرى المصرى طالب فيه بالحفاظ على سلامة القوة المصرية وانها كانت فى مهمة تدريبة ولكن قوات الدعم السريع سرعان ما تراجعت عن موقفها وقالت ان المجموعة العسكرية المصرية فى امان وانهم سوف يعودون لمصر فى اعقاب عودة الهدوء فى الداخل السودانى
واذا طالعنا الموقف برمته نجد ان مصر امام معضلة كبرى وتحديات متعددة منها الجبهة الشرقية ومكافحة الارهاب فى سيناء والجبهة الغربية ومحاولة تحقيق الاستقرار فى ليبيا ومنع الاجندات الخارجية من العبث بمصير ليبيا والذى يعتبر امن قومى لمصر من ناحية الغرب وبالاضافة الى ذلك ازمات اقتصادية وتنموية نتيجة تذبذب النظام الاقتصادي العالمي من جراء ازمات عالمية سواء صحية كأزمة فيرس كرونا او جراء ازمات عسكرية مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتظهر قمة المعضلة انام القيادة المصرية فى اشتعال الصراع فى السودان وهو يمثل تحديا كبير لمصر حيث ان السودان المصرى امن قومى سواء من ناجية الجيوسياسية او من ناحية الامن القومى المائى
وتتمثل اهم التحديات امام الجانب المصرى فيما يلى :
1- ان الداعم للصراع فى السوادان عنصرين دوليين مهمين لمصر هما الامارات والتى تسعى للسيطرة على مناجم البحث فى دارفور السودانية والسيطرة على ميناء بورتوسودان والتى تسعى ان يكون بديلا لميناء جدة السعودى والامارات بالنسبة مصر شريكا اقتصادى وداعم ماليا مهم فى ظل الازمة الاقتصادية التى تمر بها مصر وبالتالى ان اى موقف صريح لمصر ضد قوات الدعم السريع المدعومة من الامارات سوف يجعل مصر فى مواجهة مباشرة مع الامارات . اما على الجانب الاخر روسيا والتى تعول عليها مصر كثيرا فى مواجهه تعنت القوى الامريكية ففى فبراير 2022 قام حميدتي بزيارة مثيرة للجدل إلى العاصمة الروسية موسكو التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف، وهي الزيارة التي تزامنت مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا ما أثار تساؤلات بشأن الهدف منها. وأثارت الزيارة حفيظة الجانب الأميركي وبالتالى فان اى تدخل مصرى سوف يغضب الجانب الروسى والذى يريد تحجيم الدور الامريكى فى افريقيا
2- الزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين السودانيين لمصر وهذه الاعداد مرشحة للزيادة بصورة كبيرة في حال استمرار القتال في شوارع السودان بين طرفي الصراع على السلطة. لكن هذا ليس هو السبب الوحيد الذي يجعل إرساء السلام والاستقرار في السودان قضية مهمة بالنسبة لمصر. فوجود نظام ضعيف في الخرطوم أو ظهور نظام سياسي بديل معادٍ للقاهرة قد تكون له تداعيات خطيرة على الجارة الشمالية. ولطالما اعتبرت مصر السودان حليفا لا يمكن الاستغناء عنه في نزاعها الطويل مع إثيوبيا حول سد النهضة المثير للجدل. ووصفت مصر مشروع الطاقة الكهرومائية العملاق على النيل الأزرق بأنه تهديد وجودي نظرا لما ينطوي عليه استكماله من احتمالات التحكم في تدفق مياه النيل إلى مصر، التي تُعد العامل الأكثر أهمية لحياة المصريين. ورغم الأهمية الاستراتيجية الكبيرة التي تتمتع بها السودان بالنسبة لمصالح مصر الاستراتيجية،
3- وقد يؤدي التدخل بقوة لصالح أي من طرفي الصراع إلى نتائج عكسية تؤثر على المصالح الوطنية المصرية.فبعد أن دعمت مصر أحد طرفي الصراع في ليبيا - الجنرال خليفة حفتر الذي فشل في الانتصار - لابد أن تكون القاهرة قد تعلمت جيدا من هذا الخطأ.وبينما تتوخى مصر الحيطة والحذر في رهاناتها على صعيد الصراع في السودان، قد لا ينجح أيضا عدم اتخاذ إجراء حيال الموقف الحالي على المدى الطويل
4- اما المعضلة الكبرى فى حال نجاح قوات الدعم السريع بقيادة حمدتى في الوصول للحكم وهو يتخذ موقفا معاديا لمصر وله سياسية تقاربية مع اسرائيل وأثيوبيا مما يشكل خطر على موقف السودان من سد النهضة الاثيوبى فقد سبق ان رفض حميدتي مشاركة قواته في العمليات العسكرية التي شنها الجيش السوداني على مجموعات إثيوبية مسلحة كانت متمركزة في أراضٍ سودانية محاذية للحدود المعترف بها دولياً منتصف عام 2021 ، كذلك يسعى حميدتي لتأسيس علاقة مع جهاز "الموساد" وهو ما دفع البرهان وحمدوك للاحتجاج لدى الجانب الإسرائيلي في وقت سابق.ولاحقاً قرر البرهان تسليم ملف العلاقات مع إسرائيل إلى اللواء متقاعد مبارك عبد الله بابكر في أبريل 2022
وفى النهاية
تجد مصر نفسها تقريباً في قلب الأزمة، رغم الموقف العلني الحذر الذي تنتهجه، وتخشى كذلك من انعكاس الأزمة على موقف السودان من أزمة سدّ النهضة، أو خطر حكم "إسلامي" على حدودها وان أي تأخر في حسم الصراع، قد تكون له تداعيات اجتماعية وعسكرية وأمنية تتخطى سياسة المحاور، لجهة ما قد ينجم من تنشيط لحركات الجماعات المتطرفة، والنزوح العابر للدول، وتهريب البشر، والهجرة غير النظامية، وتنشيط عمل العصابات