سمير عادل يكتب لـ(اليوم الثامن):
ما وراء قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي (1-4)
ارتئينا الى تقسيم هذا الموضوع الى أربع أجزاء، كي يسهل على القارئ قرائته، وخاصة سنتناول الخلفيات السياسية والاقتصادية للقانون المعنون أعلاه تحت اسم "مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي" وبعده الاجتماعي، ويتطلب تفصيلات كثيرة يثقل على القارئ متابعته.
بغض النظر، الاتفاق حول حقوق المثليين من عدمه، فأن إقرار قانون "تجريم المثليين" في البرلمان العراقي تحت اسم قانون "مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي"، يحمل الكثير من الدلالات، ويخفي أجندة رعب، عنوانها عراق جديد بنظام استبدادي و قروسطي.
لذا علينا النظر الى قانون "تجريم المثليين" ضمن رزمة متكاملة شرعت بها الطبقة الإسلامية ومليشياتها الحاكمة منذ العام المنصرم، كجزء من مساعي حثيثة تبذلها الأحزاب والقوى الإسلامية لإعادة تموضعها وترسيخ سلطتها، بعد الضربة التي وجهتها لها انتفاضة أكتوبر من جهة، وفي نفس الوقت رفع الاستعدادات السياسية والاقتصادية بتحويل العراق الى مزرعة للعبيد كي تسهل وصول الاستثمارات دون وجود من يعكر صفو حركة رأس المال في السوق العراقية، كما سنبين لاحقا.
لقد قامت السلطة المليشياتية بتشريع هذه الرزمة، منذ العام المنصرم إذ أصدرت عدد من القرارات والقوانين ومشاريع القوانين؛ منها اعتقال أي شخص بتهمة ترويج أو نشر فيديوهات ما يسمى بـ "المحتوى الهابط"، واعتماد بورصة الطبقة الحاكمة تجاه معارضيها ومخالفيها السياسيين كمعيار يحدد هبوط هذا المحتوى أو صعوده، كذلك طرح مسودة قانون الحريات النقابية في البرلمان التي تفوض الحكومة التدخل بشؤون العمال وفرض نقابات صفراء موالية لها ولسياستها الاقتصادية التي تمثل سياسات المؤسسات الرأسمالية العالمية، وأيضاً طرح مشروع قانون حرية التعبير لمصادرة حق التعبير كحق من حقوق الإنسان. وأخيرا وليس آخرا، جاء قانون "تجريم المثلية" أو ما سمي "قانون مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي"، ويخول القانون المذكور الحكم على أي شخص بالسجن مدة تصل الى خمسة عشر عاماً بتهمة المثلية، والأغرب في القانون هناك بند يسمى "تبادل الزوجات" يمكن بموجبه توجيه تهمة الى أي رجل وامرأة متزوجين عند زيارة أصدقاء وأقرباء لهما متزوجين أيضا واتهامهم دون دليل بـ "تبادل الزوجات". ولابد من التنويه هنا، إلى أنَّ البرلمان العراقي وبخلاف كل برلمانات العالم، وبغض النظر عن شرعيته من عدم شرعيته، فهو يشرع غالبية القوانين، وترسلها الى مجلس القضاء الأعلى أو رئاسة الجمهورية من أجل المصادقة عليها للإلزام الحكومة بتنفيذها، في حين نرى أنَّ المعتاد في الديمقراطيات العريقة أو حتى الحديثة، هو قيام الحكومة بإرسال مشاريع القوانين الى البرلمان للمصادقة عليها. فهل هناك عقل تآمري في العالم مثل ما هو موجود في البرلمان العراقي؟، إنَّ السبب في ذلك هو أنَّ البرلمان تسيطر عليه الأحزاب والقوى الإسلامية وهي من تسن القوانين اذا ما تعذر عليها تمريرها عبر الحكومة.
القانون المشار إليه تزامن مع الإعلان من قبل الحكومة باعتبار ما يسمى بـ "عيد الغدير" عند الشيعة عطلة رسمية حكومية - عيد الغدير هو يوم يحتفل به الشيعة في 18 من ذي الحجة من كل عام هجري احتفالًا باليوم الذي خطب فيه النبي محمد خطبة عيَّن فيها الإمام علي بن أبي طالب مولًى للمسلمين من بعده، حيث أعلن النبي محمد، عليًّا خليفة من بعده أثناء عودة المسلمين من حجة الوداع إلى المدينة المنورة في مكان يُسمى بـ "غدير خم"، إلا أنَّ مؤامرة حيكت للإطاحة بعلي من قبل أبو بكر وعمر بن الخطاب وعدد من الصحابة حسب الروايات التاريخية وبغض النظر عن صحتها.
وكلا المشروعان، القانون المذكور و"عيد الغدير" هما للتيار الصدري، الذي تر-ك البرلمان، بعد أن مني مشروعه في تشكيل حكومة الأغلبية بالهزيمة، سواء عبر حقه القانوني لحصوله على أغلبية مقاعد البرلمان الذي كان ٧٦ مقعدا من أصل ٣٢٩ مقعدا، أو عبر محاولاته الانقلابية الفاشلة في احتلال البرلمان، واقتحام مبنى المحكمة الاتحادية التي أطاحت به عبر تعويم موضوعة "الثلث المعطل" في تشكيل حكومته في البرلمان.
اليوم يحاول جناح من الإطار التنسيقي الذي يمثل مجموعة من الأحزاب الإسلامية والمليشيات التي تشكل حكومة السوداني، استمالة التيار الصدري، وكسبه، عبر المصادقة على مشروع قانون "مكافحة البغاء والشذوذ الجنسي" و عطلة "يوم الغدير"، من اجل إعادة صياغة معادلة سياسية جديدة استعدادا للمرحلة المقبلة، وخاصة بعد تداعيات حرب غزة على الأطراف المشكلة للحكومة بما فيها الإطار التنسيقي، ودخول العراق في مرحلة جديدة من الاتفاقات الاقتصادية والسياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا ودول الخليج.