عبدالرحمن كوركي مهابادي يكتب لـ(اليوم الثامن):
نظرة عامة على الوضع الحالي في إيران وواجبات المجتمع الدولي
وفقًا للإحصاءات الرسمية المعلنة، يعيش عدة ملايين من الإيرانيين خارج حدود إيران، وهم في الغالب من المتعلمين، حيث يحمل عدد كبير منهم شهادات عليا، كما أن الغالبية العظمى منهم يعارضون النظام الديني الحاكم في إيران! وتقدم هذه الحقيقة صورة واضحة عمّا يحدث داخل إيران. دولة غنية بكل المقاييس! بيد أنها دولة متخلفة وصلت إلى مثل هذه الحالة المزرية، لدرجة أن أبناء الوطن إما أنهم بين الأسرى والشهداء، أو أنهم مكلومون ويعيشون حرماناً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً شديداً، ولم يعد أمامهم سوى الاحتجاج والانتفاضة والثورة، ونجح البعض منهم في الهجرة إلى خارج إيران؛ نظراً لأن نظاماً غير شرعي ومتخلف وغير حضاري يحكمها باسم "الإسلام"!
ولهذا يقال إن "النظام الحاكم في إيران" لا يمثل أبدا شعب إيران، وسجله حافل بالجرائم الصغيرة والكبيرة، ليس فقط ضد الشعب الإيراني، بل أيضا ضد شعوب المنطقة والعالم. والأمر الضروري هو استبعاد هذا النظام الفاشي من المجتمع الدولي، ودعم مقاومة الشعب الإيراني المشروعة!
إن ما يحدث في إيران لأمرٌغير إنساني. لكن في الوقت نفسه ، نجد أن موقف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فيما يتعلق بإيران موقفاً مخزياً للغاية؛ نظراً لأنها قبلت عضوية النظام الدكتاتوري الديني الذي يحكم البلاد؛ في المجتمع الدولي!
يواجه نظام الملالي في إيران "اقتصادًا مفلسًا". وتزداد معدلات الفقر في إيران يوميًا، واجتاح الفقر نصف المجتمع الإيراني. والحقيقة هي أن نظام ولاية الفقيه لا يرى أن من واجبه حل مشاكل المواطنين؛ لأن شغله الشاغل هو البقاء في السلطة ليس إلا. يواجه النظام الإيراني مجتمعاً ملتهباً، والوضع متفجر. لم تتم تلبية مطالبات الشعب حتى الآن، ومن رابع المستحيلات أن تتم تلبية مطالبه في ظل هذا النظام المستبد؛ لأن الفجوة بين الحكومة والشعب الإيراني قد ازدادت بمرور الوقت بشكل غير مسبوق.
وتفيد الإحصاءات بأن حوالي 2,000,000 شخص، أي أكثر من 10 في المائة من سكان إيران، يعانون من الإعاقة. ووفقًا للإحصاءات، يُضاف سنويًا ما يتراوح بين 40,000 إلى 60,000 شخص إلى مجتمع المعاقين في البلاد.
يعاني ملايينُ الإيرانيينَ من ظروفٍ سكنيةٍ قاسيةٍ ومؤلمةٍ. حيث يتم إنفاق ما يقرب من 60 في المائة من دخل الأسرة الحضرية على السكن. ويبلغ معدل التضخم في قطاع الإسكان أكثر من 70 في المائة، وتلتهم هذه المشكلة جزءًا أكبر من دخل الأسرة كل عام. وتشير الأرقامُ والبيانات الواقعية إلى أن الأعدادٍ أكبرَ بكثيرٍ منْ تلكَ التي تنشرُها أجهزةُ نظام الملالي. ويصل التضخم الحقيقي في إيران حتى إلى ثلاثة أرقام. وأصبحت أسعار المساكن الآن فلكية؛ بسبب ارتفاع تكلفة مواد البناء، وأصبحَت مدّةُ انتظارِ شراء المسكنِ بالنسبةِ للطبقاتِ الفقيرةِ والمتوسطةِ تقتربُ منْ قرنٍ من الزمنِ! ودائماً ما تزداد الضرائب في هذا البلد. وبحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة للضرائب في إيران؛ ارتفعت الضرائب بنسبة 30 في المائة مقارنة بالعام السابق (وكالة "ايرنا" للأنباء - 8 مايو 2024).
كان حلفاء نظام الملالي يدَّعون لسنوات عديدة أن "العقوبات الدولية ضد النظام الإيراني" تسببت في فقر الشعب. لقد كان هذا الإدعاء كذبة كبيرة، حيث اشتد الفقر والتضخم والغلاء في إيران عندما تضاعف دخل نظام الملالي في هذه السنوات الثلاث؛ من مبيعات النفط بسبب سياسة الاسترضاء. وبات هَمُّ المواطنين المنكوبين بالفقر، وخصوصا النساء الإيرانيات، هو "بيع الأطفال الرضع"، وفي العديد من الحالات، يتركن أطفالهن في الشوارع! وأصبح بيع أعضاء البشر وظيفة شائعة في إيران. وكلما ازدادت إيرادات هذا النظام الفاشي، كلما أقبل على تعزيز آلة القمع والفقر في إيران، وإشعال الحروب خارج حدودها.
وتجاوزت قيمة الدولار في إيران مؤخراً حدود الـ 60,000 تومان، وانفلت عقال الأسعار وبات الوضع أكثر صعوبة. وتفيد التقارير بأن أسعار المواد الغذائية ازدادت بنسبة 30 في المائة في شهر مايو من العام الحالي، وأصبحت موائد المواطنين خالية بشكل غير مسبوق. والحقيقة المؤكدة هي أن الولي الفقيه ورئيس جمهورية الملالي رضعا الكذب من أمهاتما، وليس لديهما أي خطة أو قرار لتحسين حياة المواطنين كما يزعمان. ويدعيان كذباً أن ارتفاع الأسعار يرجع إلى "التلاعب في السوق"، واحترفا التضليل وعلاج الأمور بالكذب، ويسعيان إلى التستر على هذا الوضع المتدهور بإشعال الحروب في المنطقة.
تشير وسائل الإعلام الحكومية إلى ارتفاع معدل البطالة، وإلى أن موجة تسريح العمال في جميع المجالات ظاهرة مقلقة. واجتاح الفساد السلطة من الرأس إلى أخمص القدم، بدءاً من المقر العنكبوتي لخامنئي وصولاً إلى القادة وأعضاء الحكومة. ويتم الكشف عن بعض جوانبه يوميًا خلال صراع الذئاب الحاكمة في إيران. فعلى سبيل المثال، كتب موقع "انتخاب" الحكومي: " تم الآن الكشف عن تحويل أكثر من مائة مليار في مؤسسه مصاف رائفیبور. وهو شقيق صهر إبراهيم رئيسي.
وتتفشى الدعارة في إيران في ظل حكم نظام ولاية الفقيه، وهو أمر يرتبط بشكل مباشر بانتشار الفقر. كما يدخل في هذه الفئة الأطفال العاملين وبعض الظواهر الأخرى، من قبيل النوم في صناديق من الورق المقوى، وجمع القمامة، وبيع أعضاء الجسد، وانتشار ظاهرة الانتحار بكافة أشكاله، ومن بينها الانتحار حرقاً، وتفشي الأمراض...إلخ. كما أصبح عدم دفع رواتب موظفي الحكومة، والاختلاس، والرشوة، والتربح الريعي، والتسرب من الدراسة، وحتى بيع الأطفال؛ ظواهر اجتماعية واقتصادية شائعة في إيران. مما يُظهر يومياً بشكل عام الفجوة المتزايدة في مستوى المعيشة بين أتباع الولي الفقيه وباقي أفراد الشعب العاديين.
لا يمر يوم في إيران في الوقت الراهن دون أن يُقتل عدد من أبناء الوطن من العتالين وناقلي الوقود على يد قوات الحدود التابعة لنظام ولاية الفقيه. والجدير بالذكر أن عدداً كبيراً من الخريجين الحاصلين على درجات علمية عليا يعملون بين هذه الفئة الكادحة، ونجد بينهم حتى النساء اللواتي اتجهن للعمل في هذه الوظيفة الصعبة والخطرة!
نشرت المؤسسة الأمريكية، معهد سياسات الهجرة (Migration policy Institute) تقريراً وثائقياً عن وضع المهاجرين الإيرانيين في أمريكا، ورد فيه أن الجالية الأمريكية الإيرانية الأصل تعتبر من أفضل المهاجرين في تاريخ أمريكا حتى الآن من حيث التعليم والدراسة والمشاركة الاجتماعيةودفع الضرائب واحترام القانون. ويفيد هذا التقرير أنعدد المهاجرين الإيرانيين إلى أمريكا وصل إلى 1,900,000 . وأكد هذا التقرير على أن 51 في المائة شخص حاصلين على شهادات دراسية عليا ما فوق شهادة البكالوريوس، ومن بين كل أربعة إيرانيين يحمل أكثر من واحد شهادة الماجستير والدكتوراة ، وهذا هو أعلى معدل بين 67 مجموعة عرقية تعيش في أمريكا! ويعمل 12,000 أستاذ جامعي إيراني بالتدريس في الجامعات الأمريكية ، و 75 في المائة من هؤلاء الأساتذة البارزين يعملون بالتدريس في أفضل 20 جامعة أمريكية. والجدير بالذكر أن ما يقرب من 1500 طبيب إيراني يمارسون عملهم في الوقت الراهن في الولايات المتحدة.
هذا فضلاً عن أن المجال الرياضي في إيران لا يسر عدو ولا حبيب. ويقول الخبراء في هذا المجال إن الرياضة تشهد انهياراً غير مسبوق، حيث أن عدداً كبيراً من الرياضيين إما أنهم يقبعون في السجون أو استشهدوا بتهمة دعم انتفاضة الشعب الإيراني، أو أنهم هاجروا من إيران أو أنهم يعيشون في وضع معيشي صعب للغاية. وأصبحت المَناصِب الرِّياضية في إِيران تحت سيطرة المقربين لنظام الملالي في الغالب، وفقدت محتواها الرياضي.
أصبح التسرب من المدارس في إيران في ظل حكم الملالي؛ أمرًا شائعًا بين الطلاب؛ لأنهم لا يملكون المال لمواصلة الدراسة، وأجبرتهم الظروف الاقتصادية المتردية على أن يصبحوا معيلين لعائلاتهم. ونشهد من بينهم عدداً كبيراً من "الأطفال العاملين"؛ في الشوارع. ويعيش المعلمون الإيرانيون، وهم فئة كبيرة من المجتمع الإيراني؛ في ظروف معيشية صعبة ومرهقة لا تطاق بسبب عدم تقاضي رواتبهم. وتتجاوز هذه الحالة فئة واحدة وتجتاح كافة شرائح المجتمع، ومن بينهم فئتي العاملين والمتقاعدين.
خلاصة القول
إن ما تم الإشارة إليه أعلاء ليس سوى غيض من فيض من المعاناة التي يعيشها الشعب الإيراني. فضلاً عن أن وضع المواطنين في إيران لا يسر عدو ولا حبيب في جميع المجالات الأخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل عضوية مثل هذا النظام الفاشي في المجتمع الدولي، وهو السبب الرئيسي في مثل هذا الوضع المتدهور في إيران؛ مشروعة أم أنه يجب على الحكومات والمجتمعات الإنسانية الأخرى الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني ومقاومته الباسلة لطرد مثل هذا النظام غير المتحضر والمعادي للشعب من المجتمع الدولي، وعدم السماح له بإنفاق أصول هذا البلد الغني على بقاء الدكتاتورية الدينية، وخاصة على إشعال الحروب وزعزعة الاستقرا والأمن في المنطقة؟
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني