من أجل جنوب خالٍ من الحسد!
قيل ليمني من الشمال ما الذي تتمناه وتتمنى لصديقك ضِعفَه؟ فتمنى ما كان يشتهيه من مال وثروات، وبارك لصديقه ما حصل عليه من ثراء بفضله هو.
وحين وُجّه السؤال نفسه إلى جنوبي، سيطرت الحيرة عليه وظل يتردد، ويخبط الأرض أخماساً في أسداس، وكلما همّ بالتمني تذكّر أن صديقه المقرب سيكون أغنى منه، وسيحصل على ضعف ما يتمناه هو، وهذا أمر غير عادل في نظره، حتى اهتدى إلى فكرة جهنمية، وهي أن يتمنى أن تفقأ عينه لتفقأ بالمقابل عينا صديقه الإثنتين!
كان هذا الخيار الذي فقد فيه هذا الرجل عينه في مقابل إصابة صديقه بالعمى هو الأنسب من وجهة نظره، والأقل ضرراً من أن يشاهد أمامه كل يوم صاحبه وقد أصبح يمتلك ضعف ما يملك هو بسبب أمنيته.
لداء الحسد والغيرة في حياة الجنوبيين حضور كبير، بل ربما هو أحد أخطر الأمراض التي يعانونها وتعكّر عليهم صفو حياتهم وتخرّب علاقاتهم.
والأمر الباعث على الأسف أن الحسد في حياة الجنوبيين ليس حكراً على الفقراء أو البسطاء أو الأميين وحدهم، فحتى النخب تعاني هذا الداء.
ويصدمك كثيرون من صفوة المجتمع ممن تسمع عنهم ويشدّونك، لكنك حين تعاشرهم تجدهم كالعجائز مملوئين حسداً وغيرة ونميمة.
وفي السياسة يزداد الداء خطورة، ويمكن الجزم أن أسباب الكثير من خلافات الجنوبيين ترجع إلى الغيرة والحسدة، إذ تستطيع سكرتيرة حسناء أن تشعل حرباً بين عدد من صفوة المجتمع، الذين ينجحون في تصوير خلافهم وكأنه خلاف من أجل الوطن.
وحتى الكثير من الجنوبيين الذين يمارسون السياسة يعانون من الغيرة والحسد، اذ أن قادة حكموا الجنوب منذ ستينيات القرن الماضي إلى اليوم لا يستطيعون أن يتفقوا على موقف موحد من قضيتهم؛ ليس بسبب خلاف على القضية وإنما بسبب الحسد، وحتى لا يقال إن الرئيس فلان هو الأكثر حضوراً وتأثيراً في الشارع.
وإلى اليوم، ما زال الحسد يدمر الجنوبيين ويفرّقهم، ويصنع بينهم الموانع والحواجز، في حين لا توجد أي أسباب حقيقية تدفعهم لهذا الشقاق.
يزداد اليقين لدي بتحكّم الحسد في مواقف الجنوبيين، وأنا أراقب موقفهم من «المجلس الإنتقالي الجنوبي»، الذي طالبوا ونادوا به مراراً، لكنهم مستعدون لإحراقه وإحراق الجنوب معه إذا كان هذا المجلس سيُحسب إنجازاً باسم فلان أو علان من الناس. وآخرون لا يريدون الجنوب الذي ضحوا في سبيله بأغلى ما يملكون لو أن عودة هذا الجنوب سترتبط بذكر هذا أو ذاك من الناس.
باختصار، يبدو صراع الجنوبيين على تدمير بعضهم كحلبة مصارعة جماعية، الفائز فيها من يسبق إلى تثبيت أحد المصارعين، فكلما اقترب مصارع من النصر انقض الآخرون عليه وأوسعوه ضرباً حتى لا يفوز. وكذلك هم اللاعبون على الساحة الجنوبية، كلما برز قائد رمز يحظى بقبول الشارع، ذهب القادة الآخرون للتحريض عليه واستهدافه أكثر من استهدافهم للخصم الحقيقي، حتى لا يكون لهذا القائد دور يذكر في التاريخ بأنه صاحب فضل عليهم.
حدث مثل هذا مع الزعيم حسن باعوم أولاً، ثم مع الرئيس علي سالم البيض ثانياً، ويحدث اليوم وبقوة مع «المجلس الإنتقالي الجنوبي»، ورئيسه عيدروس الزبيدي.
يعتقد الحساد أنهم يستطيعون أن ينفردوا بأي إنجاز قادم لوحدهم، غير مدركين أن الحسد الذي يواجهون به غيرهم سيواجههم به الآخرون غداً، وبهذا لن ينتصر الجنوب، ولن تقوم له قائمة، طالما أن كل سياسي أو ناشط لا يريد هذا الجنوب إلا اذا عاد باسمه هو دون غيره.
إذن، ولأجل جنوب جديد، لا بد من التخلص من الحسد والغيرة، وإلا فإنهما سيأكلان الجنوب وأهله، كما تأكل النار الحطب.