ماريا معلوف تكتب لـ(اليوم الثامن):

في السودان هناك أزمة انسانية تستوجب التحرك

فرضت التطورات في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، سيطرتها على المشهد الإعلامي في العالم، واستحوذت الأحداث في مدن القطاع على الاهتمام السياسي والانساني، متناسين عن قصد او غير قصد حرب دموية أخرى يخوضها تنظيم الاخوان المسلمين عبر أداتهم الأخرى الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان التي وصل به الاجرام الى قصف مدرسة في شمال دارفور، وفيما العالم ملتهي بما يجري في غزة تفاقم الوضع في السودان حداً دفع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، الى عقد جلسة استماع ومناقشة تحت عنوان "النزاع والطوارئ الإنسانية في السودان: نداء عاجل للعمل"، حضرها المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو، الذي استهل شهادته بإعرابه عن أسفه لأن الحرب والأزمة الإنسانية في السودان أصبحت بالفعل كارثية، وأن الوضع ذاهب الى مجاعة حقيقية، خصوصاً وان استمرار الحرب بدأ يأخذ جانب يستشف منه انه تطهير عرقي وإقليمي، وأن الامور تتسارع في تحول السودان الى دولة فاشلة على البوابة الشرقية الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر.

ففي الوقائع يعاني الشعب السوداني من الموت، والجرائم ضد الإنسانية، والعنف الجنسي، والمجاعة والتطهير العرقي الذي تسببت بها الحرب التي فجرها الجيش السوداني بقيادة الفريق البرهان، كما نزح أكثر من 8 ملايين سوداني، وفر 3 ملايين طفل من العنف والحرب الدموية التي انطلقت شرارتها في نيسان (ابريل)2023، ونزوح الأطفال المسجل هو أكبر نزوح للأطفال في العالم، وكشفت المعلومات ان 25 مليون شخص يحتاجون  إلى الغذاء والدواء، وأن 4.9 ملايين منهم على حافة المجاعة.

وعلى الرغم من فظاعة ما يجري في السودان وتعاظم الوضع الانساني، يتعامل العالم مع التطورات في السودان كما لو أنها تجري على كوكب آخر، حتى أنها غير مرصودة من وسائل الاعلام العالمية والاقليمية حتى نكاد لا نسمع عن الحرب السودانية جملة واحدة، حيث وصل الأمر بالسودان وشعبه الى ملامسة حال من  انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية مستويات مثيرة للقلق، نتيجة عرقلة المساعدات الإنسانية.

فوفق أحدث البيانات الصادرة في السودان من هيئات ذات اعتبار أن 18 مليون شخص في السودان يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، وان 5 ملايين شخص هم على حافة المجاعة وأن 3 ملايين طفل في السودان يعانون من سوء التغذية الحاد.

وهذا ما أوضحه توم بيرييلو في شهادته أمام اللجنة في الكونغرس حين قال ان السودان على حافة المجاعة، بسبب الانتهاكات الصارخة والمنهجية المرتكبة من المتقاتلين للقانون الإنساني الدولي، حيث اتخذ الجيش السوداني قرار وصفه بيرييلو اضافة العديد من المراقبين بأنه غير معقول، ويقضي بمنع وتعطيل والحد من المساعدات الإنسانية ما عقد حصول الشعب على ما يساعده لمواجهة الجوع وتجنب المجاعة، ونتيجة انخفاض المساعدات حتى في مخيمات النزوح المقامة في تشاد، أصدر الكونغرس الأميركي قراراً بتمرير تمويل إنساني إضافي، وصفه المراقبين بأنه قرار منقذ لحياة الشعب السوداني، والجدير ذكره في هذا الشأن ان الولايات المتحدة تعهدت ومنذ اندلاع الحرب في السودان بتقديم ما يزيد على مليار دولار من الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية، وذلك في إطار التخفيف من حدة الوضع الانساني في السودان.

وختم توم  بيرييلو شهادته بالتأكيد على أن الحل الحقيقي الوحيد للأزمة الإنسانية والمعاناة الإنسانية هو إنهاء هذه الحرب، وأشار ان الصراع القائم ليس حرباً أهلية بقدر ماهي حرب على السلطة ضحيتها الاولى الشعب السوداني وتطلعاته إلى مستقبل حر وديمقراطي، كما دعا بيرييلو جميع الجهات الدولية الفاعلة في المشهد السوداني، لكي يكونوا شركاء حقيقيين في ارساء اتفاق للسلام وتجنيب السودان التحول الى دولة فاشلة، والعمل على اطلاق محادثات للسلام في الأسابيع المقبلة، على أن تشمل المحادثات القادة الإقليميين الأفارقة والعرب الرئيسيين، وأن تركز على مواءمة الإرادة السياسية الخارجية، وأن تهدف إلى التوصل إلى وقف شامل للأعمال العدائية.

وأنهى توم بيرييلو شهادته بأن السودان يواجه مسارين مختلفين ومتسارعين، أحدهما نحو المجاعة والدولة الفاشلة، والآخر نحو السلام والمستقبل الديمقراطي، وأن العائقين الوحيدين أمام إنهاء هذه الحرب هما:

 أولاً: الإرادة السياسية للجنرالين وأولئك الذين يغذون هذه الحرب المروعة.

 ثانياً: غياب الإرادة السياسية الكافية لدى أولئك الذين يستطيعون فرض السلام من المجتمع الدولي.

وهنا لا بد لنا من الإشارة الى ما تقوم به وزارة الخزانة الأميركية من خلال توسيع نطاق العقوبات على أولئك الذين يرتكبون الفظائع ويفسدون السلام، ناهيكم عن فرض العقوبات على مرتكبي العنف الجنسي.

 وعليه فإن شهادة بيرييلو أكدت المؤكد لدينا أن جنون ووهم السلطة هما المسيطران على عقلية الفريق البرهان ومن يقف خلفه و يمضيان بالسودان الى المجاعة من جهة والى بلد ممزق من جهة أخرى، وبالتالي على العالم وضع ما يجري في السودان في عين الاعتبار قبل وقوع الكارثة.