د. عبدالحفيظ محبوب يكتب:

لماذا القلق الأوروبي من وصول ترامب ونائبه إلى الحكم

روّج دونالد ترامب خلال فترة رئاسته الأولى للولايات المتحدة شعار “أميركا أولا” واعتبر ذلك عقيدة سياسية في السياسة الخارجية، اعتمدها فعليا حتى وإن تعارضت مع مبادئ التعاون متعدد الأطراف التي تتبعها الدبلوماسية الأميركية تقليديا. بالطبع جاء جو بايدن وأعاد تمتين العلاقات بين أعضاء الحلف الأطلسي، لكن لم يستجب لمطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضمان عدم توسع الناتو تجاه روسيا الاتحادية، مما جعل روسيا تقدم على الحرب في أوكرانيا، بين ترحيب بعض الأوروبيين الذين عانوا من تلويح بوتين بورقة الطاقة ضدهم في كل مناسبة، فأرادوا التحرر من استخدام بوتين لهذه الورقة.

 لكن البعض رأى أن ذلك يصب في صالح الولايات المتحدة، ويعزز من تنافسية صناعاتها أمام صناعاتهم حيث يباع الغاز الأميركي في أوروبا بخمسة أضعاف الغاز الروسي، ولا تزال نسبة 15 في المئة من حاجات أوروبا من الطاقة تأتي من روسيا، عدا الطاقة الروسية التي يعاد بيعها عبر طرف ثالث في أوروبا. وبذلك لا تختلف سياسات بايدن عن سياسات ترامب التي تعزز الاقتصاد الأميركي من خلال التدابير الحمائية مثل التعريفات الجمركية على المنتجات الأجنبية وإعادة التفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة لتحقيق شروط تفضيلية للولايات المتحدة.

يرفض ترامب الاتفاقيات الدولية التي تحد من استقلالية واشنطن مثل اتفاقية باريس للمناخ التي تتبناها دول الاتحاد الأوربي بسبب عدم امتلاكها احتياطيات من الوقود الأحفوري ربطته بتصفير التلوث من أجل أن يقتنع العالم بخطتها، في ما تحاول السعودية قائدة أوبك+ إثبات أن خطة التحول التي تتبعها أوروبا غير واقعية ولا تنسجم مع تحقيق مستقبل أمن الطاقة.

مستقبل أوروبا أصبح أكثر غموضا، خصوصا بعد فشل سياسات الرئيس الفرنسي ماكرون في الخروج بسياسات أوروبية مستقلة، وحتى الآن لا توجد قيادة في ألمانيا كما كان في زمن المستشارة ميركل

بالنسبة إلى الحرب الروسية في أوكرانيا سيتجه ترامب إلى حلها في حال عودته إلى البيت الأبيض، لكن ذلك لن يكون في صالح أوروبا. قد يكون في صالح ألمانيا التي تراجعت قدراتها التنافسية الصناعية مع العالم وبشكل خاص مع الصين. حيث نجد أوروبا قلقة بعد تصريحات أدلى بها المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس ج.د.فانس أعرب فيها عن معارضته للمزيد من الدعم الأميركي لأوكرانيا، ما جعل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ في 18 يوليو 2024 يقول على هامش اجتماع المجموعة السياسية الأوروبية في بريطانيا “من المهم للغاية أن تحافظ واشنطن على دعمها لكييف”.

في المقابل، كتبت صحيفة “بوليتيكن” الدنماركية معلقة على تعهد ترامب عدة مرات إنهاء حرب أوكرانيا باتفاق سلام، حتى قبل توليه منصبه رسميا بعد فوز محتمل في انتخابات نوفمبر 2024، أي تنازل أوكرانيا عن العديد من مناطقها المحتلة. وذهبت صحيفة “غازيتا فيبورتشا” البولندية في نفس الاتجاه مؤكدة أن ترامب أرسل إشارة واضحة إلى أوروبا بعد اختيار نائبه. وترى الصحيفة أن نائبه لا يتمتع بخبرة في السياسة الخارجية، بينما التوجه الرئيسي لترامب هو التركيز على تطوير القدرات التنافسية مع الصين، في ما أطلق بايدن الممر الكبير بين الهند وأوروبا المار بالسعودية لمواجهة الصين.

انتقد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الرئيس الدوري للاتحاد الذي زار بكين وموسكو وواشنطن الإستراتيجية الأوربية قائلا إنها نسخة من السياسة الأميركية، واعتبر أنها تفتقر إلى التخطيط السيادي والمستقبلي. واقترح أوربان أن يغتنم الاتحاد الأوروبي الفرصة الحالية لإعادة النظر في نهجه، ودعا إلى بذل جهود لتخفيف التوترات وتهيئة الظروف لوقف إطلاق النار، وربما بدء مفاوضات السلام. لكن مبادرة أوربان أثارت موجة من الانتقادات في العواصم الأوروبية حتى داخل المجر نفسها لأنهم يرون أنها بمثابة كارثة على أوروبا لأنها ستسلم القارة إلى الكتلة الاستبدادية التي تهيمن عليها الصين وروسيا.

عودة الأحادية مقابل التعددية كما تراها أوروبا تقلقها، وسيواصل ترامب الضغط على شركائه الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي لزيادة إنفاقهم الدفاعي، وقد تخفض واشنطن تواجدها العسكري في أوروبا مما يؤدي إلى زيادة الضغوط الأمنية على دول الاتحاد الأوروبي. ويقال إن التكتل القاري الأوروبي لا يحرز تقدما إلا في أوقات الأزمات، والآن أصبح مستقبل أوروبا أكثر غموضا وعلى المحك، خصوصا بعد فشل سياسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الخروج بسياسات أوروبية مستقلة، وحتى الآن لا توجد قيادة في ألمانيا كما كان في زمن المستشارة أنجيلا ميركل، فكيف سيتعامل الاتحاد الأوربي مع سياسات ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض؟