د. عبدالحفيظ محبوب يكتب:

الرئاسي اليمني يبدي مرونة والحوثيون يرفضون

لم تعد الأزمة اليمنية محلية أو إقليمية بل هي دولية نتيجة التدخل الإيراني وصراع طهران مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي، لكن دفعت المنطقة نتيجة ذلك الصراع الدولي ضريبة، تارة يضغط المجتمع الدولي على الشرعية المدعومة سعوديا لصالح الحوثي المدعوم إيرانيا من أجل تنازل إيران في الملف النووي مقابل تنازل المجتمع الدولي في الملف اليمني لصالح إيران، حتى تمكنت السعودية من القيام باختراق غيّر المعادلة بالتوجه عبر بكين لعمل تهدئة مع إيران، ثم أتت حرب غزة لتستثمرها إيران عبر حليفها الحوثي في الصراع مع أميركا. ولا تود السعودية تعكير صفو التهدئة لذا التزمت الصمت أمام ما حدث من مواجهة في البحر الأحمر، ورفضت الاشتراك في حارس الازدهار، رغم أن الضرر الأكبر لحق بالاقتصاد العربي وبشكل خاص بالاقتصاد المصري وليس الإسرائيلي من أجل أن يحقق الحوثي قاعدة شعبية أوسع يكتسب من خلالها شرعية وينشغل بغزة حتى لا يطالبها بالرواتب.

الأزمة المالية والاقتصادية ضخمة وكبيرة في اليمن، وفي تصريح خطير لمدير البنك الأهلي اليمني في عدن قال إن الشرعية هي مجرد حصالة رواتب لموظفين خارج اليمن يأخذون من الميزانية 815 مليار ريال يمني سنويا تمثل ثلث الميزانية ويستلمونها بالدولار.

وعلى الرغم من التهدئة اليمنية التي مضى عليها عامان ونصف العام، فإن الجماعة الحوثية الموالية لإيران تحاول تصعيدها على خطوط التماس مع القوات الحكومية لإفشال مساعي السلام الرامية إلى وقف الصراع وإخراج اليمنيين من وضعهم الاقتصادي والمعيشي المتدني. وفق إحصائية خسرت الجماعة الحوثية منذ النصف الأول من عام 2024 أكثر من 292 من مقاتليها خلال مواجهات متفرقة مع القوات الحكومية في عدة جهات.

لم تتخذ الشرعية بالتفاهم مع رعاة السلام أيّ قرار تجاه توحيد المجال المالي والمصرفي إلى أن تضع الحرب في غزة أوزارها، حتى لا تتهم أنها تدعم إسرائيل، وبعدما أصبحت على وشك نهايتها أصدر البنك المركزي في عدن قراراته الإصلاحية في سحب تراخيص 6 مصارف تعمل في مناطق سيطرة الحوثيين، وحجب نظام سويفت عنها، أو تأجيل تنفيذ القرار إلى نهاية أغسطس 2024 على الأقل لتعزيز وحدة البنك المركزي في عدن، وتوحيد إجراءاته، وتعزيز قيمة العملة اليمنية بدلا من انقسامها.

تصريح خطير لمدير البنك الأهلي اليمني في عدن قال إن الشرعية هي مجرد حصالة رواتب لموظفين خارج اليمن يأخذون من الميزانية 815 مليار ريال يمني سنويا تمثل ثلث الميزانية ويستلمونها بالدولار

 الإجراءات أزعجت جماعة الحوثي التي رفضت الدعوة للحوار الذي دعا إليه المبعوث الأممي مؤكدة أنها لن تقبل أيّ تفاوض إلا في إطار مناقشة تنفيذ خريطة الطريق المتفق عليه. وعلى الرغم من تمسّك المجلس الرئاسي بدعم الإصلاحات الاقتصادية وقرارات البنك المركزي في عدن، فإنه أظهر مرونة إزاء الطلب الأممي، مشترطا وجود جدول أعمال واضح للمشاركة في أيّ حوار حول الملف الاقتصادي، بما في ذلك استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة الوطنية، وإلغاء الإجراءات التعسفية كافة بحق القطاع المصرفي ومجتمع المال والأعمال. رغم ذلك اتجهت الجماعة إلى تهديد السعودية بدلا من الشرعية.

لا يمكن قراءة التداعيات في المشهد اليمني بمعزل عن التفاعلات الدولية والإقليمية، والمجلس الرئاسي ليس لديه مانع في منح الحوثيين فرصة شهر حتى يقتنع المجتمع الدولي بعدم جديتهم في تحريك مسار الحوار الاقتصادي، وأن سيف الشرعية ما زال مسلطا على رقاب الحوثيين. وهذا يثبت أن المجلس الرئاسي يمسك بزمام الأمور واستطاع أن يقض مضاجع الميليشيات من خلال تحريك أوراق بسيطة، وما زال في حوزته الكثير من الأوراق الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وبدأت عدن تعتمد تسهيلات لنقل مقرات المنظمات الدولية إليها بعدما احتجزت الجماعة الحوثية عددا كبيرا منهم بتهم التجسس.

السعودية لا تريد حربا جديدة في المنطقة وداخل اليمن، فهي التي عانت قبل تشكيل المجلس الرئاسي من بعض أطراف الشرعية التي كانت تتاجر بهذه الحرب، مثلما كانت الجماعة تبتزّ السعودية، في ما تجد السعودية السلاح السعودي يباع في الأسواق، وفي يد الحوثي، ويتم تسليم مناطق للحوثي دون قتال.

وهو ما جعل المجتمع الدولي عبر مبعوث الأمم المتحدة هانس غروندبرغ يطالب بوقف تدابير البنك المركزي في عدن ضد المصارف الخاضعة للحوثيين، والدعوة إلى حوار اقتصادي، رغم ما أثاره ذلك من موجة غضب واسعة في الشارع المؤيد للحكومة اليمنية. بينما صدم الحوثيون المبعوث الأممي بالرفض القاطع للحوار الذي دعا إليه، لأن الحوثي بذلك يخسر ما سعى له في البحر الأحمر من مواجهة تكسبه شرعية أوسع في الحكم.

وسبق أن أحاط المبعوث الأممي مجلس الأمن بجهوده المستمرة لعقد محادثات مباشرة بين الحكومة الشرعية والحوثيين، خلال شهر يونيو 2024، مؤكدا أنه يؤمن بالحوار بين الجانبين دون شروط مسبقة، وهذا الشرط لم يعجب الحوثيين. وأكد غروندبرغ أنه أعطى الأولوية لمعالجة القضايا الاقتصادية الراهنة، خصوصا أن الحوثيين أيضا قاموا بتعطيل مصافي النفط والتصدير منذ عامين.