د. عبدالحفيظ محبوب يكتب:
نهج السعودية ثابت في جمع الكلمة ووحدة الصف
بعد فتنة مقتل عثمان بن عفان، أراد الصحابة إبعاد الفتن عن الجزيرة العربية، فنقل الإمام علي عاصمة الدولة الإسلامية إلى الكوفة، بعد أن تم القضاء على أكبر إمبراطوريتين في معركتي اليرموك والقادسية، وكانت الكوفة قاعدة الجيش التي انتصر فيها الإمام علي في معركة المدائن على الفرس، واتخذ الخليفة معاوية عاصمة دولته في دمشق.
ومنذ ذلك التاريخ ظلت شبه الجزيرة العربية بعيدة عن عواصم الدولة الإسلامية، وكان هناك اهتمام محدود بمكة والمدينة، إلى أن وحّد آل سعود الجزيرة العربية عام 1744. لكن الدولة العثمانية رفضت استمرار الدولة الوليدة التي تهدد شرعيتها، إلى أن أتى الملك عبدالعزيز آل سعود ووحد الجزيرة العربية بالتزامن مع ضعف وانهيار الدولة العثمانية التي انهارت بشكل فعلي عام 1909 وانتهت رسميًا في 1 نوفمبر 1922.
يكرر التاريخ نفسه، مع الدولة الصفوية المتحالفة مع البرتغاليين الذين يسيطرون على سواحل الخليج العربي ومضيق باب المندب في منافسة مع الدولة العثمانية. كان هدف الدولة الصفوية من التحالف مع البرتغاليين احتلال مكة والمدينة، حيث وصل الجيش الصفوي إلى البكيرية، ووصل البرتغاليون إلى ميناء جدة، لكن ظروفًا سياسية منعت تحقيق هذا الهدف. والتقى الجيش الصفوي بقيادة إسماعيل الصفوي بالجيش العثماني بقيادة السلطان سليم الأول في جالديران عام 1514، وانتهت المعركة بانتصار القوات العثمانية واحتلالها مدينة تبريز، ممّا أدى إلى وقف التوسع الصفوي لمدة قرن ليصبح العثمانيون سادة الموقف.
اليوم تتولى السعودية مسار العملية التفاوضية للوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة، وتمكنت من الحصول على موافقة 148 دولة حول العالم على إقامة هذه الدولة المستقلة
واليوم، يتكرر المشهد بين إيران، بدعم من الغرب، والسعودية التي ترعى الحرمين الشريفين، كما كان في عهد الرسول وفي عهد أبي بكر وبقية الخلفاء الراشدين في إعادة توحيد الجزيرة. هذه المرة هناك اختلاف، إذ تنافس إيران السعودية عبر تشكيل ما يسمّى بمحور المقاومة للمتاجرة بالقضية الفلسطينية. انكشف غطاء هذا المحور بعد طوفان الأقصى عندما أعلنت إيران أن طوفان الأقصى كان ثأرًا لمقتل قاسم سليماني. وفي نفس الوقت استطاعت السعودية تبنّي مشروع اقتصادي لم يكن فقط وطنيًا بل إقليميًا وعالميًا، حيث يتقاطع في السعودية مشروعان؛ الحزام والطريق والممر الهندي الأخضر الذي يصل بين الهند وأوروبا مارًا بالسعودية.
عندما تغيب المرجعية عن أيّ إصلاح يصبح شعارًا أجوف لا قيمة له، لأن البدع والأهواء ليست إصلاحًا حتى لو صدرت من المسلمين: “والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم”، “ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها”، “وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون”. فهناك التيار الإصلاحي والمدرسة الإصلاحية، والإصلاحيون. وأغلبها تيارات منحرفة مستترة بالإصلاح.
الخوارج في عهد الإمام علي كانوا يطالبون بالإصلاح ويتمسكون بقوله تعالى: “إن الحكم إلا لله”، وكان رد الإمام علي: “كلمة حق أريد بها باطل”. ويتكرر اليوم السيناريو وبشكل خاص ترديد الولاء والبراء: “ومن يتولهم منكم فإنه منهم”، ويعتبرون كل العرب صهاينة ويهودًا في ما قال أبوجعفر: ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنين أي تولاهم ونصرهم على المؤمنين.
كذلك يفسرون قوله سبحانه وتعالى: “ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم”، يطالبون بمقاطعة اليهود والنصارى ومعاداتهم، بينما في الآيات القرآنية المحكمة توضح المقصد من غايات هذه الآيات: “وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا”، وفي آية أخرى: “ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى”. بل أمر الله سبحانه وتعالى بالبرّ بمن لم يقاتل المسلمين: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”. ويتهكمون بالدول التي أقامت علاقة مع إسرائيل ويتجاهلون قوله تعالى: “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله”. بل إن الصحابة الكرام لم يوافقوا على صلح الحديبية بقولهم: “أنقبل الدنية من ديننا”، فقال أبوبكر لعمر: “إلزم غرزه فإنه نبي”. بل في الآية العظيمة يطلب الله سبحانه وتعالى الصبر على أذى أهل الكتاب والمشركين: “لتبلونّ في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور”.
عندما تغيب المرجعية عن أيّ إصلاح يصبح شعارًا أجوف لا قيمة له، لأن البدع والأهواء ليست إصلاحًا حتى لو صدرت من المسلمين
أرادت السعودية جمع الكلمة وتوحيد الصف من خلال تعزيز مبادئ الوسطية وترسيخ قيم الاعتدال، بالدعوة لمؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية في دول العالم الإسلامي للاجتماع بمكة المكرمة قادمين من أكثر من 60 دولة، واختتم أعماله بـ8 توصيات في 6 أغسطس 2024.
ركز المؤتمر على ربط المواطنين بقياداتهم (لأن الشيوعيين كانوا يرون أن الثورة يتبناها مجانين ويقودها انتهازيون ويذهب ضحيتها الأبرياء) فلا يعقل أن يحيى السنوار بيده مقاليد السلم والحرب، وسلّمته جماعة الإخوان مفاتيح السلم والحرب، بخلاف القيادات الحريصة على الشعب بل وعلى القضية الفلسطينية وعلى دماء الشعب. حتى لو اعتبرنا عملية طوفان الأقصى عملية بطولية، لكن ماذا جنت، وما هي النتيجة غير إبادة غزة بالكامل؟
قامت الثورة الفلسطينية عام 1965، وكانت تعتمد على اضرب واهرب، لأنها تدرك أنها في مواجهة جيش مدجج بالسلاح مدعومًا غربيًا، وسبق لها أن خسرت في المواجهة الشاملة مع إسرائيل في 1982 في بيروت.
اليوم تتولى السعودية مسار العملية التفاوضية للوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وتمكنت بفضل جهود قام بها وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان الذي زار 23 بلدًا حول العالم في غضون 25 يومًا من الجولة الحصول على موافقة 148 دولة حول العالم على إقامة هذه الدولة المستقلة.
المؤتمر أكد على التضامن الإسلامي وتعزيز التعاون في التصدي للتطرف الذي يهدد أمن المجتمعات، وتنشيط الفهم الصحيح للإسلام ونشره في العالم وفق الكتاب والسنة، وفق ما سار عليه السلف الصالح، مع تعزيز المواطنة، وإبراز أهمية التعايش والاندماج في المجتمعات غير المسلمة، مع الحفاظ على الخصوصية الإسلامية في ظل العولمة الثقافية، وأكد على أهمية إيجاد إطار متكامل يحفظ للفتوى قدرها، ويمنع استغلالها واستخدامها إلّا بدليل يقيني وليس ظنيا.