حسام عبد الحسين يكتب لـ(اليوم الثامن):

لولا ايران، ماذا تصنع امريكا للعراق؟

في حوار شيق مع صديق محترم قائلا: (أن إيران لم تعطِ المجال لامريكا لإعمار وبناء العراق واستقراره، وتدخل ايران هو السبب الذي لم يدع امريكا تطور العراق كما طورت اليابان وإندونيسيا وغيرها).

قلت له: أن هذا الرأي له انتشاره في المجتمع العراقي، ورفع في مظاهرات تشرين عام ٢٠١٠ وقلت في وقتها أن هذا وهم خاطئ وقعت به الجماهير. 

واكملت: أن أمريكا احتلت العراق في عام ٢٠٠٣ بدعم دولي لا مثيل له، ونصبت حاكم مدني (بول بريمر) للعراق، وهذا لم يتوفر في اليابان وإندونيسيا وغيرها وأصبح العراق بقيادة امريكا بالكامل أكثر من قيادتها لأي ولاية من ولاياتها !

إذن منطقيا وسياسيا لا يمكن لأي دولة أن تتدخل بالشأن العراقي دون موافقة امريكا، لذا تدخل ايران في العراق بإرادة امريكا، نعم فكريا ايران قادرة أن تدخل لمجتمع العراق لوجود المذهب الشيعي المشترك، لكن سياسيا واقتصاديا وجغرافيا وعسكريا غير ممكن نهائيا.

أجاب صديقي: لكن واقعيا ايران تمكنت سياسيا واقتصاديا وجغرافيا وعسكريا داخل العراق؟

أجبته: يا صديقي أن امريكا اختارت العراق لزيادة أرباح الطبقة الحاكمة في امريكا ومن ساندهم، بالسيطرة التامة على النفط، وكذلك ليكون نقطة مركزية لمقارعة التوسع الروسي - الصيني في الشرق الأوسط، وهذا بمرور الوقت سيؤدي الى رفض جماهيري وعالمي لوجودهم في العراق، ولهذا سمحت لايران بالتوسع بالعراق لتوازن القوى، وتبرير الهدف بالصراع الإعلامي.

إن (الناتو) بقيادة امريكا وبريطانيا (الدول الرأسمالية العالمية) بشكل عام يعملان بمنهج (النموذج والاستهلاك) حسب الرؤية العملية للرأسمالية، أي بخداع الجماهير ببناء دولة معينة في مكانٌ ما (نموذج)، ولاحتلال وسيطرة على دولة أخرى للربح وضمان عدم الاعتراض (الاستهلاك).

قال الصديق: على أي أساس امريكا اختارت العراق للاستهلاك؟

أجبته: أولاً/ امريكا منذ عام ١٩٩١ عملت على ذلك بقرار الحصار الاقتصادي على شعب العراق لتجويعه وبالتالي إضعافه فكريا وثوريا.

ثانياً/ أرضية العراق السياسية الهشة لان نظام صدام سياسيا اضعف دول المنطقة.

ثالثاً/ موقعه الجغرافي لمقارعة التوسع الروسي - الصيني في الشرق الأوسط ومكانا مميز لحرب الوكالة ومقراً لمخابرات الدول وتصفية الحسابات.

إن امريكا لم تسمح لايران فقط التدخل بالعراق وانما سمحت لتركيا والسعودية وقطر والامارات والاردن وغيرها وهذا يثبت ادلتنا السابقة. لكن ايران اكثر نفوذ بسبب الدعم الروسي - الصيني لها، وليست الارضية العقائدية.

 قال الصديق: امريكا طورت دول كثيرة؟

أجبته: بعيدا عن الاعلام والنظر الى الواقع نجد ان امريكا لم تطور شعباً وانما تدعم ساسة هذا الشعب وتجعلهم اغنياء برجوازية لتحقيق اهدافها، بدليل: القنبلتين الذريتين على هورشيما وناكازاكي ومقتل مئات الالاف ودمار شبه تام لهاتين المدينتين لاستسلام الشعب وفرض ساسة عليهم، يشبه أحداث ٢٠٠٣ وبعدها في العراق، والى الان معاناة الفرد في اليابان الاقتصادية وضعف الحريات الإنسانية. (أنظر الى أفغانستان تعرف أمريكا).

يا صديقي نحن في السياسة ننظر الى حياة الفرد وليس الى حالة الدولة وهذا فارق إنساني وسياسي كبير.

سأل صديقي: (أراك تدافع عن ايران كأنها ليس لها عمل سلبي في العراق)؟

أجبته: لا يا عزيزي أنا أفرق بين الشعب والساسة، ولا أنظر إليهم واحد، وأنا رافض السياسة الايرانية داخل العراق كما أرفض السياسة الامريكية داخل العراق أيضا، ولا أميل حتى بالقرارات الجزئية "الجيدة" لاحد منهما بل اتطلع لنظام نؤسسه نحن ونكتب قانونه ودستوره نحن وفق حاجاتنا الإنسانية المباشرة، وكثير من الشعوب حققوا ذلك.

أجاب صديقي: ايران ذكية واستطاعت أن تدخل المعارضة العراقية التي كانت لديها بالحكم بعد ٢٠٠٣ !

أجبته: كلامك نفسه إجابة! بدليل؛ لو كانت امريكا رافضة أو لا تريد التدخل الايراني في العراق، فكيف قبلت وأعطت الحكم للاحزاب العراقية المعارضة المستوطنة في ايران ؟ 

وكيف أرسلت لهم رسائل للمشاركة في مؤتمر لندن ٢٠٠١ !؟

ولماذا رفضت امريكا عشرات الاحزاب المعارضة لصدام في الخارج، اليسارية منها والقومية والاسلامية والمدنية وحتى الملكية من المشاركة بالنظام الحاكم بعد ٢٠٠٣ !؟

اذن ليس ذكاء من ايران بل ارادة امريكية بدليل المعطيات أعلاه.

سؤال الصديق: كيف تقول ذلك وامريكا متضررة مصالحها من النفوذ الايراني؟

جوابي: امريكا غير متضررة مصالحها نهائيا، مصالحها الاقتصادية تأخذ حصتها من النفط وهي حددت النسبة والكمية والكيفية بعد ٢٠٠٣ والى الان والاستثمارات وغيرها، مصالحها التوسعية بالشرق الأوسط ماسكة ارض بقواعدها بالعراق، ولها السيطرة الجوية التامة، اذن المتضرر انا وانت من وجود الطرفين.

قال الصديق: الحرب الاقليمية او العالمية القادمة ستثبت لك من هو الأفضل للعراق!

قلت: إن احداث غزة وما تلاها من أحداث تثبت أن امريكا وايران يريدان البقاء على التوازن في بقاء المصالح على حساب شعب العراق، فلا امريكا تسعى بقوة لطرد النفوذ الايراني من العراق، ولا ايران. مناوشات عسكرية بسيطة، واعلام ضخم، وان حدثت الحرب يدفع ضريبتها الشعوب، لان سياسة الرأسمالية واحدة ضد شعب العراق بغض النظر عن اسم الدولة، سواء الناتو وحلفائه أو روسيا - الصين وحلفائهم، فالحرب ستدمر حياتنا وما بعد الحرب مهما كان المنتصر سيحكم بنفس السياسة الرأسمالية إلا اذا قالت الجماهير كلمتها.

قال الصديق: اذن نحن بحاجة الى ساسة يحققوا التوازن بين امريكا وايران!

قلت: هذا “السياسي” يخضع مرتين، مرة لمحتل عالمي، واخرى لمحتل اقليمي من أجل بقاءه واستمراره في الحكم، على حساب حياة وحقوق الشعب، وتصاغ بعبارات مزركشة (تحقيق التوازن، المداراة، حنكة التعامل،..الخ).

هنا وأثناء الحوار انطفأت الكهرباء فقال صديقي: الله لا يوفقهم (حرامية)، وقلت: نعم، وهدف مستقبلي آخر: هو الخصخصة لزيادة أرباحهم. اتفقنا هنا وانهينا حوارنا بابتسامة.