محمد فيصل الدوسري يكتب:
ملفات الشرق الأوسط ما بين ترامب وهاريس
بينما يمر العالم بتحولات جيوسياسية واسعة، وأزمات متصاعدة إثر الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعيات حرب غزة، والملفات العالقة في منطقة الشرق الأوسط، نراقب سخونة الانتخابات الرئاسية الأمريكية بعد انسحاب الرئيس جو بايدن..
وانحصار المنافسة بين الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، ونائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
الولايات المتحدة هي الدولة الأولى اقتصادياً في العالم، ولا تزال الأكثر نفوذاً وتأثيراً رغم مرورها بحالة ضعف في السياسة الخارجية خلال فترة إدارة بايدن، والفائز في السباق الرئاسي سيحدد بوصلة وتوجهات وشكل الإدارة الأمريكية للفترة 2025-2028.
ولقد تطرقت في مقالي بتاريخ 26 يوليو/تموز 2024 في "العين الإخبارية"، بعنوان: "سيناريوهات ما بعد بايدن" إلى فكرة أن المنطقة العربية لن تتأثر كثيراً بمن سيكسب الانتخابات، خصوصاً الدول العربية المحورية التي تملك نضجا سياسيا واسعا، وتبنت سياسة حديثة أساسها أدوات الاقتصاد وتنوع العلاقات، وتستطيع التكيف مع مختلف الظروف، والاختلافات بين سياسات ترامب وهاريس واضحة، ولن تكون جذرية على ديناميكيات المنطقة.
التساؤلات عديدة، إن كان سيكون ترامب الثاني كما هو ترامب الأول في ولايته السابقة 2017-2020، والتي اتسمت بملامح واضحة ركزت على أدوات السلام والأمن والاقتصاد في مواجهة الإرهاب والتطرف، وتقليص الوجود العسكري الأمريكي والتركيز على أهداف عسكرية محددة.
وشهدت فترة ترامب الأولى عقوبات غير مسبوقة على إيران والانسحاب من الاتفاق النووي، وإعطاء الأولوية لأمن دول الخليج العربي، كما شهدت توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، وكانت هناك عدة مفاوضات وبوادر للانسحاب الأمريكي من أفغانستان وسوريا والعراق.
وإذا أتيحت لترامب ولاية ثانية، أتوقع استمرار نهجه الأول في دعم إسرائيل، والضغط على حكومة بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب بشكل سريع، والانتقال إلى مرحلة اليوم التالي في غزة، وسيسعى إلى زيادة عدد الدول العربية الموقعة على الاتفاقيات الإبراهيمية، من منطلق استمرار سياسته المتشددة بشأن إيران، إلا أنه قد يكون منفتحاً لو تغير التوجه الإيراني، ما يعني أن إيران تفضل سياسات بايدن الأكثر تساهلاً على عودة ترامب للسلطة.
وسينفذ ترامب سياسة الانسحابات من سوريا والعراق مع قدرته على الوصول لتفاهمات أمنية مع أطراف الصراع، فترامب لا يعتمد على الدبلوماسية التي قد تأخذ وقتاً طويلا بل على مبعوثين لكل الملفات، ما يسرع وتيرة القرارات ومخرجاتها، فهو بذلك يريد الاعتماد على حلفائه الإقليميين في المنطقة، وتعزيز قدراتهم العسكرية في مواجهة المليشيات التابعة لإيران.. وعليه، عودة الغطاء الأمني الأمريكي في المنطقة، ما سيشعل المنافسة الجيوسياسية بين واشنطن وبكين.
هاريس ستتبع الخطوط العريضة لتوجهات بايدن مع فارق قلة خبرتها في السياسة الخارجية، ولكن مع وجود نفس المجموعة من المستشارين الديمقراطيين الذين عملوا مع بايدن وفترة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ستستمر السياسات الأمريكية الحالية التي تعتمد على الدبلوماسية، ما يعني أن واشنطن لا تستطيع إيقاف الحرب في غزة، إن لم تتوافق مع توجهات حكومة نتنياهو، ولن تستطيع الوصول إلى حل الدولتين دون الإرادة الإسرائيلية، وستواصل هاريس سياسة استرضاء طهران، في محاولة لخفض التصعيد واحتمالية إحياء الاتفاق النووي، ما يعني استمرار مخاطر المليشيات التابعة لإيران، كما هي في وقتنا الراهن.
سيختلف الشكل والمنهج لكل من ترامب وهاريس في التعامل مع الملفات العربية العالقة في سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، والسودان.
ترامب سيعتمد بشكل واسع على مواقف حلفائه من دول الاعتدال العربي، خصوصاً الإمارات والسعودية ومصر والأردن في اتخاذ القرار بشأن تلك القضايا، وهو يتميز بالواقعية السياسية في حماية المصالح الأمريكية دون التورط في الصراعات الداخلية، والمرونة والنهج العملي في تحقيق الاستقرار السريع والملموس بما يحقق مصالح واشنطن الاقتصادية، بينما توجهات هاريس ستعتمد على أدوات الحلول الدبلوماسية والوساطة الدولية ودعم التحول الديمقراطي، والتي قد تأخذ وقتاً طويلا، ولكنها تتميز في التركيز على مضاعفة المساعدات الإنسانية.
بغض النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض في 2025، فإن الولايات المتحدة ستواصل لعب دورها المحوري في الشرق الأوسط، وستظل المصالح الأمريكية هي الدافع الأساسي وراء سياسات واشنطن، ولو اختلف الأسلوب والتنفيذ بين ترامب وهاريس.
والمنطقة العربية تملك قوى إقليمية مؤثرة، بما فيها دولة الإمارات، وستواصل ممارسة مسؤوليتها الإقليمية، والتأثير على مسارات الأمن والسلام والازدهار الاقتصادي في المنطقة.