فؤاد الهاشم يكتب:
إنه كان ظلومًا جهولًا!
قبل سنوات، أصدر الشيخ محمد بن راشد، رئيس الوزراء ونائب رئيس الدولة وحاكم دبي، حفظه الله، قرارًا جميلاً وإنسانيًا ورحيمًا يقضي بوضع لوحات إرشادية داخل المقرات الحكومية للإمارة، تدعو الموظفين إلى التعامل بكل رفق مع المواطن الذي يراجعهم لإنجاز معاملة. وتشجعهم على امتصاص غضبه إذا غضب، وتهدئته إذا نرفز، وأن يبذل الموظف قصارى جهده لراحة هذا المراجع لأنه أصلاً جاء لخدمة الناس وتسهيل حياتهم.
طبعًا، هذا في دولة الإمارات العربية المتحدة المتميزة في كل شيء. أما عندنا، فنحن - كما قال الشهير الفلسفجي قدس سره وكبّر خشمه - "الكويت.. غير!" وكما تقول اللافتة التي وضعتها جمعية مشرف على مدخلها: "مشرف.. غير!" حتى أنا أصابني "طشارها"، إذ اعتاد مسؤول التحرير في الجريدة زمان أن يطلب مقالي قبل النشر ليقرأه، وعندما أقول له بأن هناك عشر مقالات لعشرة كتاب يكتبون معنا في الصحيفة لا يقرأ مقالاتهم، يبتسم قائلاً لي: "بوعبد الرحمن …إنت.. غير!".
أضحكني وأحزنني - في نفس الوقت - صدور قرار من مجلس الوزراء في مرسوم بقانون يهدف إلى تشديد العقوبة على جرائم التعدي على الموظف العام و"عدم جواز عدول المجني عليه - وهو الموظف - عن شكواه أو التصالح مع المتهم أو العفو عنه!!!".
الكل ضد الاعتداء على موظف عام أو حتى خاص، لكن الفقرة الأخيرة تثير الاستغراب والدهشة و…الضحك!! بالإضافة لكونها - تلك الفقرة - تتسم "بالنحاسة والخباثة واللعانة" نسبة إلى لعبة "جنجفة" كويتية قديمة، فإنها مخالفة صريحة وواضحة لنصوص وأوامر إلهية واضحة وصريحة في كتاب الله تعالى، إذ يقول عز وجل: "فمن عفي له من أخيه فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان"، ويقول تعالى عز وجل: "فاصفح الصفح الجميل"، ويقول تعالى عز وجل: "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم"، ويقول تعالى عز وجل: "والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"، ويقول تعالى عز وجل: "فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين"، ويقول تعالى عز وجل: "فأعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره". صدق الله العظيم.
ويقول خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "من عفا عن مظلمة أبدله الله بها عزًا في الدنيا والآخرة"، ويقول عليه الصلاة والسلام: "تجاوزوا عن ذنوب الناس يدفع الله عنكم بذلك عذاب النار".
ويقول الإمام علي كرم الله وجهه: "شر الناس من لا يعفو عن الزلة ولا يستر العورة".
من أجل ما سبق جميعه، ندعو سمو رئيس مجلس الوزراء إلى التراجع وشطب تلك الفقرة من المرسوم بقانون، لتعدل بها ميزان حسناتك حين يسألك الرحمن يوم لا ينفع مال ولا بنون: "لم تمنع الناس من العفو وأنا أدعوهم إليه؟!"
سؤال إلى سمو رئيس الوزراء الموقر:
هل أتاك حديث حرق 400 ألف برميل نفط يوميًا من أجل تشغيل محطات كهربائنا وتحلية مياه بحرنا؟! خلال السنوات العشر القادمة قد نضطر لإحراق نصف إنتاجنا، أي ما يصل إلى مليون ومائتي ألف برميل يوميًا، للغرض ذاته! أعتقد أن الوقت قد حان ليصدر مجلسكم الموقر مرسومًا بقانون لإنشاء محطات نووية للطاقة السلمية، ويمكن الاستعانة بخبرات الأشقاء الأعزاء في دولة الإمارات وبتكنولوجيا كورية توفر علينا وعلى أجيالنا القادمة حرق الملايين من براميل ثروتنا الناضبة!
أنا التقيت بالأمير الراحل صباح الأحمد في مكتبه بقصر بيان وسألته إن كان الوقت قد حان للطاقة النووية، فأبلغني بموافقته على ذلك، وبأن الاتفاق سيكون مع الفرنسيين. نشرت تصريحه هذا وقتها في الجريدة، لكن توابع حدثت لا علم لي بها ربما أعاقت تنفيذ ذلك المشروع العملاق! أليس صدور مرسوم بقانون في مثل ذلك المشروع الحيوي الضخم أكثر جدوى من مرسوم "النحاسة" ومرسوم بصمة الإصبع وبصمة الوجه وبصمة الخشم؟!
إنها مسؤولية وأمانة الحكم، سمو الرئيس! يقول الباري عز وجل في محكم كتابه: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا". صدق الله العظيم.