هاني مسهوريكتب:
الإماراتيون في مهمة تجفيف منابع الكراهية
بلا سابق إنذار، تقدم عبد الله آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام بدولة الإمارات، بشجاعة ليبدأ مواجهة مفتوحة بعنوانها العريض "تجفيف منابع الكراهية".
ومهما كانت التسميات التي قُدِّمت، فهي تبقى في سياق المفهوم الواضح والمعلن لما بات يُعرف بأزمة منصات التواصل الإعلامي.
المبادرة الإماراتية، شجاعتها أنها جاءت من أعلى سلطة تمثل الإعلام في العاصمة أبوظبي، واللافت فيها أن آل حامد ذهب بشخصيته الاعتبارية إلى واحدة من أبرز أوكار منابع تصدير الخطاب الشعبوي المحتقن ليكون واحداً من المتحدثين في المساحة الصوتية، وقدم فيها مضامين رسائله التي تهدف إلى وقف الإساءات على الدول الخليجية ورموزها الوطنية.
بعدها بساعات، عاد وظهر ضيفاً في مساحة أخرى قدم فيها رؤية توافقية حول ما يحدث من الإساءات، وأشار إلى أن وزير الإعلام السعودي يشاطره ذات مشاعر الاستياء من حالة الانفلات على منصات التواصل الاجتماعية.
غير أن المبادرة الإماراتية ذهبت إلى الأفعال وتركت المشاعر جانباً، بخطوة عملية واضحة. ورغم أنها صنعت أجواء إيجابية سريعة بتراجع الإساءات، لكنها في المقابل تبقينا عند مفاهيم النظر إليها كنقطة انطلاق لأفق قادم في صياغة الرأي العام العربي.
الواقع المعاصر في العالم العربي، مع كل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مشمول بتراكمات تاريخية تتعلق بجزء مهم منها بأزمة الوعي في العقل العربي الجمعي.
ومنطقة الخليج العربي، بما أنها تعيش فترة من التاريخ تُعد من خلالها قائدة المجتمعات العربية نظراً لتفوقها الحضاري، وتجعل المدن الخليجية تتسابق على صدارة مدن العالم في قوائم المعايير الدولية لجودة الحياة، وتمر بصناعات الذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى صناعة المحتوى الإعلامي بكافة أشكاله الإخباري والترفيهي، فإنها تدعو إلى استيعاب أهمية اللحظة الخليجية والقدرة على استثمارها فيما يمكن أن يؤسس لوضع معايير معاصرة لصناعة المحتوى الإعلامي العام.
وكشفت أزمة «الربيع العربي» قبل أكثر من عقد أن جماعات الإسلام السياسي استغلت فراغاً إعلامياً، ومن خلاله تسللت لتقديم خطابها المشبع بالشعبوية الدينية المتطرفة.
ورغم أن الجميع أجمع على وجود هذا الخلل، فإن أحداً لم يتدارك الوضع بالجدية المطلوبة في ملء الفراغ، وبقيت الاجتهادات تحاول سد الفراغات تحت شعار "لكل مجتهد نصيب"، مشكلة العقل العربي المعاصر تكمن في جيل لم يقرأ التاريخ، ويكتفي بمنشور قصير أو مقطع فيديو ليبني من خلاله قراءاته السياسية والفكرية.
نحن أمام معضلة جيل لا يريد أن يقرأ، ومن المؤكد أن من لا يقرأ سيكون محدود الفهم والاستيعاب لمتطلبات مسؤولياته الفردية، تتمثل إشكالية الوعي عند جيل أتيحت له مجالات واسعة من المعرفة في أن الهيئات والمؤسسات الحكومية وجدت نفسها في موقف معقد، في ظل انكفاء النخب الفكرية عن إضافة القدر الأكبر من المحتوى الرصين. وذلك بسبب ما تشكله مجموعات الضغط، سواء المؤدلجة أو غيرها، من حملات تنمر إلكتروني تهدف إلى تشويه السمعة وتضليل الرأي العام. هذه الحملات زادت من انكفاء النخب بسبب عدم وجود قوانين تحميها.
إن المبادرة الإماراتية الشجاعة التي أطلقها عبد الله آل حامد تمثل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، لكنها تحتاج إلى استراتيجية شاملة ومستدامة لتحقيق التغيير المنشود. فتجفيف منابع الكراهية ليس مجرد مهمة قصيرة الأمد، بل هي عملية طويلة ومعقدة تتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية.
أولاً، يجب علينا الاعتراف بأن مشكلة خطاب الكراهية والتطرف على منصات التواصل الاجتماعي هي انعكاس لأزمة أعمق في المجتمعات العربية. فالفراغ الفكري والثقافي الذي خلفته عقود من الركود والتراجع الحضاري قد تم ملؤه بأفكار متطرفة وخطابات شعبوية. لذا، فإن الحل يكمن في إعادة بناء منظومة ثقافية وفكرية متكاملة قادرة على مواجهة تحديات العصر.
ثانياً، هناك حاجة ملحة لتطوير آليات قانونية وتنظيمية فعالة لضبط المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي. ولكن يجب أن يتم ذلك بطريقة توازن بين حماية الحريات الفردية ومنع خطاب الكراهية والتحريض، فالرقابة المفرطة قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتزيد من حدة التوتر والاستقطاب.
ثالثاً، يجب الاستثمار بشكل كبير في التعليم والتوعية، خاصة للأجيال الشابة. فتعزيز مهارات التفكير النقدي والوعي الإعلامي أمر ضروري لتمكين الشباب من التمييز بين المعلومات الموثوقة والمحتوى المضلل. كما أن تعزيز قيم التسامح والتعايش من خلال المناهج التعليمية والبرامج الثقافية يمكن أن يساهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكاً ومناعة ضد خطابات الكراهية.
رابعاً، هناك حاجة لإعادة النظر في دور النخب الفكرية والثقافية في المجتمع. فبدلاً من الانكفاء خوفاً من التنمر الإلكتروني، يجب تشجيع هذه النخب وحمايتها للمشاركة بفعالية في الحوار العام وتقديم رؤى بديلة للخطابات المتطرفة. ويمكن للحكومات أن تلعب دوراً مهماً في توفير منصات آمنة لهذه النخب للتعبير عن آرائها.
خامساً، يجب الاستفادة من التفوق التكنولوجي والاقتصادي لدول الخليج في تطوير صناعة إعلامية عربية متطورة. فإنتاج محتوى إعلامي عالي الجودة، سواء كان إخبارياً أو ترفيهياً، يمكن أن يساهم في تشكيل رأي عام مستنير وواعٍ.
وأخيراً، لا بد من تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مواجهة التحديات المشتركة. فخطاب الكراهية والتطرف لا يعرف حدوداً، ومواجهته تتطلب جهوداً منسقة على المستوى العربي والعالمي.
إن المبادرة الإماراتية تمثل فرصة ثمينة لإعادة صياغة المشهد الإعلامي العربي. ولكن نجاحها يعتمد على قدرتنا على تحويلها من مجرد رد فعل على أزمة راهنة إلى استراتيجية شاملة لبناء فضاء إعلامي عربي مسؤول ومتطور. فالتحدي الحقيقي ليس فقط في تجفيف منابع الكراهية، بل في زرع بذور التسامح والتفكير النقدي والإبداع في التربة الخصبة للعقل العربي.
نعرف عن الإماراتي أنه لا يعرف المستحيل لذلك نعتقد أنه الأقدر على تبني قيادة مرحلة تجديد الخطاب الصحفي والإعلامي العربي، تعايش الثقافات المختلفة في دولة الإمارات منحها قدرة أعلى على أن تكون الأشجع في هكذا مواجهة لن تكون بالتأكيد أصعب من تلك التي أطاحت ذات يوم بمشروع التنظيم الدولي للإخوان واستطاعت إسقاطه بضربات مؤلمة لا يزال العالم يشير إلى القيادة الإماراتية بأنها هي أقوى من واجه ذلك الخطر وأسقطته بالضربة القاضية.