سيف الدرعي يكتب:
الإمارات وأمريكا.. شراكة استراتيجية تتجدد في عصر التحولات الكبرى
في خضم عالم متغير تتسارع فيه وتيرة التحولات الجيوسياسية والاقتصادية، تبرز زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، إلى الولايات المتحدة كحدث بالغ الأهمية.
يعيد هذا الحدث رسم ملامح العلاقات بين البلدين ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاستراتيجي.
تأتي هذه الزيارة التاريخية في توقيت بالغ الدقة، إذ تتزامن مع الذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لتكون بمثابة نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة من الشراكة المتجددة، وفي حين أن التاريخ يشهد على عمق وقوة الروابط الأمنية والعسكرية التي جمعت بين الإمارات وأمريكا، فإن المستقبل يحمل في طياته تحديات ومجالات تعاون جديدة تتطلب رؤية استشرافية وإرادة سياسية قوية.
ويقف التاريخُ شاهداً على عمقِ العلاقاتِ الأمريكيةِ الإماراتيةِ التي تعودُ إلى ما قبلِ 5 عقودٍ، وها هي اليوم تُزهرُ من جديدٍ مع زيارةِ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى واشنطن.
تُعدُّ هذه الزيارةُ مُصافحةً مُفعمةً بالأملِ تُعيدُ رسمَ خريطةِ العلاقاتِ بين البلدينِ، فبينما تتزامنُ مع الذكرى الخمسين لقيامِ هذهِ العلاقاتِ، فهي تحملُ في طياتِها وعوداً جديدةً بفتحِ أبوابِ التعاونِ في مجالاتٍ لم تُستهلك بعدُ.
لقد شكلت العقود الـ5 الماضية مسيرة حافلة بالإنجازات المشتركة، بدءاً من التعاون الدفاعي الوثيق الذي تجلى في اتفاقية الدفاع المشترك عام 1994، مروراً بالتنسيق في مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وصولاً إلى الشراكة الاقتصادية المتنامية التي جعلت من الإمارات أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
بيد أن زيارة الشيخ محمد بن زايد هذه المرة تحمل في طياتها رسالة واضحة مفادها أن الإمارات تتطلع إلى نقل هذه الشراكة إلى آفاق أرحب.
فالرؤية الإماراتية الطموحة تسعى إلى تحويل دفة العلاقات نحو مجالات حيوية كالتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي واستكشاف الفضاء، فضلاً عن تعزيز التعاون في مواجهة التحديات العالمية كالتغير المناخي.
إن لقاء رئيس دولة الإمارات نظيره الأمريكي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس يمثل فرصة ذهبية لإعادة ضبط البوصلة الاستراتيجية للعلاقات الثنائية. فالإمارات، بموقعها الجيواستراتيجي وقوتها الاقتصادية المتنامية ودورها المحوري في المنطقة، تقدم نفسها كشريك لا غنى عنه للولايات المتحدة في عصر يشهد تحولات عميقة في موازين القوى العالمية.
ولعل من أبرز ما يميز هذه الزيارة هو سعي دولة الإمارات لتوسيع نطاق الشراكة بعيداً عن الأطر التقليدية. فبينما كانت العلاقات في الماضي ترتكز بشكل كبير على الجوانب الأمنية والعسكرية، فإن الرؤية الإماراتية الجديدة تضع في صدارة أولوياتها التعاون في مجالات الابتكار والتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، وهي القطاعات التي ستشكل عصب الاقتصاد العالمي في المستقبل القريب.
إن هذا التحول النوعي في طبيعة العلاقات يعكس حكمة القيادة الإماراتية وبعد نظرها، فالشيخ محمد بن زايد يدرك تماماً أن مستقبل بلاده يكمن في بناء اقتصاد المعرفة والتحول نحو الصناعات المستقبلية، وهو ما يتطلب شراكة استراتيجية مع القوى العالمية الرائدة في هذه المجالات.
هذه الزيارة، التي تأتي في ذكرى مرور خمسين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، تحمل في طياتها دلالات عميقة وتفتح آفاقاً واسعة للتعاون الثنائي.
وهذه وجهة نظري لتحليل أبعاد الزيارة:
1. تعزيز الشراكة الاستراتيجية:
تتجاوز زيارة رئيس الإمارات إلى واشنطن مجرد لقاءات بروتوكولية، بل هي تأكيد على عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، فالولايات المتحدة والإمارات تدركان جيداً أهمية هذه الشراكة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وتعزيز الاستقرار والرخاء في المنطقة.
2. البعد الاقتصادي:
يشكل البعد الاقتصادي ركيزة أساسية في العلاقات الإماراتية الأمريكية. فالإمارات هي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهناك استثمارات أمريكية ضخمة في الإمارات، ومن المتوقع أن تشهد هذه العلاقات الاقتصادية مزيداً من النمو والتوسع، خاصة في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة.
3. التعاون الأمني والدفاعي:
لطالما كان التعاون الأمني والدفاعي حجر الزاوية في العلاقات بين البلدين. وقد تعزز هذا التعاون بشكل كبير في السنوات الأخيرة، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، ومن المتوقع أن يشهد هذا التعاون المزيد من التعمق، خاصة في ظل التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة والعالم.
4. البعد السياسي:
تتجاوز العلاقات الإماراتية الأمريكية الإطار الثنائي لتشمل تأثيراً كبيراً على الساحة الإقليمية والدولية، فالإمارات تلعب دوراً محورياً في تعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة، وتعمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة لتحقيق هذه الأهداف.
5. التطلع نحو المستقبل:
تفتح زيارة رئيس دولة الإمارات إلى واشنطن آفاقاً واسعة للتعاون المستقبلي بين البلدين، خاصة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، واستكشاف الفضاء، كما يمكن أن يشهد التعاون الثقافي والفني تطوراً ملحوظاً.
ختاماً، تمثل هذه الزيارة التاريخية نقطة تحول في مسار العلاقات الإماراتية الأمريكية، إنها ليست مجرد احتفاء بخمسين عاماً من الشراكة الوثيقة، بل هي إعلان صريح عن بداية حقبة جديدة من التعاون الاستراتيجي متعدد الأبعاد.
وفي ظل التحديات الإقليمية والعالمية المتزايدة، فإن هذه الشراكة المتجددة بين الإمارات والولايات المتحدة ستلعب دوراً محورياً في رسم ملامح المستقبل، ليس فقط للبلدين، بل للمنطقة والعالم أجمع.
اليوم، تقفُ الإماراتُ مُرتكزةً على مُنجزاتِ الماضيِ، وتتطلعُ نحوَ مستقبلٍ مُشرقٍ مع الولاياتِ المتحدةِ، فمن خلالِ هذهِ الزيارةِ، تُعِدُّ الإماراتُ للنّقلةِ النوعيةِ في العلاقاتِ من خلالِ تركيزِها على مجالاتِ التكنولوجياِ والذكاءِ الاصطناعيّ.